السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«معضلة أوباما» الليبية: حدود القوة الجوية

27 مارس 2011 21:59
أدت أزمة ليبيا إلى ظهور ما يعرف بـ"عقيدة أوباما"، وهذه العقيدة تتكون من ثلاثة محددات: الأول أن المصالح الإنسانية تبرر للولايات المتحدة القيام بأعمال عسكرية. الثاني أن هذه الأعمال العسكرية ينبغي أن تكون محدودة، ويفضل ألا يتم اللجوء فيها لاستخدام قوات برية. الثالث يجب أن تتم هذه الأعمال العسكرية من خلال عدة دول، تتحمل عبئها فيما بينها، وتتولى قيادتها، متى ما كان ذلك ممكنا. وهذه المحددات هي ذاتها التي تم الالتزام بها في حملتي البوسنة وكوسوفو، في تسعينيات القرن الماضي. بيد أن الأزمة الليبية، وعقيدة أوباما الجديدة، تؤشران سوياً على عودة معضلة هيمنت على السياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال الفترة ما بين سقوط الاتحاد السوفييتي وهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. هذه المعضلة تتمثل في أن المسؤولين الأميركيين المنتخبين قد يجدون من الصعب عليهم تجاهل الأحداث التي تقع بالخارج، والتي تهين القيم، وتهدد المصالح الخارجية الأميركية، غير أنهم لا يبدون رغبة في تكبيل بلادهم بالتزامات عسكرية خطرة من أجل التعامل معها... وتكون النتيجة المحتمة لذلك هي الدفع باتجاه التدخل العسكري بتكلفة رخيصة. هذا النوع من التدخل توفره القوة الجوية، والاعتماد على الآخرين في تحمل معظم العبء. وتوافر هذان العاملان يجعل التدخل المحدود يبدو مقبولاً. لكن هجمات الحادي عشر من سبتمبر جاءت لتغير ذلك... وبعد عام 2001، نُسي هذا النقاش في خضم التركيز الجديد على الإرهاب، و"القاعدة"، ومكافحة التمرد في العراق وأفغانستان. ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن، ظلت هذه المعضلة من دون حل، وها هي تعود الآن بزخم أقوى من ذي قبل. لكن المشكلة في هذا السياق هي أن الحروب نادراً ما تقدم عوائد سخية للاستثمارات الشحيحة. والأميركيون باعتبارهم مواطنين في دولة عظمى تمتلك ترسانة رهيبة من الأسلحة فائقة التقنية التي يمكن إطلاقها من مسافات بعيدة لتحقيق إصابات دقيقة، يفترضون دوماً أنهم قادرون على فرض إرادتهم على من تسول له نفسه الاعتداء عليهم، وأن يقوموا بذلك من بعيد، وبتضحيات محدودة. وباعتبارهم قادة للعالم الحر، فإن الأميركيين يفترضون أيضاً أنهم يجب أن يقودوا الآخرين ممن يشاركونهم في المبادئ والقيم، ويعتقدون أنهم قادرون على إقناع هؤلاء باقتسام الأعباء معهم أيضاً، وهو ما يقلص تكلفة العمل العسكري المطلوب القيام به. لكن عدم الرغبة في الالتزام العسكري على نطاق واسع، يقوض النفوذ الحقيقي للولايات المتحدة. فالسكان المحليون الذين يواجهون مخاطر تهدد وجودهم، غالباً ما يثبتون أنهم أكثر عناداً مما يعتقد الأميركيون، علاوة على أن استخدام الأسلحة والقوة النيرانية فائقة التقنية، غالباً ما يكون مصحوباً بمحددات تقلل من فعاليته في الاستخدام في مواجهة الأسلحة البسيطة، وفي مواجهة الأعداء المصممين الذين يتحكمون في مصائر الشعوب على الأرض، من خلال ممارسة العنف عن قرب. هذا السيناريو يتكشف بحذافيره الآن في ليبيا. فلا شك أن القوات الجوية الغربية قادرة على سحق القوات الجوية للقذافي، والحيلولة بينه وبين استخدام قواته المدرعة ومدفعياته في الأماكن المفتوحة. لكن فعالية هذه القوات تقل لحد كبير، إذا ما قرر الدكتاتور الليبي تحريك قواته للتمركز وسط المناطق المدنية. فهنا لا تصبح للقوات الجوية قيمة تذكر، خصوصاً إذا ما تذكرنا أن الهدف من التدخل في الحالة الليبية كان حماية المدنيين وليس إلحاق الهزيمة بالقذافي. ولا ينطبق الأمر على القوات الجوية فحسب بل إن القوى الغربية تغدو غير قادرة على استخدام أسلحة الضرب الدقيق من مسافات بعيدة، لأن ضرب القوات المختلطة بالمدنيين يصبح تحدياً صعباً في هذه الحالة. من هنا يمكن أن يتحول الصراع في ليبيا إلى صراع طويل الأمد دون أن يقدر طرف على حسمه. والطبيعة الجغرافية لليبيا تساعد على تبلور هذا الاحتمال: فنتيجة للامتداد الشاسع للأراضي الليبية، الصحراوية في معظمها، والمسافات الكبيرة بين المدن، يصبح من الصعب على أي طرف نقل قواته ومعداته لمسافة كبيرة من دون توفير غطاء جوي. فقوات القذافي لن تستطيع ذلك بسبب عدم توافر الحماية الجوية نظراً لفرض منطقة حظر الطيران... وقوات المتمردين لن تستطيع فعل ذلك رغم توافر الحماية الجوية لها من قوات الدول الغربية، نظراً لافتقارها للتنظيم، وللأسلحة والمعدات الكافية، وللدعم اللوجيستي اللازم. القوات الغربية إذن تستطيع القيام بعدد لانهائي من الطلعات الجوية، لكنها طلعات غير مثمرة لأنها لن تتمكن من ضرب قوات القذافي المختلطة بالسكان. وفي نفس الوقت سوف يكون لدى القذافي الوقت والفرصة لسحق المتمردين في المدن التي يسيطر عليها، ولن يكون أمام هؤلاء سوى الصراخ طالبين المساعدة من الخارج. في هذا السيناريو، من المنتظر أن يواجه الغرب نفس المعضلة التي كانت تواجهها الولايات المتحدة قبل الحادي عشر من سبتمبر. وهو كيف يمكن لهم الاستمرار في طلعات جوية غير حاسمة بناء على مناشدات للتصعيد من الحلفاء الموجودين على الأرض والذين يتعرضون لمخاطر جسيمة؟ وماذا يمكن أن يحدث إذا ما تمكن القذافي من الصمود لفترة طويلة؟ ليس هناك في عقيدة أوباما الجديدة ما يوفر مهرباً من هذه المعضلة، وبالتالي فقد نجد أنفسنا مضطرين للتعود على التعامل مع هذا الوضع الذي كان قد اختفى لفترة بعد الحادي عشر من سبتمبر وأفغانستان، ثم عاد للظهور مجدداً مع الأزمة الليبية. المحصلة النهائية أن الولايات المتحدة، سواء بوحي من عقيدة أوباما أو بغيرها، تجد نفسها الآن تعود إلى سجالات ما قبل التسعينيات حول هذه المعضلة. ستيفن بيدل زميل رئيسي للسياسات الدفاعية بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©