السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المسلمون في بلغاريا.. تاريخ من المعاناة والاضطهاد

المسلمون في بلغاريا.. تاريخ من المعاناة والاضطهاد
5 سبتمبر 2009 23:55
يتميز تاريخ المسلمين في بلغاريا بأشكال كثيرة من الاضطهاد والتمييز، الذي تعرضوا له منذ أن بدء دخول الإسلام إلى بلغاريا في القرن الثالث الهجري التاسع للميلاد حين هزم المسلمون اليهود الخزر المجاورين للبلغار سنة 120هـ - 737 م، وحين ذاك انتشر الإسلام في بلاد الخزر وبلاد البلغار وما يجاورها على ضفاف نهر الفولجا الذي يصب في بحر الخزر (بحر قزوين)، حتى اعتنق ملوك البلغار الإسلام، وفقاً لروايات المؤرخين التي تشير إلى أن أحد أبناء ملك البلغار حج في عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله، وزار بغداد وقدم فروض الطاعة للخليفة العباسي المقتدر، وطلب منه المساعدة، ونظراً لرغبته في جعل بلده إسلامياً، فقد أرسل إليه المقتدر بالله الفقهاء والعلماء والحرفيين والتجار وغيرهم لينشروا الإسلام ويدعوا له. وبنى الملك البلغاري المسلم آنذاك حصناً كبيراً حول مدينته ليأمن شر الملوك غير المسلمين، واستجاب الخليفة المقتدر لطلبه فأرسل إليه بعثة كبيرة على رأسها العلامة الشيخ أحمد بن فضلان بن العباس البغدادي، الذي ألف كتاباً عن رحلته يسمى «رحلات ابن فضلان»، يصف فيه كل شيء عن دعوته للإسلام في بلغاريا. زمن الفتوحات بعد أن انتشر الإسلام بين البلغار وجيرانهم على ضفاف نهر الفولغا والقوقاز، وقعت حروب بين القبائل المتناحرة في تلك المناطق، فاندفعت هجرات متلاحقة اتجهت نحو أوروبا الشرقية، ولكن ملك بلغاريا «سيمون» اعتنق النصرانية، وقاد حملة التغيير التي استمرت بالنمو في أيامه واصطدم مع المسلمين، وسار أحفاده على طريقه، وقد أصبح الدين المسيحي ديناً رسمياً لبلغاريا سنة 251هـ _ 865م. ويؤكد سيد عبد المجيد بكر في كتابه «الأقليات المسلمة في أوروبا» أن عدداً من البلغار قد بقوا على دين الإسلام، لكن هذا العدد من المسلمين ظل ضعيف الجانب حتى الفتح العثماني، حيث فتح السلطان مراد الأول مدينة أدرنة سنة 762هـ/ 1361م، وجعلها عاصمة للسلطنة العثمانية، ثم فتح صوفيا سنة 785هـ / 1383م، بعد أن حاصرها ثلاث سنوات، وعمت الفتوحات الإسلامية واصطبغت بلغاريا بصبغة إسلامية عثمانية تامة اعتبارًا من سنة 805هـ /1402م وظلت هذه الأحوال سائدة لعدة قرون حتى عام 1877م، وبلغ عدد المساجد في ذاك الوقت أكثر من 1500 مسجداً منتشرة في كل مكان. تراجع المسلمين يشير عبد المجيد بكر إلى أن تآمر الأوروبيين والروس بعد ذلك على الدولة العثمانية ابتداءً بسنة 1293هـ / 1877م، أدى إلى هزيمة العثمانيين لتبدأ المجازر الجماعية تطاول المسلمين العزل مما فتح باب الهجرة فهاجر من هاجر ولاذ مئات آلاف المسلمين بالجبال، واستغل الوضع الهش أمير بلغاريا فرديناند سنة 1326هـ / 1908م، واتخذ لنفسه لقب قيصر، وحكم البلاد حكماً رومياً أرثوذكسياً، حتى سنة 1362هـ / 1943م، وسادت محاكم التفتيش، وأجبر المسلمون على الارتداد عن دينهم أو الهجرة وقتل منهم الآلاف. تنوع عرقي بالتوقف عند تجمعات المسلمين ونوعياتها داخل بلغاريا نجدها، كما يقول الدكتور علي بن المنتصر الكتاني، في كتابه «المسلمون في أوروبا وأميركا»، تتمثل في الأتراك، حيث ينتشر المسلمون في أنحاء كثيرة من البلاد، خاصة على البحر الأسود، والتتار، وهم أتراك أيضاً، لكنهم قدموا إلى بلغاريا من شبه جزيرة القرم، بعد أن اجتاحها الروس في القرن الثامن عشر الميلادي، ويتمركزون في القرى الواقعة على الحدود الرومانية وساحل البحر الأسود، ثم الغجر، وهم المسلمون البدو الرحل، وأخيراً البوماك، ويعتقد أنهم البلغاريون الأصليون الذين اعتنقوا الإسلام في مراحل مبكرة، ويتكلمون اللغة السلافية والصربية ويسكنون مرتفعات رودوب وجنوب بلغاريا وغربها. تنكيل الشيوعيين يلفت الكتاني إلى أنه بالرغم من قساوة الحملات التي واجهها المسلمون على أيدي القياصرة البلغار، إلا أن ما واجهوه في الحقبة الشيوعية كان أشد وأنكى، ويصف المؤرخون الحملة التي بدأها الحكم الشيوعي ضد المسلمين بأنها من أشد الحملات التي تعرضت لها أقلية إسلامية في بلد شيوعي، فقد استهدفت هذه الحملة العقيدة الإسلامية ذاتها فمارست السلطات أقصى أنواع الحرمان للمسلمين مـن حــق ممارسة شعائر دينهم، فأغلب مساجدها (وكان عددها 1200) هدم، ومنع المسلمون من ممارسة أركان الإسلام كالصوم والزكاة، كما منع ختان الرجال، ومنع دخول المصاحف والكتب الدينية لبلغاريا، ومنعت السلطات أيضاً قيام المدارس الدينية، ومنعت تدريس اللغة التركية، وهجّرت المسلمين إلى مناطق شبه مـعــزولة ومنعتهم من الاحتفال بأعيادهم. وظل المسلمون صامدين في تلك المحنة لينالوا بعد سقوط الشيوعية هامشاً ضيقاً من الحرية الدينية، فرغم الإعلان عن عهد تسوده الديمقراطية ويعطي المواطنين حقوقهم، فقد تم استثناء المسلمين من ذلك كما يقول مفتي بلغاريا، مصطفى حاجي، في حواره عبر موقع «محيط»، المنشور بتاريخ 28 مايو 2009، حيث تواصلت الحملة التي تبناها العهد الشيوعي، ولكن بصورة مختلفة ونهج جديد. ويشير حاجي إلى أنَّ التزام بلغاريا بعد انضمامها للاتحاد الأوروبي بالحفاظ على حقوق الأقليات، وسعيها لتحسين صورتها أمام الرأي العام العالمي، ساهم في تحسن أوضاع المسلمين، لا سيما على الصعيد الاقتصادي، فضلاً عن تراجع الحكومة البلغارية عن الاستمرار في مسعى البلغرة.. ومع ذلك فإن المتاعب ما زالت توضع في طريق المسلمين، فحين توقف قطار البلغرة، أتى تحدٍ من نوع آخر، هو ما يمكن أن يطلق عليه الغزو الثقافي والتغريبي، المتمثل في وسائل نشر الانحلال الأخلاقي في أوساطهم عبر الأفلام الداعرة، والمحال المبتذلة، ودور السينما الساقطة، وذلك كلّه بهدف وأد أي إرهاصات لعودة الصحوة والوعي الإسلامي إلى صفوفهم. وتقدر الإحصائيات الرسمية البلغارية عدد المسلمين حالياً في بلغاريا بمليون مسلم، فيما تصل تقديرات دار الإفتاء ببلغاريا بهذا الرقم إلى 3 ملايين مسلم، يعتنق معظمهم المذهب السني، وهو المذهب الذي عزز انتشاره الأتراك العثمانيون خلال خمسة قرون من حكم بلغاريا. وعلى الرغم من حملة الاضطهاد الشيوعي والبلغرة التي دمرت معظم المساجد الإسلامية في بلغاريا في الماضي، فإن العقدين الأخيرين شهدا نمواً متزايداً في بناء المساجد في بلغاريا وترميمها، حتى وصل عددها إلى 1500 مسجداً أشهرها مسجد يانيا باشي بصوفيا، والذي أنشئ عام 1576م أثناء الحكم العثماني لبلغاريا، ثم جامع التومبولا في مدينة شومن، والذي يعد أكبر مسجد في بلغاريا وقد شيد في عام 1744م.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©