الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أدجار موران في «إنسانية البشرية» يوثق المعارف المبعثرة عن البشر في العلوم والإنسانيات

أدجار موران في «إنسانية البشرية» يوثق المعارف المبعثرة عن البشر في العلوم والإنسانيات
7 سبتمبر 2009 00:33
يركز كتاب «النهج، إنسانية البشرية: الهوية البشرية» لإدجار موران على أهمية ترسيخ المبادئ الإنسانية في سلوك البشرية. وتكمن ميزته في توثيق المعارف المبعثرة عن البشر في العلوم والإنسانيات وربط مفاصلها وتأملها بهدف التفكير في تعقد البشرية في هويتها البيولوجية والذاتية والاجتماعية على حد سواء، وفي ذات الوقت يحاول أن يفكر ببشرية مغتنية عن كل تناقضاتها، مثل الإنسانية وغير الإنسانية، الانغلاق عن الذات والانفتاح على الآخرين والعقلانية والانفعالات والعقل والأسطورة، المفاهيم المهجورة والتاريخ والحتمية والحرية. التأصل الكوني يحدثنا الكاتب في البداية عن عدد من القضايا المرتبطة بالهوية الإنسانية ومنها: التأصل الكوني، بمعنى أننا كبشر متأصلون في الكون الفيزيائي وفي الفلك الحي معا، فنحن داخل الطبيعة وخارجها في الوقت نفسه لذلك فمن المحتم أن يكون الإنسان ذا طبيعة كونية وفيزيائية في الوقت ذاته. ثم يتحدث عن الانطلاقة الكبيرة للبشر «الأنسنة» أي مغامرة الأنسنة التي أنتجت الإنسانية قبل ستة ملايين عام متناولا صراع الإنسان مع البيئة لإثبات ذاته ومحاولاته الأولى في استخدام النار، ثم ظهور اللغة والزراعة ونشوء المهارات اليدوية، وهذه الأشياء جميعاً ساهمت في نشأة ثقافة إنسانية صارت تنتقل من جيل إلى جيل اعتماداً على ترسيخ المعارف والمهارات والعقائد والأساطير والخبرات. ويشير الكاتب إلى أنه بظهور تلك الثقافات حدث تطور مهم للجنس البشري من حيث تغير المعتقدات والأساطير والتقنيات وتحولت المجتمعات من مجموعات قديمة صغيرة إلى مدن، ثم أمم وإمبراطوريات ضخمة وهو ما يصفه الكاتب بالتحول إلى «إنسانية البشرية». الثورة العقلية يعمد الكاتب إلى شرح بعض المفردات التي ارتبط ظهورها مع نشوء الإنسانية البشرية ومنها: - إنسانية اللغة الخاصة، أي أن لكل لغة ضوابط وقواعد تميزها ومع ذلك فإن تلك الضوابط تخضع إلى بنى عميقة مشتركة بين جميع اللغات. - الثورة العقلية، أي أن دماغ الإنسان يتميز بكفاءات خاصة في الاستقلالية، الاستراتيجية، الذكاء في السلوك وهذا أدى إلى انبثاق الذهن من الدماغ البشري مع اللغة الخاصة وبواسطتها داخل ثقافة ما، وهنا تحدث متلازمة شديدة الأهمية بين المصطلحات الثلاثة الدماغ- الثقافة- الذهن. - غريزة الحب، هي وليدة الذهن والجنس إذ ينفتح الذهن على الجنس وينفتح الجنس على الذهن فيغزو أحدهما الآخر والحب لا يقتصر على ذلك فقط، وإنما يمتد إلى كل مكان حتى في الوجد الديني، فيصل إلى حد الهذيان في عبادة الأشياء المسحورة. - العقلانية والتقنية بمعنى أن عقلانية الإنسان «العاقل» و»قدراته التقنية»، هما سمتان خاصتان بالبشر، وهذه العقلانية أدت إلى حدوث تطور مذهل في الفلسفة والعلم والتقنية. ومن ضمن تلك المفردات أيضاً التي صاحبت وجود الإنسانية البشرية، كل من التخيل والأسطورة والسحر والطقوس والأضحيات، العالم الروحاني. هوية مشتركة يدلف بعد ذلك إلى ما يعرف بـ»الثالوث البشري» الفرد/ المجتمع/ النوع، لافتا إلى أن هذه المصطلحات يتضمن كل واحد منها المصطلحات الأخرى، لأن الأفراد نتاج عملية تناسل النوع البشري وهذه الصيرورة نفسها يجب أن يقوم بها الأفراد. كما يتمخص المجتمع عن التفاعلات بين الأفراد، وفي ذات الوقت يتيح المجتمع للأفراد بتأثيره فيهم من خلال ثقافته أن يصبحوا بشرا بحصر المعنى. ومن الثالوث البشري ينتقل إلى «الواحد المتعدد» قائلا: إن هناك تنوعا لا متناهي من حيث التنوع البيولوجي المذهل، واختلاف الثقافات، تنوع المجتمعات، وكذا اختلاف البشر عن بعضهم في الصفات الشكلية وأيضا تنوعهم النفسي، ومع كل هذا التنوع إلا أن هناك هوية بشرية مشتركة بين الجميع، فالموروث الوراثي نفسه مشترك بين جميع البشر ويضم جميع الصفات الموحدة الأخرى ويتيح التزاوج بين جميع البشر ويعيش كل فرد حياته ويكابر بوصفه فرداً مميزاً ولكن هذه الخصوصية التي تميز كل شخص عن الآخر مشتركة أيضا بين الجميع، كما أن هناك وحدة البشرية إزاد الموت لأن جميع البشر على اختلاف دياناتهم وثقافاتهم يقرون بحتمية الموت والاعتراف به كقدر لا فكاك منه، كما أن هناك وحدة ثقافية وسوسيولوجية تربط الجميع حتى وإن اختلفت مظاهرها ومفرداتها سواء في الموسيقى والغناء والشعر والعقلانية والدين والسحر وطقوس العبادة. مبدأ الاندماج في الجزء الثاني من الكتاب يحدثنا موران عن الهوية الشخصية فيقول: إن قيام الذات تفرض وجود فرد، ومفهوم الفرد لا يعني شيئا إن لم يشتمل على مفهوم الذات بحيث ينبغي أن يكون التعريف الأول للذات في البدء بيولوجي. ويوضح أن كل فرد داخل ذاتيته الفريدة تميزه التشريح والفيزيولوجي والمناعي والنفسي والعاطفي ويحس به في أعماقه والفرد هنا لا يمتلك هوية فيزيائية ثابتة، إذ تتعرض جزئياته للتلف لتحل محلها أخرى. ويلفت إلى أن الذات أنوية، وهذه الأنوية لا تقود إلى الأنانية فحسب، بل إنها كما تنطوي على بدء الاستبعاد تنطوي أيضاً على مبدأ الاندماج وهو ما يتيح لها الانضمام إلى جماعة. ويتحدث عن الآخر قائلا: إن الآخر هو النظير والمختلف في الوقت نفسه، نظير بسماته البشرية أو الثقافية المشتركة، ومختلف بتميزه الفردي أو باختلافه العرقي، فالآخر يحمل فعلا في دواخله الغرابة والتماثل وبصفته ذاتا يتيح لنا أن نفهمه في تماثله واختلافه. روميو وجوليت ثم يعرج إلى الحديث عن الهوية متعددة الأشكال موضحا أن كل فرد واحد ومتفرد ولا يمكن تجزئته.. ومع ذلك فهو في الوقت نفسه مزدوج ومتعدد ومتنوع ولا يمكن إحصاؤه مستشهدا بعديد من الدلائل ومنها، تعدد أدوار الفرد في الحياة، كأن يكون أبا وابنا وأخا في ذات الوقت وكذلك ازدواجية الروح والجسد، ضاربا المثل بقصة الحب الخالدة بين روميو وجوليت قائلا: إن ملايين الخلايا في جسد جوليت لا تدرك شيئا عن روميو وهذا يعني أن هناك انفصالا داخليا بين الروح والجسد. وهذا التعدد يظهر أيضا في الوحدة التعددية للهوية الشخصية قائلا: إن اسم كل منا يرتبط بآبائه وأجداده، وهذا يعني أن لكل منهم وجود ممتد داخلنا متجاوزا موته. الخيار والحرية ينتقل الكاتب إلى الحديث عن مصطلح الحرية لافتا إلى أن الحرية «تتجلى عندما يحظى الكائن البشري بإمكانات عقلية تمكنه من الاختيار واتخاذ قرار وعندما يحظى بقدرات جسدية أو مادية تمكنه من التعرف وفق خياره أو قراره، وكلما كان مستوى الخيار رفيعا كان مستوى الحرية أرفع، أي أن هناك علاقة طردية بين كل من الخيار والحرية». وفي إطار حديثه عن الحرية يلقي موران الضوء على عدد من المفاهيم المرتبطة بالحرية الإنسانية ومنها: - إمبراطورية البيئة، أي أنه يمكننا إحلال مفهوم الاستقلالية التابعة بدلا من مفهوم الوسط الخارجي الذي يفرض حتميته على الأحياء. - إمبراطورية الجينات، وتعني ضرورة معرفة ما إذا كانت استقلالية الأحياء بإزاء العالم الخارجي لا تحمل في طياتها تبعة داخلية حتمية. - السطوة السوسيولوجية، بمعنى أن الثقافة لابد وأن تترك بصماتها على الفرد. - سطوة التاريخ بما له من نفوذ يجعل الأفراد في كثير من الأحيان يتخذون قرارات ويسيرون في تيارات يجهلون قبلتها. - سطوة الأفكار، مشيرا إلى أن الأفراد لا يخضعون لمجتمعاتهم وثقافاتهم فحسب بل إلى آلهتهم وأفكارهم. أسئلة وإجابات تبعا لما سبق يقول الكاتب «نحن ألعوبة داخل الحياة ولكننا في الوقت نفسه لاعبون فكل حياة بشرية لاعبة وملعوب بها في الوقت نفسه، وكل فرد هو دمية محركة من السابق. ومن الداخل والخارج لكنه في الوقت نفسه كائن يؤكد ذاته من خلال صفاته كذات». ومن خلال تحليل موران لمفاهيم الذات والحرية والإنسانية وغيرها من المصطلحات التي يعج بها الكتاب محاولا تحديد الهوية البشرية يخلص إلى وضع عدة أسئلة في نهاية كتابه، علّ إجابتها وحدها هي الكفيلة بمعرفة ماذا سيكون عليه مصير الجنس البشري وذلك من خلال شكل التعاطي الذي سيتم مع المفردات الإنسانية والكونية المحيطة به
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©