الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

جستن كارترايت يقتفي تداعيات الأزمة المالية العالمية على حياة المجتمع البريطاني

26 مارس 2011 22:59
هل يمكن للأدب أن يناقش موضوعات تعتبر خارج إطاره المألوف؟ سؤال ربما أجاب عنه الروائي الإنجليزي “جستن كارترايت” في روايته الأخيرة “مال الآخرين” الصادرة عن دار بلومزبري، مارس 2011. فالرواية تقتفي بواقعية شديدة تداعيات الأزمة المالية العالمية، ومأزق البنوك البريطانية، وأثر ذلك على المشهد الاجتماعي. أما مؤلفها فيدافع عن اختياره لهذا الموضوع بقوله في حوار أجرته صحيفة الجارديان البريطانية “إن ما أقوم بتأليفه ليس شبيهاً بالبحث. إنني أعير اهتماماً كبيراً بالشخصيات. والواقع أن الموضوعات التي تلقي الضوء على “حال الأمة” لا ينبغي لها أن تناقش هذا الموضوع فقط، وإنما ينبغي لها كذلك أن تدور حول حياة الناس”. في متابعتها للتحولات الاقتصادية السريعة تكشف الرواية أن الأمور المالية الخطيرة، مثلما هو الحال في الأمور السياسية البالغة الأهمية يمكنها أن تتحول إلى نسيج تتغير اتجاهاته على شاكلة ما يحدث في القصة. ومن جانب تطرح مفهوم الرواية التي تواكب سرعة الحدث. ورغم أنها تحرص على التقاطه أولاً بأول، إلا ان اختيارها يقع على زاوية اخرى قد لايراها المحلل الاقتصادي بالعين المجردة. ما تلتقطه الرواية هو الاجتماعي وهو عالم قائم بذاته، تختمر ضمن حدوده حياة فئة اجتماعية عليا من الناس، تعيش على قمة الهرم الاقتصادي. لكن بلغة الأدب التي لا تخلو من عناصر الجمال، والبحث عن الإنساني، والتعليق الساخر، يرسل المؤلف وجهة نظره في قالب روائي مثير. إن عائلة تيوبال لا تفتقر إلى السلطة المادية أو الوجاهة الاجتماعية، ولكنها على الرغم من ذلك تفتقر إلى التوازن في لحظة من اللحظات العاصفة. على جناح السرعة تستشري تداعيات الأزمة المالية العالمية. وعلى نحو موازٍ تلاحق الرواية هذه الأحداث في بريطانيا. بنك تيوبال وشركاه، يواجه للمرة الأولى منذ ثلاثمائة عام ما يشبه تسونامي أزمة مالية. فرغم تعرضه لأزمات سابقة تمكن من الخروج منها سالما، إلا أن أحداً لم يعد قادراً حتى على تفسير ما يحدث في اللحظة الراهنة. إن تداعيات الأزمة تأخذ شكلاً آخر لم يعهده أحد بحيث يمكن التنبؤ به. الحالة الصحية لرئيس البنك سير هاري تيوبال، تتردى على إثر سكتة دماغية مفاجئة. فيخضع للعلاج . ليجد نفسه منعزلاً في إحدى الفلل التي تملكها العائلة في فرنسا. جوليان الإبن يتولى إدارة البنك بوصفه الوريث والرئيس الجديد. في الطريق المزيد من الفضائح المالية. مزاد علني، وتكتم على الكثير من الحقائق من بينها ما لا يجب كشفه على أي مشتر محتمل للبنك. في حسابات سرية يحول الإبن مئات ملايين الجنيهات إلى الخارج. في الداخل يستمر في خداع المتعاملين الذين يكتشفون أساليب متعددة للتلاعب كالصفقات والهبات الوهمية. ورغم شعوره بالذنب تجاه الأب الذي لا يتأخر عن تزويده بالنصائح وأولها الإبقاء على التقاليد العريقة للمؤسسة من أجل المحافظة عليها، حتى وهو على شفى الانهيار العقلي، إلا أنه يتمادى في سياسته المالية التي تقود إلى الفوضى وإلى بيع المؤسسة في نهاية المطاف. الحدث في تداعياته لا يقتصر تأثيره على حياة هؤلاء الإقتصادية وإنما يصل إلى داخل الشخصيات. أبطال الرواية وإن كانوا من المنتمين إلى الطبقة الأرستقراطية أوالبرجوازية هم في النهاية بشر. ومن وجهة نظر واقعية، هم على الرغم من قدرتهم المادية يصبحون عاجزين حتى عن استيعاب الأحداث المستجدة على نحو يكاد حتى يتجاوز المنطق. بعضهم يتحدى وبعضهم يستسلم مجسداً قمة العجز الإنساني، فهم بغض النظر عن صلتهم بعالم المال، لايفتقرون إلى ما يجعلهم ينسجمون مع هذه الطبيعة البشرية، هم من الذين تربط بينهم علاقات اجتماعية مختلفة، حميمة ومتنافرة، سواء كانوا محبين، أعداء متصارعين، أزواجاً، أبناءً، مجرد مستخدمين من قبل طرف أو آخر أو حتى هامشيين. غير أن ما يميز رواية كارترايت في الواقع هو أنها تعالج ما يحدث لنا كبشر لحظة السقوط وعند محاولة النهوض واستعادة الوعي. شخوصه هذه تقع من الأعلى فتجد نفسها في مأزق، لا لشيء إلا لتجدد العزم على البحث عن مواقعها الحقيقية في الحياة. كارترايت روائي إنجليزي من مواليد جنوب إفريقيا سنة 1945، لأب كان يرأس تحرير صحيفة جنوب إفريقية ذات توجه ليبرالي مناهض لنظام التفرقة العنصرية. درس العلوم الإقتصادية والسياسية، وعمل في الستينيات مدرساً في جامعة أكسفورد البريطانية، كما عمل في الإخراج والإعلان لفترة. هذه ليست المرة الأولى التي يكتب فيها حول موضوعات تناقش تداعيات الأزمات المالية فهو من بين عدد من الروائيين البريطانيين الذين تسلط أعمالهم الضوء على هذا الموضوع.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©