الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تبعية أميركا النفطية: التحدي والاستجابة

تبعية أميركا النفطية: التحدي والاستجابة
6 يوليو 2008 23:11
عندما أعلن الآباء المؤسسون استقلال الولايات المتحدة، لم يكونوا يتخيلون أن البلاد ستصبح بعد 232 عاماً مرتهنة لموارد بلدان خارجية إلى هذه الدرجة· وقد مرت على تلك الحقيقة ثمانية عقود تقريباً قبل أن يتدفق النفط من بئر تيتوسفيل (ولاية بنسلفانيا)، وتبدأ بالتالي انطلاقة اقتصاد النفط العالمي، ليتطلب الأمر ثمانية عقود أخرى، بالنسبة للولايات المتحدة، لتصبح مستورداً لمصدر الطاقة الحفرية الجديد· ومنذ ذلك التاريخ لم يفتأ الاعتماد الكارثي للبلاد على النفط الخارجي في تصاعد مستمر· وحين فرضت منظمة الدول المصدرة للنفط ''أوبك'' حظرها الشهير على تصدير النفط عام ،1973 كانت واردات الولايات المتحدة تشكل 30 في المئة من احتياجاتها من هذه المادة الحيوية، أما اليوم، فقد ارتفعت النسبة لتشكل أكثر من 60 في المئة، على أن حصة متزايدة من هذا النفط تأتي من أقل مناطق العالم استقراراً، على وجه التحديد· واليوم وقد بلغ سعر برميل النفط 145 دولاراً، يرتقب أن تنفق الولايات المتحدة على الواردات النفطية، حسب تقديراتي، أكثر مما ستنفقه على ميزانيتها الدفاعية، علماً بأن الكثير من تلك الأموال ستذهب، شئنا أم أبينا، لخزائن بلدان لا تتمنى لنا الخير· ولما كان الاعتماد على النفط أمراً غير محبوب إلى هذه الدرجة، فربما يعتقد البعض أن الاستقلال في مجال الطاقة فكرة يسهل إقناع المسؤولين الأميركيين بسدادها ووجاهتها، وبخاصة هذه الأيام التي نحتفي فيها بعيد الاستقلال (الرابع من يوليو)، والحال أن التهكم والسخرية اللذين ووجهت بهما الفكرة قل نظيرهما، فـ''مجلس النفط الوطني''، وهو منظمة يمولها القطاع الخاص وتقدم للحكومة الفيدرالية الأميركية توصيات ونصائح في قطاعي النفط والغاز، وصف في تقرير له الاستقلال الطاقي بأنه ''أمر غير واقعي''، هذا في حين وصف كتاب صدر مؤخراً بعنوان ''بئر الأكاذيب'' Gusher of Lieَّ لكاتبه روبرت برايس، وهو زميل سابق لمركز بحوثٍ يموَّل جزئيّاً من قبل شركات الطاقة، الاستقلالَ الطاقي بأنه ''وهم خطير''· بل إن لجنة تابعة لمجلس العلاقات الخارجية ذهبت في 2006 إلى حد اتهام المروِّجين لفكرة الاستقلال الطاقي بأنهم ''لا يخدمون الأمة، لأنهم يركزون على هدف غير قابل للتحقيق في المستقبل المنظور''· رجاءً تجاهلوا الآن كل هذه الآراء؛ فالاستقلال في مجال الطاقة لا يعني أنه يجب على الولايات المتحدة أن تحقق لنفسها اكتفاءً ذاتيّاً تاماً، وإنما يعني بكل بساطة تقليص دور النفط في السياسة العالمية -أي تحويله من سلعة استراتيجية إلى مجرد شيء كجميع الأشياء التي تباع في السوق· ولكنْ، هل الاستقلال الطاقي وهْم وخيال حقّاً؟ بالتأكيد لا، ففي قطاع الكهرباء تم إنجاز هذه المهمة منذ فترة· ولاشك أنكم تتذكرون الرئيس جيمي كارتر خلال الأزمات النفطية لعقد السبعينيات وهو يحث الأميركيين على الاقتصاد في استعمال الكهرباء! وحينها لم يتطلب منا وقف اعتماد قطاع الكهرباء على النفط سوى عقد من الزمن· ونتيجة لذلك، فإن نسبة 2 في المئة فقط من الكهرباء في الولايات المتحدة اليوم، مرتبطة بالنفط· فهل نستطيع القيام بشيء مماثل بخصوص قطاع النقل، حيث مازالت السيارات والشاحنات الأميركية تزدرد الوقود بنهم؟ والحــــال أن ثمـــــة أربعــــــة بلـــدان مختلفــــة جدّاً -ديكتاتورية وديمقراطية على حد سواء- على الأقل، هي اليوم بصدد إحراز تقدم حقيقي نحو تحقيق هذا الهدف الحيوي· وقد حان الوقت للانتباه إلى الدرس الذي تقدمه تلك البلدان والاستفادة منه· أما البلد الأول، فهو إيران· إذ من المعلوم أن الجمهورية الإسلامية تتوفر على الكثير من النفط، إلا أنها لا تتوفر على قدرات مماثلة لتصفيته، وهو ما يجعلها تعتمد على واردات الجازولين· بيد أن الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، يدرك أن ذلك يمثل ''كعب أخيل'' بالنسبة لبلاده، ويخشى أن يتسبب حظرٌ شامل للجازولين في اضطرابات اجتماعية تقوِّض نظامه· وهكذا أطلق نجاد برنامجاً يرُوم تحقيق استقلال طاقي لبلاده عبر تحويل نظام النقل في إيران من الجازولين إلى الغاز الطبيعي الذي تتوفر إيران على كميات وافرة منه· كما يشمل مخطط نجاد توجيهات لقطاع صناعة السيارات الداخلي بصنع سيارات ''مزدوجة الوقود'' يمكن أن تشتغل بكل من الجازولين والغاز الطبيعي، وبرنامجاً طموحاً لتحويل السيارات المستعملة بحيث تصبح قادرة على الاشتغال بالغاز الطبيعي، وآخر يقضي بتحويل محطات الوقود الإيرانية بحيث تبدأ في تقديم نوعي الوقود كليهما لسائقي العربات· وإذا كانت إيران تتجه بخطى سريعة نحو استقلال طاقي، فإن البرازيل تمكنت منذ فترة من بلوغ هذا الهدف، بشكل واضح· وهذا تحول مذهل حقّاً! فقبل ثلاثة عقود، كانت تستورد 80 في المئة من إمداداتها النفطية، غير أن البرازيليين ضخوا، منذ الحظر النفطي العربي لعام ،1973 استثمارات كبيرة في قطاع ''الإيثانول'' المستخرج من قصب السكر، وتمكنوا من إنشاء أسطول من المركبات التي تستطيع الاشتغال بالوقود المنتج من هذه المادة النباتية· وحسب نقابة قطاع قصب السكر، فإن 90 في المئة من السيارات الجديدة التي تباع هناك هذا العام هي مركبات ''مرنة الوقود'' يكلف صنعها 100 دولار إضافية، وتستطيع الاشتغال بأي مزيج من الجازولين والإيثانول· وعلى غرار البرازيل، قررت الصين استبدال الجازولين بنوع بديل من الوقود، غير أنه خلافاً للولايات المتحدة والبرازيل حيث يعد الإيثانول البديلَ المفضل، فإن الصين تبنت نوعاً مختلفاً من الكحول يسمى الميثانول· وهكذا، بدأ عدد من الأقاليم الصينية منذ فترة في مزج الجازولين مع الميثانول، وهو سائل صافٍ لا لون له يُعرَف أيضاً باسم كحول الخشب، واليوم، يوجد عبر أرجاء الصين المختلفة عدد من مصانع الميثانول قيد الإنشاء، وبدأ قطاع صناعة السيارات الصيني إنتاج نماذج من السيارات ''مرنة الوقود'' تستطيع الاشتغال بالميثانول بكفاءة معقولة· وتمثل إسرائيل شاهداً رابعاً على ما يمكن للحاجة والابتكار أن يحققاه· فقد تم العام الماضي إطلاق شركة لصناعة السيارات الكهربائية بهدف تحويل اقتصاد إسرائيل -التي هي في حالة صراع فعلي مع كبار منتجي النفط في المنطقة- إلى اقتصاد خالٍ من النفط· وقريباً من المتوقع أن يصبح الإسرائيليون قادرين على استبدال سياراتهم التي تشتغل بالجازولين بأخرى تشتغل بالبطاريات التي سيشحنونها في مئات الآلاف من نقاط الشحن المزمع إنشاؤها عبر البلاد· وبالنسبة لكل واحد من البلدان الأربعة، لم يعد الاستغناء عن النفط، ترفاً كلاميّاً، أو مقترحاً نظريّاً، وإنما أصبح واقعاً قيد التحقق والتطور· أما نحن في أميركا، فعلى رغم سيول الكلام والخطابات التي تصدر عن ساستنا بخصوص ضرورة تقليص اعتمادنا على النفط، إلا أن أيّاً من الحلول التي تبنتها إيران والبرازيل والصين وإسرائيل لم يجرِ بحث إمكانية تطبيقها في ''أرض الأحرار'' و''بلاد الشجعان''، كما نحب أن نسمي بلادنا· ويجدر بنا أن نتذكر المثل القائل: ''إذا كنت في حفرة، فتوقف عن الحفر''، فلو كانت كل سيارة جديدة تباع في الولايات المتحدة ''مرنة الوقود''، ولو كان بمقدور ملايين الأميركيين شحن سياراتهم بالكهرباء، لوجد الجازولين نفسه أمام منافسة قوية من قبل بدائل وقود جدية· ثم إن أموالنا ستذهب، في هذه الحالة، من ''إيكسون'' إلى ''بيبكو''، ومن الشرق الأوسط إلى الوسط الغربي الأميركي -إضافة إلى عدد من البلدان الفقيرة المنتِجة للمواد النباتية التي يستخرج منها الوقود الحيوي في أفريقيا وأميركا اللاتينية وجنوب آسيا، ومنها البلدان القليلة التي ما زالت لا تكرهنا بعد· فهذا، ولاشيء غيره، هو الطريق إلى الاستقلال، بالمعنى الحقيقي للكلمة! جال لوفت المدير التنفيذي لـ معهد تحليلات الأمن العالمي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©