الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المقاطعة.. أشد من الرسوم

17 ابريل 2018 01:37
ما الذي يجعل هاورد شولتز، كبير المديرين التنفيذيين لستاربكس، يحلم بكوابيس؟ لك أن تتخيل أن صينياً على مواقع التواصل الاجتماعي ينشر تدوينة تدعو، من باب الوطنية، إلى مقاطعة ستاربكس بسبب الممارسات الأميركية التجارية غير العادلة، وتنشر وسائل الإعلام التي تديرها الدولة هذا الزعم وتذيعه عبر الإنترنت في الصين، ثم يلبي آخرون الدعوة! ولدى عملاق سلسلة المقاهي أكثر من 3000 مقهى في أنحاء الصين، كما أنها تعهدت بافتتاح 2000 مقهى آخر بحلول عام 2021 وافتتحت في الآونة الأخيرة أكبر مقهى في شنغهاي. ثم تبدأ صورة ستاربكس بالصين في التحول من تمثيل الحضرية المتقدمة إلى تجسيد للإمبريالية والنفوذ الأميركي. وحين يشكو شولتز إلى الزعماء الصينيين فإنهم يواسونه لكن يقولون إن هذا يمثل «إرادة الشعب». وستاربكس حالياً واحدة من العلامات التجارية الغربية التي تحظى بأكبر قدر من المقبولية والترحيب في الصين وتنظر الشركة إلى السوق الصينية باعتبارها «محركاً محورياً للنمو». فماذا لو استيقظ شولتز ذات صباح ووجد أن هذا لم يعد صحيحاً بسبب السياسات التجارية الأميركية؟ والبيانات تشير إلى أن الولايات المتحدة صدّرت بضائع إلى الصين بقيمة 131 مليار دولار في عام 2017، بينما استوردت بضائع بقيمة 506 مليارات دولار. وبدأ ترامب يجأر بالشكوى من العجز التجاري الأميركي معتقداً أن إعادة التوازن للميزان التجاري ستصلح الأسقام الاقتصادية الأميركية. وهددت بكين بالرد على تهديدات ترامب بفرض رسوم على بضائع صينية بقيمة 153 مليار دولار. لكن مشكلة الرئيس الصيني شي جين بينج هي أن بلاده لا تستورد كثيراً من الولايات المتحدة، وهذا يعني أن الصين تحتاج إلى استراتيجية مختلفة للاستجابة. لكن الكابوس المحتمل للشركات الأميركية يتمثل في مقاطعة البضائع والخدمات الأميركية أو ربما استهداف شركات بعينها مثل ستاربكس، كما في المثال التخيلي الذي طرحناه، أو المنتجات الأميركية بصفة عامة. وربما تربط بكين هذا بتهمة التهرب الضريبي لنشاط اقتصادي أميركي معين أو انتهاك لقوانين، وتغلق متاجر وتقنع المستهلكين بشكل غير مباشر بمقاطعة ستاربكس. وبصرف النظر عن الطريقة التي سيتم بها هذا، فإنه سيكون مؤلماً. لماذا إذن يمثل ذلك مصدر قلق كبير؟ الإجابة هي أن الشركات الأميركية تستفيد كثيراً من النوايا الحسنة التي يشعر بها الصينيون تجاه الأميركيين. صحيح أنه لا توجد عمليات مسح جيدة لاستطلاع الرأي العام في الصين عن موضوعات حساسة مثل النظرة إلى الأميركيين وصعوبة التعميم في وجهات نظر 1.4 مليار نسمة، لكن كثيراً من الصينيين لديهم نظرة إيجابية للمنتجات الأميركية والشعب الأميركي على خلاف اليابانيين مثلا الذين يكرهونهم لأنهم غزوا الصين أثناء الحرب العالمية الثانية. وهذا الود يدعم أداء الشركات الأميركية. وتستطيع بكين التنصل من الضلوع في المقاطعة، على خلاف التخلص من أذونات الخزانة الأميركية. وفي محادثات التجارة مع الأميركيين من المرجح أن يزعم المسؤولون الصينيون أن المقاطعة لا دخل لهم فيها رغم أنهم ربما يذكونها في الدهاليز. وحقيقة أن المقاطعة لا يمكن التحكم فيها بشكل كامل من أعلى يجعلها سلاحاً أكثر فعالية. وهددت بكين رداً على فرض رسوم أميركية بفرض رسوم على فول الصويا الأميركي، في استجابة تستهدف الإضرار بالناخبين الذين يميلون إلى ترامب في انتخابات التجديد النصفي في ولايات تحتدم فيها المنافسة. وحتى لو فرضت بكين رسوماً على مزارعي فول الصويا الأميركي فيمكن إزالتها بسرعة دون أن تتسبب في أضرار كبيرة. لكن حتى إذا انتهت حرب تجارية ما فقد يقرر المستهلكون الصينيون مواصلة مقاطعة ستاربكس. وهناك سوابق للمقاطعة في الصين خلال العقد الماضي، مثل سلسلة متاجر كارفور الفرنسية وشركة لوت جروب الكورية الجنوبية العملاقة، والسلمون النرويجي، والموز الفلبيني.. وكثير من المنتجات اليابانية. بل إن ستاربكس تعرضت لهذا عام 2007 بعد أن أعلن صحفي تلفزيوني أن ستاربكس «تدوس على الثقافة الصينية» لأنها تدير متجراً في المدينة المحرمة بوسط بكين. ودعا حينها مستخدمو الإنترنت إلى مقاطعة ستاربكس. وربما يكون أكبر قلق من المقاطعة الصينية يتعلق بمدى تحفيزها الشركات الأميركية لتدافع عن المصالح الصينية. وتتوقع ستاربكس أن تصبح الصين أكبر أسواقها في نهاية المطاف. ولإنهاء الخلاف في عام 2007 تعين على ستاربكس إغلاق متجر واحد بهدوء. لكن ما مدى القوة التي يتعين على ستاربكس أن تحشد بها الضغط في بكين وواشنطن لتنهي كابوس العام الجاري؟ *صحفي متخصص في الشؤون الدولية وباحث بارز في مركز جمعية آسيا للعلاقات الصينية الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©