الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«سيد القبو» ترصد العواطف الإنسانية في حالاتها المتناقضة

«سيد القبو» ترصد العواطف الإنسانية في حالاتها المتناقضة
22 مارس 2013 23:51
إبراهيم الملا (الشارقة) - قدمت فرقة مسرح بني ياس مساء أمس الأول بقاعة معهد الشارقة للفنون المسرحية عرضها المسرحي «سيد القبو» ضمن عروض المسابقة الرسمية للدورة الثالثة والعشرين من مهرجان أيام الشارقة المسرحية، العرض من تأليف الفنان «جمعة علي»، وإخراج الدكتور حبيب غلوم، وشارك في تنفيذه أدائيا كل من جمعة علي في دور (السيد)، وعلاء النعيمي في دور (الفتى)، وريم الحمدان في دور (الفتاة)، وسعيد الزعابي في دور (الرجل الأول)، وحمد الكبيسي في دور(الرجل الثاني). بهجة اللغة استند عرض (سيد القبو) على اللغة العربية الفصحى، بعد طغيان اللهجة المحلية على العروض الأربعة السابقة له، وهو الأمر الذي أبهج بلا شك ضيوف المهرجان، خصوصا القادمين من دول المغرب العربي ومصر وبلاد الشام الذين ظلوا يشكون في جلّ الندوات التطبيقية من صعوبة استيعاب مرامي ودلائل الحوارات في العروض بسبب صعوبة وخصوصية اللهجة الإماراتية، وكان دفاع المؤلفين والمخرجين دائما ما يذهب إلى التبرير البصري من حيث أن العرض يمكن قراءته من جوانب أخرى غير الحوار، مثل إيماءات الجسد ولغة وتكوين ومستويات العرض وبعض الالتقاطات الشفهية التي يمكن أن تتقاطع مع اللهجات الأخرى. واستطرادا لهذا الأمر، يمكن الإشارة إلى أن أحد مكاسب العرض هو تقديم الفنان جمعة علي لنص فصيح متماسك لغويا وغير مترهل أو إنشائي على مستوى السبك والصياغة وانتقائه للمفردات المعبّرة عن دواخل الشخوص ولوازم الموقف، إلّا في المشاهد الأخيرة التي أخذت منعطفا ميلودراميا حادا، وبعيدا عن البناء التصاعدي المتدرج والواعي لمستويات الصراع في بنية الحكاية. العرض يبدأ العرض على إضاءة شارحة لملامح قبو أرضي مزدحم بقطع متناثرة وأنابيب معدنية كبيرة معلقة على سقف الخشبة وجوانبها العلوية، مع وجود سرير متواضع على أرضية الخشبة من جانبها الأيمن، مع دخول وخروج أشخاص ومجاميع تبدو عليهم علامات القلق وفرط الحركة، وبعد انزياح هذا المشهد المتوتر إثر قطع معتم يستمر للحظات، نرى فتاة وفتى وهما يوقظان الشخص النائم على السرير، وينادونه بالسيد (الفنان جمعة علي) الذي يبدو مثقلا وثملا، ولكنه ينطوي على حكمة ومعرفة وخبرة طويلة بالحياة ومعززة بثقافة وقراءات تترجمها عباراته الفخمة، والكتب المتناثرة فوق وتحت سريره. تتعالق وتشتبك مكونات السينوغرافيا مع إرهاصات الحكاية انطلاقا من أولى التلامسات الشفهية بين الشخصيات الثلاث الرئيسية في العرض، فالفتى والفتاة يعبّران للسيد عن ضيقهما وتأففهما من السجن الأرضي الذين يقبعان فيه منذ زمن ومن دون أن يعيا سبب وجودهما في هذا الحيز المقفر، بينما يبدي السيد تذمره من العالم الخارجي الذي يعتبره سجنا مفتوحا تحوم فيه الوحوش والشياطين المتسترة بهيئات بشرية خادعة. وتتكشف من خلال الحوارات المعتنى بها جيدا، والمتناغمة مع الإيقاع التصاعدي للحبكة في المشاهد التأسيسية، طبيعة العلاقة التي تجمع بين السيد وبين الفتى والفتاة والمجاميع التي رأيناها في افتتاح العرض، حيث يتبين لنا أن السيد كان يرعى ويهتم باللقطاء وأبناء الخطيئة ويأويهم في هذا الملجأ الأرضي بعيدا عن العيون الراصدة وذئاب العالم المفتوح على الشر والطمع، وكان يبعثهم لمهمات تسول مؤقتة تعينهم على العيش حتى وإن كان هذا العيش شبيها بحياة الخفافيش المتوارية في ظلمات بعيدة، ولكنها تظل ــ كما يراها السيد ــ آمنة ومكتفية ذاتيا، ولكن ما ينغصّ على هذه البيئة القنوعة والمتكيفة ظاهريا مع وضعها، دخول شخصين غريبين وشرسين يهددان السيد بضرورة مغادرة القبو، وترك الفتيان المتسولين لهما من أجل استغلالهم ماديا وجسديا، وممارسة هوايتهما القذرة في المتاجرة بالبشر، وكانت ورقة التهديد القوية التي يمتلكها هذا الغريبان، تتمثل في معرفتهما بجريمة قتل السيد لزوجته الخائنة، وقدرتهما على الوشاية به للسلطات، خصوصا وان السيد مطارد منذ زمن بعيد، ومنذ بدء مغامرته في العزلة والتخفي داخل هذه الدهاليز الأرضية المعتمة. في المشاهد الأخيرة من العرض يأخذ الصراع منحى تراجيديا متطرفا، عندما يفاجئنا السيد بادخاره لمبالغ التسول، حتى يؤمن لهؤلاء اللقطاء والمشردين مستقبلهم في مسارات الحرية والوجهة التي يختارونها لأنفسهم، ومع دخول الفتى الناقم والممتلئ بمشاعر الغضب (علاء النعيمي)، نراه فجأة وهو يطعن السيد في ظهره ــ في استدعاء مشهدي لطعنة بروتوس الشهيرة ــ ولا يعي الفتى أن السيد كان يدخر له ولأقرانه في القبو الكثير من النوايا الطيبة، وأنه تبرّع بكليته للفتى الذي طعنه عندما كان هذا الأخير مصابا في طفولته بالفشل الكلوي، ويختتم العرض بإظلام كامل على الخشبة مع إضاءات لامعة وموزعة على الأوراق النقدية المتناثرة في مهب العواطف الإنسانية المشتتة بين الحنان والعنف، وبين المحبة والغدر، وبين الحقد والغفران، وبين الكثير من التناقضات الشائكة والمنغرسة في دراما الوجود ذاته. انطباع تميز العرض بالإضاءة القارئة والمتواصلة مع لحظات العنف والتوتر، ومع حالات الهدأة واستدعاء اللحظات المبهجة في سديم العلاقات الإنسانية المبهمة، وكانت الموسيقا والمؤثرات الصوتية ملاصقة ومعبرة عن تموّجات المشاعر الداخلية المتباينة للشخوص في ثنايا العرض، مثل مشهد الكابوس الذي تحوم فيه الخفافيش البشرية البيضاء حول جسد السيد وتمعن في تهديده، وكذلك في مشهد الختام الذي يتهاوى فيه سقف الأمل المحتشد لدى السيد، وتفتت آخر أحلامه في خلاص أبناء القبو من ميراث الخوف والعتمة الجاثمة على أرواحهم، وكان الأداء المتمكن للشخصيات الرئيسية الثلاث، وخصوصا أداء جمعة علي في دور سيد القبو، سببا في تماسك بنية العرض وعدم تداعيه قبل ذروة الختام التي جاءت محيرة وصادمة وسلبية مقارنة بما سبقتها من مشاهد واحتدامات وانتقالات موفقة في تدرجها وبنائها الداخلي، مع ملاحظة أن حالة السكر الدائمة والثمالة المتواصلة التي رافقت أداء جمعة علي واستمرت طوال فترة العرض، لم تقدم مسوغات منطقية لسلوكيات شخص يختزن في أعماقه كل هذه المشاعر الطاهرة والمثالية. وعاب على العرض ديكوراته الضخمة المستحضرة بشكل مباشر لصورة الدهاليز والمجاري الأرضية، وكان يمكن الاستعاضة عن الكتل الكبيرة والمزعجة بصريا بإمكانات الإضاءة التعبيرية، والسينوغرافيا المتقشفة والرمزية التي يمكن أن تحيل إلى صورة القبو من دون حشو وزيادة في عناصر الديكور. «مشاجرة رباعية» تكشف ما يخفيه اللاوعي ضمن أهداف وطموحات اللجنة العليا المنظمة لمهرجان أيام الشارقة المسرحية في تنويع أفق الفرجة المسرحية، ورغبة منها في تشجيع المواهب الشابة ومنحها فرصة التواصل والاحتكاك بالعروض الاحترافية والمشاركة في المناسبات المسرحية الكبرى، كان جمهور الأيام على موعد مساء أمس الأول وقبل عرض «سيد القبو»، لمشاهدة المسرحية القصيرة «مشاجرة رباعية» للمخرج الشاب بدر الرئيسي، الذي قدم معالجة ورؤية فنية خاصة ومستوحاة من أحد نصوص المؤلف المسرحي العالمي يوجين يونسكو، وبمشاركة ثلاثة ممثلين هم : أحمد شاهين في دور (دوبون)، ومحمد حسن في دور (دوران)، وإبراهيم العضب في دور (مارتان)، وتتناول المسرحية في أقل من نصف ساعة ومن خلال سينوغرافيا مختزلة مكونة من قطع ومكعبات سوداء وإضاءة مشاكسة وعبثية، قصة ثلاثة أصدقاء يفتقرون للتواصل اللفظي في سياقه الطبيعي، ويلجأ كل واحد منهم لتفسيره الذاتي في صياغة مفهومه وانطباعه عن الطرف الآخر، الذي يتحول أحيانا إلى ندّ وعدو، وأحيانا أخرى إلى صديق وشريك، ولكن الغموض يظل مسيطرا على الجميع، خصوصا مع الأنا الداخلية لكل شخص، والتي تبدو هنا مكسوّة بضباب من الحيرة التي لا يمكن فك رموزها بإزاء محيط خارجي شرس ومليء بالغيرة والشكوك، ويأتي الصوت النسوي من خارج الكادر المسرحي، ليزيد من وقع هذا العبث الوجودي المدفوع نحو العنف وإقصاء الآخر وتأنيب الذات، ويكتشف المتفرج في النهاية أن الثلاثة يقبعون في مستشفى للأمراض العقلية، وأن الشخوص في داخل هذا المكان المريب، يعبرون وبصدق وواقعية عما يخفيه البشر الأسوياء في لاوعيهم المطمور والمهمل قصدا أو من دون قصد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©