أشرف جمعة (أبوظبي) - الأعمال الفنية المبدعة تكتسب أهميتها من مضمونها وقدرتها على الوصول إلى جميع الفئات ومختلف الثقافات وبكل اللغات، وفي إحدى قاعات قصر الإمارات، كشف الفنانان الإماراتيان مطر بن لاحج وجلال لقمان، مؤخراً، النقاب عن مجسمين، يحمل كل منهما دلالاته الخاصة أمام مجموعة من الجمهور وعدد من طلاب الجامعات، واكتسب الحدث أهميته من خلال عرض هذين العملين بتكليف من مجموعة أبوظبي للفنون، بهدف إبراز جانب مهم من جوانب الإبداع المحلي في مهرجان أبوظبي 2013.
وحول العمل الذي قدمه التشكيلي مطر بن لاحج يقول: “هو تجربة فنية لا تقل أهمية عما قدمت من قبل، فالعمل مستوحى من أفكاري التي أختزنها في داخلي فترات طويلة، وهو عبارة عن كتلة بصرية منحوتة، قد يراها البعض على أنها تشبه آلة العود، لكنها في الحقيقية هي تقترب من نموذج ثمرة الكمثرى التي أخذت منها آلة العود وبعض الآلات الموسيقية الطربية، وهذا المجسم لا يمثل الطرب في حد ذاته كما يعتقد بعض الناس، وقد كلفتني مجموعة أبوظبي للفنون بالاشتغال على فكرة فنية، وكان ذلك منذ ثلاثة أسابيع، لكنني أنجزتها في ستة أيام فقط، ويصف بن لاحج طبيعة المجسم الثلاثي الأبعاد بأنه صنع من مادة «ستانلس ستيل»”.
وعن تفاصيل العمل، يضيف: “شكلته بيدي، واشتغلت عليها بمفردي، فأنا لدي قناعة بأن الأعمال الفنية التشكيلية مهما كانت درجة صعوبتها، فإن الفنان يجب أن يشكلها قطعة قطعة دون الاعتماد على أحد، وحين يصل التشكيلي إلى هذه المرحلة، فمن الطبيعي أن يتولد بداخله شعور عميق بأنه أنجز شيئاً له قيمة، وفي هذه اللحظة يعرضه على الجمهور في ثقة واعتزاز، ولفت إلى أن النظام الهندسي الذي قام على أساسه هذا العمل يتحول لونه مع الضوء، رغم أن لونه الرئيسي هو الفضي، وهو عبارة عن قطعة واحدة متماسكة تحمل عنوان «طرب الثقافة»”.
معالم الطريق
ويعود بن لاحج إلى سنوات الطفولة، حيث بداياته التي رسم خلالها معالم طريقه إلى الفن، ويذكر أنه كان يبلل الأرض بالماء ثم يخط عليها رسوماته لأنه لم يكن يمتلك في ذلك الوقت أدوات للرسم، حيث كان محيطه الذي يعيش فيه لا يتعاطى الفن مثل هذا الجيل الحالي الذي يراه محظوظاً إلى حد بعيد، وذلك بتوافر الإمكانات كافة لديه، وأن الفن يجذبه إلى الحياة، وما عمق هذا الشعور لديه هو مرسمه الخاص “مرسم مطر” الذي أنشأه منذ عشر سنوات، حتى أصبح هذا المرسم دليلاً على العطاء، فقد قام برعاية الأطفال الموهوبين حتى كبروا، وتخرج منه الكثير من المبدعين، حيث كان يشير إليهم أن يبدؤوا أعمالهم الفنية من مشاعرهم الخاصة حتى يروا المستقبل ماثلاً بين أيديهم، ومن ثم يقدم كل مبدع منهم عطاءه إلى بلده صاحب الفضل الأول عليه.
وعن قدرته على الجمع بين الرسم والتصوير والنحت يقول: “أترك لمخيلتي أن تتصور ما تريد، وحين أهتدي إلى فكرة تلائم أي فن، أقوم على الفور بتنفيذها، وقد دمجت التكنولوجيا بالأعمال المنحوتة بإدخال المرئيات الوهمية إلى الكتل الصامتة بتسليط أشعة فوق ليزرية، فتظهر القطعة المجسمة وكأنها مسرح كامل، ويوضح أنه استطاع التوفيق بين كل الفنون المختلفة”.
أبوظبي الانطلاقة
ويتحدث عن أسباب اعتزازه بأبوظبي، رغم أنه شارك في معارض فنية عالمية بقوله: “إن انطلاقتي كانت من أبوظبي، مع إيماني العميق بأن الإمارات رقعة كاملة، لكن ارتباطي بأبوظبي ينبع من أنها محطة مهمة في حياتي الفنية، حيث اهتمت بي كفنان مبدع ومبتكر وقادر على العطاء، فضلاً عن القيادات التي دعمتني، وإضافة إلى ذلك، فإن لوحاتي التي اقتناها الناس كانت أكثر مبيعاً في أبوظبي، ومن خلال هذه المدينة انطلقت هواجسي الفنية لتصور ذاتي عبر أعمال فنية حملت طابعاً اجتماعياً استوحيته من بيئتي الإماراتية”.
وجهة نظر
وعن فكرة المجسم الذي قدمه التشكيلي جلال لقمان، مشاركاً بذلك رفيق عمره مطر بن لاحج في تقديم أعمال راقية تعبر عن طبيعة الفن الإماراتي، وما يمتلكه المبدعون المحليون من مواهب حقيقية تظهر في صورة مشرفة أمام العالم يقول لقمان: “المجسم هو عبارة عن أفكار متداخلة، وعلى الرغم من بساطتها، إلا أنها تدعو إلى التفكير من أجل تجميع خيوطها، وهذا ما اعتمدت عليه طوال حياتي الفنية، حيث دائماً أرى أن اختلاف الفنان عن غيره لا يتحقق إلا بطرح فكرة مبدعة تتشكل فيها كل عناصر الفن لتخرج في النهاية وهي تحمل بصمة خاصة تميز صاحب العمل، ومن السهل بعد ذلك أن يعرف الناس اسم الفنان من مجرد النظر إلى قطعته الفنية، وبالنسبة للشكل الهندسي الذي قدمته أمام الجمهور في قصر الإمارات، فقد حمل اسم “وجهة نظر”، وهو بالفعل يحمل هذا المعنى، إذ إنني طرحت وجهة نظري بشكل خاص بعيداً عن تعقيدات الفن”. ويضيف: “كل عمل قدمته منذ اشتغالي بالفن التشكيلي كان مستفزاً، فاللوحة التي لا تحرك في الجمهور شيئاً هي غير مكتملة، والمنحوتة التي لا تتداخل مع مشاعر الآخرين وتدهشهم، لا تعبر عن الفن، والمبدع الحقيقي هو الذي يحرك المياه الراكدة في قلوب الناس”.
عدد اليوم
