السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البابا الجديد... والخريطة الأخلاقية للعالم

23 مارس 2013 22:22
ريتشارد رودريجيز كاتب ومحلل سياسي أميركي ظللنا نحن الأميركيين طويلاً نقول لأنفسنا إننا شعب ذو أخلاق، يتردد على الكنيسة بانتظام، ويحظى برضا الرب. لكن رغم ذلك، عندما كان الكرادلة الكبار في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، ينظرون، الأسبوع الماضي، في مستقبل كنيستهم، فإنهم نظروا ناحية الجنوب، وما سمعناه نحن الأميركيين، وكأنما للمرة الأولى، هو أن مركز المسيحية قد بات في نصف الكرة الجنوبي، وليس لدينا في الشمال. كيف حدث ذلك؟ بسبب إدمان الأميركيين للمخدرات -وهو إدمان لا مثيل له أدى لهز استقرار أميركا اللاتينية من بوليفيا، إلى كولومبيا، إلى المكسيك- أتيح لنا أن ندعي التفوق الأخلاقي في الأميركيتين. فلزمن طويل ظللنا ننظر إلى الأميركيين اللاتين باعتبارهم جنساً كسولاً، فاسداً في حياته المدنية، متسامحاً مع الماركسية في يوم، ومع الفاشية في اليوم التالي. لكن مع ذلك علمنا الآن أن القلب النابض للمسيحية يقع في الجنوب، وأن الكاثوليكية العالمية باتت متمركزة هناك؛ وأن البروستانتية أيضاً تشهد مدى متزايداً في مختلف أنحاء الولايات المتحدة. لقد بنينا نحن الأميركيين جداراً يفصلنا عن الأميركيين اللاتين الذين لا يحترمون قوانيننا. وقال عدد منا لأصحاب مراكز استطلاع الرأي ولمشاهدي البرامج الحوارية الإذاعية، إننا سنرحل ملايين الأميركيين اللاتين الموجودين في الولايات المتحدة بصفة غير قانونية، والذين لا يتوقف بكاء أطفالهم عن أحلامهم التي لن تتحقق إذا ما رُحلت عائلاتهم بسبب إصرار العديد من الأميركيين على عدم مكافأة اللاقانونية بأي حال من الأحوال. وفي السجال السياسي الطويل الدائر حول الهجرة غير القانونية، لم يرد ذكر الدين والأخلاق إلا فيما ندر من قبل الموجودين في السلطة، باستثناء الكاردينال «روجر ماهوني» في لوس أنجلوس المتهم بفضائح جنسية. صحيح أننا رأينا في طوابير المدافعين عن المهاجرين، راهبات وأشخاصاً يحملون الصلبان، ويسيرون في مواكب دينية؛ لكننا سمعنا أيضاً المعلق اليميني «بات باتشمان»، الكاثوليكي الشهير، وهو يصف المهاجرين غير القانونيين من أميركا اللاتينية، بأنهم يمثلون خطراً على الأمة الأميركية، يفوق الخطر الذي تمثله «القاعدة». لقد كان هناك دوماً شرّ ما قادماً إلينا من الجنوب. والشيء الذي لم يقل في البرامج الحوارية الإذاعية، وقاعة الكونجرس، أنه لولا المهاجرين الأميركيين اللاتين، الموجودين في الولايات المتحدة بصفة قانونية، أو غير قانونية، لخلت الكثير من كنائسها وأصبحت مثل كاتدرائية نوتردام الشهيرة في باريس. ولا ينطبق هذا على الكنائس الكاثوليكية فحسب. فالشاب الأميركي الأبيض بات، وعلى نحو متزايد، يهجر الدين المنظم، فيما يتجه الأميركيون اللاتين بأعداد كبيرة نحو البروتستانتية الإنجيلية. ويشار في هذا السياق إلى أن معدل اعتناق البروتستانتية الإنجيلية في أميركا الوسطى والبرازيل، قد وصل إلى حد أنه من المتوقع بنهاية القرن الحالي أن تصبح هي مذهب أغلبية سكانها، علماً بأن الكنائس البروتستانتية ترسل بالفعل مبشرين دينيين من أميركا اللاتينية للعناية بأرواحنا المجدبة. يمكن القول إن هناك خريطة أخلاقية جديدة للعالم تنفرد أمام أعيننا. فرغم أننا نحن الأميركيين كنا نميل للنظر إلى أفريقيا على أنها مكان جحيمي ينتشر فيه الإيدز، والصراعات القبلية، والطغاة الكاريكاتوريون، والتخلف بكافة صوره وأشكاله؛ إلا أن هناك أنباءً تصل إلينا الآن من روما تقول إن الكاثوليكية تنتشر في أفريقيا بسرعة تفوق سرعة انتشارها في أي مكان آخر، بينما تتقلص في شمال وجنوب أوروبا حيث تحولت الكنائس التي كانت تحظى بالتقديس في وقت ما إلى مزارات للسائحين. وليس الإيمان الديني فحسب هو الذي يتقلص في أوروبا، وإنما ديناميتها البيولوجية أيضاً بسبب أن عدداً من دولها الكبيرة باتت تشهد نمواً سكانياً سلبياً. يجدر بالذكر في هذا السياق أنه خلال نصف القرن الأخير، تحرك المهاجرون المسلمون لملء الفراغ البيولوجي في أوروبا. وهناك تنبؤات من قبل بعض المسلمين الأوروبيين بتحقيق عملية «إعادة غزو» عددي لأوروبا ليس في ساحات المعارك وإنما في عنابر الولادة، أي تحقيق أوروبا المسلمة من خلال التفوق العددي بحيث يمكن لنا أن نرى باريس المسلمة، وأمستردام المسلمة، ومدريد المسلمة! وفي الولايات المتحدة هناك علامات على تناقص معدلات المواليد بين الأميركيين الأصليين. ويمكن القول في هذا السياق إن أميركا كان يمكن أن تكون في طريقها للتحول للنمط الأوروبي في الانكماش السكاني، لولا أن المهاجرين من آسيا وأميركا اللاتينية يتحركون الآن لملء الفراغ الأيديولوجي فيها. وفي الوقت ذاته ينتقل المسيحيون من أميركا اللاتينية لملء الفراغ الروحي لأميركا ما بعد المسيحية. فالكهنة الكاثوليك القادمون من أميركا اللاتينية، والقساوسة البروتستانت القادمون منها أيضاً، يضطلعون الآن برعاية أعداد متزايدة من جماعات المصلين. لم يكن يبدو أن شيئاً من هذا يحقق تأثيراً، إلا بعد الظهور الأول للكاردينال الأرجنتيني كبابا كاثوليكي جديد على الرواق المسقوف المطل على ساحة الفاتيكان. نحن الآن نستمع إلى بابا، ينحدر من أب أوروبي مهاجر، ويتحدث للعالم بالإسبانية. ونسمع أن هناك الكثير من الصلوات والأناشيد- والمزيد من الفرح في كنائس أميركا اللاتينية، وندرك من خلال ذلك كله أن مستقبل المسيحية قد أصبح بالفعل هناك وليس هنا. ونبقى نحن كي نظل نحملق إلى المستقبل من فوق جدار بنيناه بأنفسنا. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©