السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عسكر بورما وحرب الأقليات

عسكر بورما وحرب الأقليات
5 سبتمبر 2009 23:57
كانت أسابيع جيدة بالنسبة لديكتاتور بورما الجنرال «ثان شوي»، رغم أن السيناتور الأميركي «جيم ويب» أمّن الإفراج عن سجين أميركي خلال زيارته الأخيرة، ورغم أن الحكم الذي صدر في حق زعيمة المعارضة في بورما، «أونج سان سو كيي»، بعد المحاكمة التي جرت هذا الصيف كان محل تنديد من قبل المجتمع الدولي. فبالنظر إلى كل الاهتمام الإعلامي، يمكن القول إن «شوي» حصل على بعض يتوق إليه أكثر من أي شيء آخر، ألا وهو الشرعية الدولية. وعلاوة على ذلك، فإنه بات مطمئناً إلى أن «سو كيي»، التي فازت في آخر انتخابات حرة عرفتها بورما عام 1990، ستظل تحت الإقامة الجبرية خلال انتخابات 2010. وفي الشهر الماضي، أشادت وسائل الإعلام الحكومية في بورما بـ «الطابع الإنساني» للنظام ودعت إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه. لكن هل يوجد في الواقع نظام أكثر إنسانية في بورما اليوم؟ الجواب بالنفي يصدر عن بلدة «هو لوم» بولاية شان البورمية، حيث أحرق جنودُ المجلس العسكري الحاكم 62 منزلا في التاسع والعشرين من يوليو. ويأتي أيضاً من «تارد موك» بالمنطقة نفسها، حيث أحرق الجنود أكثر من 100 منزل. ومن البلدات الـ38 الأخرى من ولاية «شان» التي رحّل سكانها القرويين بالقوة في يوليو وأغسطس الماضيين، في إطار حملة وحشية وممنهجة وثقتها «مؤسسة شان لحقوق الإنسان» و«شبكة شان للعمل النسائي» وأعلنت عنها «منظمة هيومان رايتس ووتش» الشهر الماضي. وفي هذا الإطار، قال «إيريك شوارتز»، من المكتب الأميركي للسكان واللاجئين والهجرة، في 19 أغسطس: «إننا قلقون بسبب التقارير الأخيرة التي تحدثت عن وقوع عمليات نزوح كبيرة، تشمل حوالي 10 آلاف مدني نتيجة زيادة النشاط العسكري في شمال شرق بورما». والواقع أن «شوارتز» قال هذا الكلام حتى قبل وقوع موجة الهجمات التي استهدفت سكان «كوكانج»، وهي منطقة شمال شرق ولاية «شان» سكانها يتحدثون اللغة الصينية وتقع بالقرب من الحدود مع الصين. ومن جانبه، يقدر رئيس المفوضية العليا للاجئين أن ما بين 10 آلاف و30 ألفا من سكان «الكوكانج» نزحوا إلى الصين جراء القتال، مما أثار انتقادات خفيفة من قبل الصين التي تعد الشريك التجاري والاستثماري للمجلس العسكري الحاكم. والواقع أن إثنيات أخرى، ومنها سكان منطقة الكارن الواقعة في شرق بورما، واجهت قتالا مكثفاً وانتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان هذا الصيف. ونتيجة لذلك، فر نحو 5000 شخص من الكارن إلى تايلاند، حسب منظمة هيومان رايتس ووتش. وفي ولاية «كارن»، يتم الإعلان عن عدد كبير من الإصابات جراء انفجار الألغام الأرضية، لأن المجندين الجدد وغير المدربين، ومن بينهم أطفال، يرغَمون على محاربة أبناء قوميتهم في أكثر الغابات تلوثاً بالألغام في العالم. وقد تميزت هذه الحملات الممنهجة في المناطق الإثنية الشرقية لبورما بادعاءات حدوث التعذيب، والإعدام بدون محاكمات، واغتصاب نساء وأطفال الأقلية الإثنية. وعلى ما يبدو فإن الهجمات الحالية جزء من استراتيجية المجلس العسكري لانتخابات 2010، حيث يحاول الجنرالات إرغام خصومهم الإثنيين على العمل ضمن قوات حماية الحدود وللمشاركة في المهزلة الانتخابية. غير أن معظم المجموعات الإثنية والأحزاب السياسية ترفض هذه العروض، على غرار ما فعل زعماء الكوكانج. كما رفض معظمهم، إلى جانب الرابطة الوطنية للديمقراطية التي تتزعمها «سو كيي»، دستور المجلس العسكري الحاكم، والذي حرر بدون مشاركتهم أو التشاور معهم واعتُمد في استفتاء مايو 2008 المفتقر للمصداقية. إن شعوب بورما الإثنية تعلم أنها لا تعيش تحت نظام جديد أكثر إنسانية، بل العكس، ذلك أن المجلس العسكري الحاكم يخلق حالات طوارئ إنسانية في سعيه وراء السيطرة؛ والنتيجة أن سكان «شان» و»كارن» و»كوكانج» وغيرهم يفقدون منازلهم وأرواحهم. والحقيقة أن معاناتهم لها علاقة مباشرة باعتقال «سو كي» والقمع الممارَس ضد القوى الديمقراطية البورمية من صحافيين، وزعماء عماليين وطلابيين، ورجال دين... بل إن كل القوى التقدمية التي تعارض الجنرالات باتت تحت الهجوم. واللافت أن ما يجري في بورما لم يثر انتباه العالم إلا لماماً؛ والحال أن هذه الإثنيات يجب أن تلعب دوراً إذا أريد لبورما أن تكون ذات مستقبل كريم؛ وهذا أمر تدركه «سو كيي». ففي البيان الوحيد الذي تلقاه منها أنصارها منذ سنوات، وسُلم للمبعوث الخاص للأمم المتحدة إبراهيم جمبري في أواخر 2007، شددت «سو كيي» على ضرورة مشاركة كل الإثنيات من أجل مصالحة وطنية حقيقية. وتأسيساً على ما تقدم، فإنه حري بإدارة أوباما، التي تقوم حالياً بمراجعة سياستها تجاه بورما، أن تعمل بنصيحة «سو كيي»: لا تنسوا الإثنيات في بورما. ومهما يكن القرار الذي ستتخذه الإدارة بشأن العقوبات، فعليها بمزيد من الضغط على المجلس العسكري الحاكم، وعلى من يدعمونه، من أجل وقف إراقة الدماء ضد الأقليات العرقية في بورما. ولا شك أن للصين دوراً مهماً في هذا الباب، أولا بخصوص تقديم الإغاثة الإنسانية لطالبي اللجوء، وثانيا بخصوص الضغط على الجنرالات الحاكمين لإنهاء حملتهم الوحشية. إن الحرب الإثنية وما يترتب عنها من عدم استقرار ليست في مصلحة أحد، باستثناء «ثان شوي» ربما، لكن يجب ألا نسمح له بالاستمرار في القتل بدون حساب. كريس بيرَر مدير مركز الصحة العامة وحقوق الإنسان بجامعة «جون هوبكينز» الأميركية ريتشارد سولوم رئيس «مشروع بورما» في منظمة «أطباء من أجل حقوق الإنسان» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©