الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفغانستان... جرد الحساب قبل «الانسحاب»!

22 مارس 2012
خلال حملته الانتخابية تعهد أوباما بمراجعة المهمة الأميركية في أفغانستان التي كانت بالنسبة له الحرب الأكثر أهمية من سواها، متهماً إدارة بوش السابقة بتشتيت انتباهها عن أفغانستان والتركيز على غزو العراق غير المفيد من وجهة نظر أوباما وإدارته. ولكن الطريقة التي تعامل بها أوباما مع الحرب في أفغانستان أظهرت أيضاً أن الأمر متعلق بالصراع السياسي في واشنطن أكثر من متطلبات الأمن القومي الأميركي، وخاصة أن الحرب كانت في البداية فرصة خطابية لانتقاد سياسات بوش وحشد التأييد لاستراتيجية الإدارة الجديدة. والحال أن أوباما مع صعوده إلى السلطة وتوليه الرئاسة لم تعد أفغانستان بالنسبة له لعبة خطابية أو محط شد وجذب في واشنطن، بل غدت مشكلة حقيقية يتعين التعامل معها بجدية أكبر، ولاسيما في ظل ما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" عن كون العديد من مسؤولي البيت الأبيض باتوا مدركين أن المهمة الأميركية في أفغانستان "وصلت مرحلة النتائج المتواضعة". ولذا وبعد أكثر من عشر سنوات في أفغانستان ربما حان الوقت لجرد الحساب وتقييم النتائج، وخاصة بعد سلسلة من الأحداث المؤسفة التي شهدتها الأسابيع القليلة الماضية وتراوحت بين شريط الفيديو الذي أظهر جنوداً أميركيين يتبولون على جثث عناصر من "طالبان"، والمظاهرات العنيفة التي اندلعت على خلفية حرق مصاحف شريفة خطأ، وأخيراً عملية القتل الوحشية التي قام بها جندي أميركي. ولكي يضاف مزيد من التعقيد صرح كرزاي مؤخراً بأنه يريد من القوات الأميركية إخلاء القرى والبلدات والرجوع إلى ثكناتها، وهو مؤشر واضح على مدى الصعوبة الذي بلغته العلاقات الرسمية الأميركية- الأفغانية بعد تلك الوقائع المؤلمة. والحقيقة أننا لن نعرف أبداً على وجه الدقة حجم النجاح المتحقق في أفغانستان، ذلك أن تعامل أوباما مع الموضوع الأفغاني طغى عليه الغموض واللبس منذ البداية، وهو ما أفضى إلى سياسات غير واضحة ومتضاربة ساهمت أحياناً في تعميق مشاكل أفغانستان ومعها ورطة الولايات المتحدة،. ولعل من ضمن مؤشرات تلك السياسة الغامضة الانتقادات التي وجهتها للإدارة الأميركية صحيفـة "واشنطن بوست" التي عادة ما تكـون أقل حدة في مواقفهـا من الإدارة مقارنة بنظيرتها المحافظة صحيفة "وول ستريت جورنال"، حيث فتحت "الواشنطن بوست" أبواب النقد على سياسة أوباما في أفغانستان، معتبرة أنها فاشلة بعد سنوات من المحاولات المتكررة. ومع أن أوباما سعى لدى توليه الرئاسة إلى تأكيد التزام أميركا تجاه أفغانستان، واعداً بتجديد الجهود الأميركية، إلا أن تصرفاته -تقول "واشنطن بوست"- بعثت برسائل مغايرة، فقد سارع إلى إنهاء التواصل المباشر مع كرزاي، وفرض مواعيد عشوائية وغير مدروسة لسحب القوات على رغم معارضة العسكريين، ناهيك عن تصرفات غير ملائمة تعامل بها مع كرزاي بعض المسؤولين في الإدارة. بل إن أوباما نفسه أصر على ضرورة سحب القوات التي أُرسلت في إطار خطة الزيادة بحلول الصيف القادم، وذلك حتى قبل انتهاء موسم القتال لهذه السنة. ولكن ربما تكون جسامة مهمة أفغانستان أكبر من قدرة أوباما، أو أي رئيس أميركي آخر، على احتوائها، ولاسيما إذا حددنا تعريف المهمة الناجحة بأفغانستان وعرفنا سقفها بأنه يتمثل في إضفاء نوع من التماسك السياسي على بلد تقسمه ليس فقط التضاريس الوعرة بل أيضاً الخريطة القبلية والعرقية المختلفة، بل إن مجمل المغامرة الأميركية في أفغانستان يستحضر في أذهاننا شبهاً غير مريح مع فيتنام. ففي الحربين معاً كان العدو محميّاً بالملاذات الآمنة وراء الحدود في الدول المجاورة التي توفر القدرة على الهرب وإعادة التسلل وإملاء وتيرة القتال على الجنود الأميركيين في الوقت الذي يختاره، فـ"طالبان" تستطيع الرجوع إلى قواعدها الآمنة في الحدود مع باكستان لتختار المكان والزمن المناسبين للتسلل وضرب القوات الأميركية مجدداً. وهي استراتيجية كان قد اتبعها أيضاً جيش فيتنام الشمالي عندما أقام قواعد خلفية في كمبوديا ولاوس. وما لم يُوضع حد لهذا التسلل ستفقد القوات الأميركية المبادرة. وأكثر من ذلك تبرز في أفغانستان مشاكل إضافية أخرى مرتبطة بالفساد وتجارة المخدرات، وخاصة أن هذه الأخيرة توفر دعماً مستمراً لـ"طالبان". وبدون وجود استراتيجية لمعالجة هذه المشاكل يقول الخبير في الأمن الدولي "جون بايك"، فإنه لا وجود لحل في أفغانستان. أما السؤال الجوهري اليوم فهو: ماذا سيحدث بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان؟ مهما كانت مشاعرنا السلبية تجاه إدارة نيكسون التي كانت متورطة في حرب فيتنام إلا أنه يحسب لها، على كل حال، الخروج بأقل الخسائر الجيو- استراتيجية الممكنة والحفاظ على مكانة أميركا العالمية بعد انفتاح نيكسون على الصين، ولكن الصورة العامة في أفغانستان تدعو للقلق، فلو أن الإدارة الأميركية مضت قدماً في خططها الرامية إلى تسليم المهام الأمنية للأفغان، فإن ذلك قد يحدث فراغاً يُخشى أن تملأه "طالبان". وحتى لو أبقت أميركا عدة آلاف من قواتها الخاصة داخل أفغانستان في إطار اتفاق مع الحكومة الأفغانية وإسناد تلك القوات بقوة الطائرات بدون طيار لضمان عدم تقدم "طالبان"، فإن هذه المقاربة ستكون كافية فقط، وفقاً للخبير "بايك"، للحفاظ على سيطرة الحكومة الأفغانية في العاصمة كابول والمناطق القريبة منها وليس أكثر. وهذا بالفعل أمر مؤسف أن تنتهي مهمة أميركا في أفغانستان إلى مثل هذا المآل بعد عشر سنوات من القتال والجهد ومحاولات بناء الدولة التي ستكون، لو وقع هذا، وكأنها ذهبت كلها أدراج الرياح. توماس ماكلنهان كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©