الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تمرد الأقليات في العالم العربي

1 يناير 2011 21:04
لم تشهد العلاقة مع "الأقليات" في العالم العربي من تفكك وانهيار مثل ما شهدته في العقد الأول المنقضي من هذا القرن الذي شهد ابتعاد كردستان إلى الحكم الذاتي وبناء تحالفات خارجية خاصة، هجرة مسيحيي العراق، حصول جنوب السودان على حق التصويت بالانفصال وحالة تمرد القبائل "الأفريقية" في دارفور، توتر "المسألة القبطية" في مصر، تصاعد مطالب البربر "الأمازيغ" في دول المغرب العربي وتطلعهم إلى هويتهم الذاتية من باب اللغة والثقافة، وظاهرة اشتعال عشرات حرائق الفتن الطائفية المذهبية بين المسلمين أنفسهم وما تخلل ذلك من تكريس مرجعية أطراف إقليمية غير عربية لبعض الفئات العربية. ومن المفارقات أن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، متهم عربيا بلعب دور المتآمر في معظم عمليات التفكك والتمرد والانفصال هذه في حين أنه هو نفسه يُعتبر نموذجيا في استيعاب تنوع الأقليات ومناقضاته العرقية والطائفية والثقافية، وهو لا زال كذلك على الرغم من هجمات11 سبتمبر 2001 ومظاهر العداء ضد الأقليات المسلمة التي أعقبتها. وعلى الرغم من أنه الراعي الرسمي لتأسيس واستمرار الكيان الصهيوني وقد سار أخيرا في ركب اعتبار إسرائيل دولة يهودية خالصة، كمقدمة لخنق عرب الداخل ونزع ما بقي لهم من حقوق مدنية ودينية، فإن المفارقة نفسها تبرز بشكل حاد عندما يتمسك الغرب، لاسيما الولايات المتحدة الأميركية، بالتنوع كإحدى أهم مقومات استمراره وتفوقه وليس على سبيل التميز الأخلاقي أو كنوع من الدعاية فقط. وهو يستمر في تقديم المزيد من البراهين على ذلك عند كل مأزق يواجهه. وكان آخرها ربما ما جرى في أعقاب غرق الولايات المتحدة في أتون أزمة الائتمان العقارية والأزمة المالية العالمية وبروز محاور قطبية جديدة وعلامات ضعف الهيمنة الأميركية دوليا. تجاه هذه التحديات المصيرية تداعت مراكز الفكر الأميركي الاستراتيجي للبحث في كيفية حفاظ الولايات المتحدة على تفوقها. وفي ملف نشرته مجلة فورين "أفيرز" في عدد يناير- فبراير 2009 شارك مجموعة من مفكري هذه المراكز في رسم المخارج نحو المستقبل وتحت عنوان "الميزة الأميركية" كتبت آن ماري سلوفتر، عميدة معهد ويدرو ويلسون للشؤون العامة والدولية، ومديرة تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأميركية، أن ميزة الولايات المتحدة متأصلة "في السكان والجغرافيا والثقافة"، وأن عليها أن تستفيد أكثر فأكثر من مكونات سكانها حيث أدى مزيج عريض من الثقافات إلى خلق جو من التلاقح المتبادل والابتكار المثمرين. وشرحت كيف يمكن أن يسمح هذا التنوع لواشنطن بأن توسع من قدرتها على التأثير عبر العالم أكثر مما هي مؤثرة الآن، وكيف يمكن أن يكون المهاجرون مصدرا للوظائف لا استنزافا للموارد لتستطيع الولايات أن تصبح أكثر المجتمعات ابتكارية وديناميكية على مستوى العالم أجمع. بالمقارنة بين هذه الرؤية التي تجعل من تنوع الأقليات والمهاجرين وإنفاق مليارات الدولارات لتجنيسهم وتوطينهم والاستفادة منهم في "إنقاذ الهيمنة الأميركية" وبين الأمم والبلدان التي عجزت عن استيعاب "الأقليات" من مواطنيها، طائفية كانت أم عرقية سيكون للغرب إذن مصلحة عليا في المساهمة في نزع ميزة التنوع عنا. لكن ماذا فعلنا لصد هذا الفعل "التآمري" في الوقت الذي وصلت فيه ثقافة الإلغاء إلى عدم استيعاب التنوع ضمن مواطني "الأكثرية?"? نفسها، على الرغم من المظاهر التدميرية المتضخمة لهذه الثقافة التي وصلت إلى حد هدر دم وتكفير أصحاب الفتاوى ضمن الملة الواحدة والحزب الواحد لبعضهم البعض. فهل ثمة حاجة لتآمر الغرب علينا؟ د.الياس البراج barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©