السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صوتي... له قيمة

27 مارس 2011 22:00
انتابني شعور غامر بالتأثر والسعادة مع اقتراب الطائرة من مدرج المطار، وعلت وجهي ابتسامة واسعة. شعرت بثقة أكبر حول قرار اللحظة الأخيرة الذي اتخذته بالسفر من نيويورك إلى القاهرة للتصويت في استفتاء مصر الدستوري. كنت متشوقة للخروج من الطائرة. كانت صناديق الاقتراع قد انفتحت منذ الصباح الباكر. بدأ المصريون أخيراً يتذوقون أول طعم للديمقراطية. كانت المشاركة في الانتخابات إبان حكم مبارك الذي استمر 30 عاماً، تجربةً مقيتة. كانت يافطات "نعم لمبارك" تبرز في كافة المدن مع اقتراب يوم الاقتراع. كان التزوير واسع النطاق، وكانت العناوين في اليوم التالي: "مبارك يحصل على 99 في المئة". لم يرَ الكثيرون مبرراً للمشاركة في الانتخابات. لكن الأمور تغيرت. حققت ثورة 25 يناير أكثر من مجرد إسقاط النظام، فقد مكّنت الشعب. قفز الاهتمام بالسياسة، كما ثبت من ازدياد مبيعات الصحف اليومية وارتفاع عدد مشاهدي البرامج التلفزيونية السياسية. وتضاعف استخدام الإنترنت للحصول على المعلومات وبحث القضايا الملحّة على الشبكات والمواقع الاجتماعية، حسب تقرير عنوانه "ثورة 25"، أصدرته شركة التكنولوجيا المصرية "تكنو وايرلس". يمسك المجلس العسكري الأعلى بزمام الأمور حالياً، وقد اقترح ستة تعديلات دستورية، بما فيها تحديد فترة حكم الرئيس بفترتين طول كل منهما أربع سنوات. وكان مبارك قد حكم مصر ثلاثين سنة، ولم تكن هناك حدود لعدد المرات التي يستطيع فيها تجديد رئاسته. قضيت أنا وزوجي 24 ساعة في القاهرة. كنا نتابع الحوار والجدل حول التعديلات بخليط من السعادة والألم، لأننا لن نشارك في هذا اليوم التاريخي. وقبل يومين من الاستفتاء، صحونا فجأة على حقيقة مهمة: لا يمكن أن يفوتنا ذلك. قمنا خلال ساعات قليلة بحجز تذاكر السفر وإجراء ترتيبات لإقامة طفلينا وحزم أمتعتنا والتوجه إلى المطار. كان يوماً جميلاً مشمساً في القاهرة. تذكّرت ونحن في طريقنا من المطار أول مرة صوت فيها في انتخابات الرئاسة الأميركية. اجتاحنا يومها شعور غامر كان جديداً عليّ بشكل كامل. لكنه كان حلواً مراً، حيث شعرت يومها بما يفتقر إليه المصريون. التصويت أمر يدمن المرء عليه. شاركت منذ أول تصويت لي في انتخابات كل مدينة وولاية. أحضر معي دائماً طفليّ، وهما في الرابعة والسادسة من العمر، حتى يقدّرا ويستمتعا بما لم أقدرْه ولم استمتع به في حياتي. بدت الديمقراطية دائماً في مصر حلماً لا يمكن تحقيقه. لكن قبل ما يزيد قليلاً على السنتين، بعد أول مرة صوّتُّ فيها، ها أنا أتوجه إلى مركز انتخابي في القاهرة للإدلاء بأول صوت مصري لي. اجتاحتني المشاعر وأنا أرى الصفوف الطويلة، شباباً وشيوخاً، رجالاً ونساء، أغنياء وفقراء... يقفون بصفوف امتدت إلى مسافة تزيد على الميل، ليفعلوا ما لم يفعله أغلبهم من قبل. شعر الواقفون معنا في الصف بالنشوة. كان هناك رابط قوي بين الجميع، بغض النظر عن وجهات نظرهم. صوّت أعضاء جماعة "الإخوان المسلمين" وأعضاء "الحزب الوطني الديمقراطي" التابع لمبارك بنعم. صوت آخرون بلا، مشيرين إلى أن الانتخابات البرلمانية المبكرة تشكل وضعاً مفضّلاً لـ"الإخوان" و"الوطني"، حيث أنه لن يكون هناك وقت كافٍ للجماعات الأخرى كي تنظّم أمورها. كنا قد قررنا أن نصوّت بلا. اقتربنا من الدرج الذي يؤدي إلى مركز التصويت على الطابق الأول، ورأينا هؤلاء الذين أدلوا بأصواتهم ينزلون عن الدرج وعلى وجوههم ابتسامات واسعة وهم يعرضون أصابعهم المغطاة بالحبر الأحمر، الأمر الذي يضمن عدم تصويتهم مرة أخرى. حان دوري. وعندما نزلت الدرج بعد أن أدليت بصوتي رفعت أصبعي الأحمر عالياً وبدأت أصرخ: "أخيراً، صوتنا له قيمة". رد عليّ الناس صارخين: "نعم، صوتنا له قيمة". أصواتنا لها قيمة. ورغم أن النتائج صدرت وصوت المصريون بنسبة 77 في المئة بنعم، فقد قضى الناس يوماً كاملاً دون معرفة النتائج. يا لجمال عدم معرفة النتيجة مسبقاً. إنه لأمر سحري. هدى عثمان - كاتبة مصرية ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©