الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاتفاق النووي الأميركي- الهندي والتوازن المفقود

الاتفاق النووي الأميركي- الهندي والتوازن المفقود
9 يوليو 2008 02:32
قبل أقل من شهر، تصدر مسؤولون أميركيون لم يُفصح عن هوياتهم الصفحة الأولى لصحيفة ''الفاينانشيال تايمز''، حيث أعلنوا أن الاتفاق النووي الهندي- الأميركي بات ''ميتاً تقريباً''· والحال أن الاتفاق عاد فجأة في عطلة نهاية الأسبوع الماضي إلى الحياة بفضل مناورات سياسية مكثفة من قبل رئيس الوزراء الهندي ''مانموهان سينج'' وحزبه، وهو ''حزب المؤتمر''· اليوم، بات من شبه المؤكد أن الاتفاق سيوقَّع من قبل الحكومة الهندية، وهو ما يلقي بالمسؤولية مرة أخرى على عاتق الولايات المتحدة من أجل تطبيقه· ولكن لكي يحدث ذلك، يتعين على الكونجرس أن يتوقف عن محاولة استعمال الاتفاق كوسيلة لإرغام الهند على دعم الموقف الأميركي من إيران· كما يتعين على الإدارة الأميركية، إلى جانب السيناتور باراك أوباما والسيناتور جون ماكين، أن تأتي بمخططات لإعادة الروح إلى القوانين العالمية التي تحظر الانتشار النووي، بل وأن تعمل على تنشيطها· مثل هذه الزعامة الأميركية ستساعدها كثيراً مبادرةُ تقليص الأسلحة النووية التي اقترحها مؤخراً ''هنري كيسنجر'' و''برانت سكوكروفت'' وآخرون· الاتفاق الأميركي- الهندي خطوة خطتها إدارة بوش في مجال السياسة الخارجية يمكن أن تبدو ذكية من الناحية الاستراتيجية بالنسبة للمؤرخين في المستقبل، وذلك على اعتبار أن الاتفاق، الذي وُقع عليه في ،2005 يسعى إلى وضع حد لأربعة عقود من العداء والارتياب بين الولايات المتحدة والهند، وعقدٍ تقريباً من شبه العزلة التي فُرضت على الهند، بعد أن فاجأت العالم باختبار أسلحة نووية عام ·1998 والواقع أن الاتفاق بُني على خطوات بدأها الرئيس بيل كلينتون، وبخاصة زيارته الرائدة إلى الهند عام ،2000 والتي تعتبر الأولى من نوعها التي يقوم بها رئيس أميركي إلى هذا البلد منذ 22 عاماً· وتعززت هذه الخطوات بالعرض الذي قدمته الولايات المتحدة للهند واقترحت فيه على نيودلهي الاستفادة من تكنولوجيا الطاقة النووية المدنية، وكذلك الوقود النووي، من دون الاضطرار إلى توقيع الاتفاقية العالمية التي يوافق عليها مستورِدون آخرون للوقود النووي- وهي اتفاقية حظر الانتشار النووي· وبالتالي، فإن الاتفاق يجعل من الهند استثناء كبيراً لهذه الاتفاقية، وهو ما يدعم ويعزز مكانتها كدولة ممتلكة للأسلحة النووية، ويمنحها نظام تفتيشٍ أكثر تساهلاً لمنشآتها النووية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية· ولكن، لماذا؟ الجواب: الصين· لا الولايات المتحدة ولا الهند تريدان قول ذلك، والحال أن السبب الرئيسي لجعل الهند استثناء وتقريبها من الولايات المتحدة هو الرغبة في خلق توازن مقابل القوة المتنامية للصين في آسيا· هذا التوازن يصب في المصلحة الواضحة للبلدين، إلا أن الاتفاق، الذي يبلغ عمره ثلاث سنوات، تعرض حتى الآن للعرقلة بسبب تعقيدات الحياة السياسية الهندية· فحكومة رئيس الوزراء سينج تفتقر إلى أغلبية برلمانية وتعتمد على أصوات الأحزاب الشيوعية حتى تحكم، والحال أن هذه الأحزاب معادية للولايات المتحدة بالفطرة وتهدد بإسقاط الحكومة في حال مضت هذه الأخيرة قدمـــاً في تنفيذ الاتفـــاق النووي· ولكن أخيراً تمكن ''سينج'' وزعيمة الحزب، ''سونيا غاندي''، من استجماع شجاعتهما وتخليا عن الشيوعيين للحصول بدلاً من ذلك على دعم منظمة جهوية صغيرة تُمثل ''طبقة المنبوذين'' والمسلمين· ذلك أن ''حزب سامجوادي'' بصدد التراجع والانهزام في ولاية ''أتار براديش'' أمام حزب آخر من ''طبقة المنبوذين''، وفي حاجة للمساعدة· ومع اقتراب موعد الانتخابات الوطنية المرتقبة في مايو المقبل، شعر كل من ''سينج'' وحزب ''ساماجوادي'' أن ليس لديهما ما يخسرانه إذا ما تعاونا - والكثير ليفوزان به· والحق أن هذه الخطوة تستحق أن تقابَل بجهود أميركية قوية ومكثفة لإقناع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأعضاء ''مجموعة الموردين النوويين'' العالمية بدعم الاتفاق، ثم بمصادقة سريعة في الدورة الأخيرة للكونجرس هذا العام· ولعل أولى هذه الجهود ينبغي أن تكون إعلان الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة أن اتفاقية حظر الانتشار النووي في حاجة إلى إحياء، وبأنه سيُبذل كل جهد من أجل إصلاحها خلال السنوات المقبلة لضم قوى نووية جديدة مثل الهند إليها· أما ثانيها، فهي إبداء أعضاء الكونجرس الكبار لموقف أكثر واقعية من علاقات الهند بإيران· والواقع أن دعم علاقات أوثق وأمتن بين الولايات المتحدة والهند يحظى اليوم بدعم الحزبين، إلا أن هذه الصورة الجميلة تؤثر عليها المخاوف الأميركيـــة من صداقة الهند مع إيران، حيث ترغب الأولى في شراء الغـــاز الطبيعي من الثانيـــة واستقبال زيارات رسمية لرئيسها المنكِر للهولوكوست· إن استعمال الاتفاق النووي لمحاولة إرغام الهند على الانحياز إلى سياسة الولايات المتحدة بخصوص إيران سيمثل خطأ فادحاً· فنظرا لماضيها الذي تأثر بالكولونيالية، فإن الهند حريصة أشد الحرص على استقلال قرارها، ولذلك، فإنها لن توقع أبداً على تحالف كامل مع الولايات المتحدة من النوع الذي يربط هذه الأخيرة باليابان· وعليه، فإن محاولة إرغام الهند على اتباع الخط الأميركي بخصوص إيران -أن تكون ''إما معنا أو ضدنا''- سيمثل خطأ كبيراً· بيل إينموت رئيس تحرير مجلة ''ذي إيكونوميست'' من 1993 إلى 2006 ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©