الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شنودة... صمام الأمان لوحدة مصر

22 مارس 2012
برحيل البابا شنودة، لم تفقد مصر المحروسة وحدها زعيماً في عصرنا هذا، بل فقد العالم العربي بمسلميه ومسيحييه، رجلاً من أبرِّ أبنائه وداعية من أنبل وأصدق دعاة وحدته وحريته. فقد كان البابا شنودة بمكانته الدينية المتميزة وشخصيته الفريدة وعلمه الواسع ومعرفته المتقدمة بتاريخ وسيرة الأمم، وقناعته الراسخة بوحدة الأمة العربية ووطنيته الصادقة كما قال كثير ممن رثوه عندما أعلن عن وفاته، صمام الأمان للوحدة المصرية الوطنية، الوحدة التي سيتشارك فيها المصريون جميعاً أقباطاً ومسلمين ويتحقق فيها العدل للجميع والتقدم لمصر والسيادة لكل شعوب الأمة العربية، في مواجهة كل أشكال وألوان الاستعمار الأجنبي، وتتوحد الإرادة العربية الشعبية في مواجهة الاحتلال والأطماع الصهيونية. ولقد كانت فترة رئاسته لكنيسة الإسكندرية المرقصية فترة من أخطر الفترات في تاريخ مصر الحديث، فهي الفترة التي تمت خلالها اتفاقية كامب ديفيد والتطبيع مع إسرائيل، والتي هي في المشروع الأميركي - الصهيوني الخطوة الأولى لاحتواء العالم العربي وفقاً للأجندة الأميركية - الصهيونية، لأن مصر الشعب كانت ولا تزال قاعدة الدفاع المتقدمة عن العالم العربي والأمة العربية. وكان البابا شنودة العالم المتبحر عارفاً ومدركاً لذلك، ولذلك أقول إن فقده ورحيله عن دنيانا لم يكن لمصر وحدها بل للأمة والعالم العربي. في هذا العصر الذي تولى فيه البابا شنودة رئاسة الكنيسة المرقصية، خرج للسطح من جديد المشروع لإعادة رسم خريطة الوطن العربي وتفتيت الدول إلى دويلات وتقاسمها ونهب ثرواتها الكبيرة والتحكم في ممراتها المائية. هذا المشروع الاستعماري القديم فشلت بريطانيا الاستعمارية في تحقيقه في مصر، وأسقط الوعي الوطني المصري دعوة قيام دولتين في مصر، وكان لزعماء مصريين أقباط سبقوه في الدنيا، الفضل في فشله، وأطلق مكرم عبيد ورفاق الزعيم الوطني سعد زغلول كلمته المشهورة في التاريخ، "الدين لله والوطن للجميع، وتحيا مصر حرة مستقلة". في هذا العصر خرج من ركام التاريخ وأوحاله التطرف الجاهل المتوحش باسم الإسلام، وعاشت مصر فترة حالكة السواد من أعمال وأفكار المتطرفين الجهلاء، وشهدت القرى والكفور المصرية حرباً أشبه بالحروب الأهلية.. أحرقت فيها كنائس ودور عبادة وقتل فيها مئات من فقراء الفلاحين المصريين، وكانت السلطة الإرهابية وقبضتها الجديدة التي بدأت مع عهد السادات وامتدت وقويت شوكتها في عهد مبارك... وأثيرت بعنف وضجيج القضية القديمة. وكانت ردة الفعل على التطرف المسمى باسم الإسلام، أن بدأت بذرة التطرف القبطي تنمو، فالتطرف من طبيعته يخلق التطرف المضاد له، وهنا تتجلى عظمة ووطنية ووعي البابا شنودة، الذي رفض بشدة وقاوم بصلابة بعض دعاة التطرف القبطي بحجة الدفاع عن النفس. وكان الرجل يحارب بكل ما يملك من سلطة دينية ودنيوية بعض أبنائه ويحذرهم من أن يسلكوا هذا الطريق الذي سيحقق رغبة وهدف الغرب الاستعماري. وقد كان مؤمناً بأن يكون لـ"رجال الدين" دورهم ومسؤوليتهم في الدفاع عن وحدة مصر.. مصر للمصريين أقباطاً ومسلمين. كان البابا شنودة رجلاً، قليلون هم أمثاله من الرجال في شجاعته ووطنيته وتواضعه الجم وحبه واهتمامه بالفقراء والمساكين من كل جنس ولون. ولقد التقيته وتعرفت عليه منذ أن كان يشغل منصب أسقف التعليم والخدمات، وامتدت علاقتي به بعد أن تولى كرسي البابوية.. وأشهد أنه كان محباً للسودان وأهله وكريماً معهم بغض النظر عن ديانتهم، وكان أكرم وأطيب الملاذات التي كنا نلجأ إليها أيام الهجرة السودانية الواسعة إلى مصر وكان دائماً عند حسن ظننا وأملنا فيه.. وعندما يسجل التاريخ سيرته ومسيرة حياته سيذكر دائماً أنه البابا الذي كان صمام الأمان للوحدة الوطنية في مصر. عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©