الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كليلة ودمنة.. حكم ونوادر وإسقاطات على ألسنة الحيوانات

كليلة ودمنة.. حكم ونوادر وإسقاطات على ألسنة الحيوانات
8 سبتمبر 2009 00:13
على الرغم من أنه ليس منتجا عربيا أو إسلاميا، إلا أن كتاب كليلة ودمنة يبقى أكثر الكتب التي تم إنتاج مخطوطات مصورة منها منذ العصر العباسي وحتى نهاية سنوات العصور الوسطى. وكتاب الهند الشهير عمل فلسفي عميق، ألفه الحكيم بيدبا الذي عاش في وقت اجتياح الإسكندر الأكبر لبلاده قبل أربعة عقود من ميلاد السيد المسيح عليه السلام. أما السبب الذي دعاه لتأليف الكتاب، فهو تكليف ملك الهند دبشليم له، ليضع له كتابا بليغا يكون ظاهره سياسة العامة وتأديبها وباطنه أخلاق الملوك وسياستها للرعية على طاعة الملك وخدمته»• ولما كان دبشليم قد طغى وتجبر، فلم يكن بالهند من يجرؤ على مواجهته سوى بيدبا أشهر حكماء عصره ورأس البراهمة، وقد مضى الحكيم إلى الملك باذلا النصح له؛ لأنه على حد قوله لتلاميذه أن مجاور رجال السوء ومصاحبهم كراكب البحر إن سلم من الغرق لم يسلم من المخاوف، فإذا هو أورد نفسه موارد الهلكات لم يسلم من المخاوف. وعندما واجه الملك بقائمة مطولة من الاتهامات طلب منه دبشليم تصنيف هذا الكتاب الذي يعد صنوا لكتاب مكيافيللي الشهير «الأمير» واقتضت حكمة بيدبا ألا يجعل كتابه في النصائح السياسية المباشرة وإنما جعل كلامه على ألسنة البهائم والسباع والطير ليكون ظاهر الكتاب لهوا للخواص والعوام وهم يتعجبون من أحاديث تجري على ألسنة الحيوان. أما باطن الكتاب أو ما يفهم منه، فهو رياضة لعقول الخاصة• وضمن بيدبا كتابه الذي سماه «كليلة ودمنة» -وهما ابنا آوي المتحدثان في الكتاب - ما يحتاج إليه الإنسان لسياسة نفسه وأهله وخاصته وما يحتاج إليه من أمر دينه ودنياه وآخرته وأولاده ويحضه على حسن طاعته للملوك ويجنبه ما يكون فيه هلاكه وتلفه• نسخة لكسرى وبعد أن لقى الكتاب استحسان الملك دبشليم، أمر بالحفاظ عليه في بيت الحكمة حتى لا تطلع عليه الشعوب المجاورة، وهو ما دفع بملك الفرس كسري انوشروان للجد في طلب هذا الكتاب، حتى أنه أرسل بروزيه الطبيب إلى الهند لينجح في نقل نسخة من «كليلة ودمنة» ترجمت فور وصولها إلى اللغة البهلوية. وعندما فتح العرب بلاد فارس وجدوا هذا الكتاب مشهورا لديهم، ومن ثم عنوا به؛ لما فيه من أدب سياسي وحكمة، وقد قام على ترجمته إلى العربية عبدالله بن المقفع الذي قال في مقدمة ترجمته: إنه ينبغي لمن يقرأ هذا الكتاب أن يعرف الوجوه التي وضعت له وإلى أي غاية جرى مؤلفه فيه عندما نسبه إلى البهائم وأضافه إلى غير مفصح وغير ذلك من الأوضاع التي جعلها أمثالا، فإن قرأه من لم يفعل ذلك لم يدر ما أريد بتلك المعاني ولا أي ثمرة يجتني منها ولا أي نتيجة تحصل له من مقدمات ما تضمنه هذا الكتاب. نشر كليلة ودمنة وإذا كان الهنود ومن بعدهم الفرس قد اعتبروا الكتاب سرا لا ينبغي إذاعته على العامة، فإن المسلمين قد فعلوا النقيض تماما إذ استنسخوا الكتاب طوال العصور الوسطى، حتى وصل إلى أوروبا مترجما عن الأصل العربي الذي أعده عبدالله بن المقفع. ولم يكتفوا بإتاحة قراءة «كليلة ودمنة» للناس كافة، بل عمدوا إلى تزويقه بالتصاوير التي توضح ما به من قصص جاءت على ألسنة الحيوانات والطيور، وحسبما سجل ابن المقفع في تعداده لأغراض الكتاب، فإن أحد هذه الأغراض «إظهار خيالات الحيوان بأصناف الأصباغ والألوان ليكون حرص الملوك عليه أشد في تلك الصور»• باب الأسد والثور وقد حظيت عدة أبواب من كتاب «كليلة ودمنة» بعناية المصورين المسلمين، لعل أهمها باب الأسد والثور، وهو أول أبواب الكتاب، إذ صوروا الكثير من قصصه التي تدور جميعها حول الإجابة على المسألة التي طرحها دبشليم على بيدبا طالبا منه أن يضرب له مثلا لمتحابين يقطع بينهما الكذوب المحتال حتى يحملهما على العداوة والبغضاء» وقد مضى بيدبا في معرض تأكيده أنه إذا ابتلي المتحابان بأن يدخل بينهما الكذوب المحتال لم يلبثا أن يتقاطعا ويتدابرا» ليروي قصة كبيرة تتقاطع معها عشرات القصص الصغيرة والأمثال. والقصة الرئيسية تتحدث عن شيخ بأرض «دستاوند» وكان له ثلاثة بنين، فلما بلغوا أشدهم في مال أبيهم دون أن تكون لهم خبرة بالحياة أو دراية بحرفة وعظهم الأب حتى يمضي كل منهم طلبا للخبرة والحكمة. ومن هؤلاء الأبناء، الأكبر ويقال له ميون الذي خرج في رحلة على عجلة يجرها ثوران يقال لأحدهما شتربة وللآخر بندبة. وللثور شتربة قصته التي تؤكد الغرض من باب الأسد والثور، فبعد أن تركه ميون في مكان مثمر الأشجار ظنا منه بهلاكه، نجح الثور في التعافي وأخذ يخور ويرفع صوته في المرج الخصيب، وهنا يظهر اسما «كليلة ودمنة» ابنا آوي وكان يقومان على خدمة أسد بقرب المرج الذي يخور فيه شتربة. ولما أحس دمنة أن الأسد لم يسبق له أن رأى ثورا فخاف من هذا الخوار، عزم على أن ينال بذلك مكانه لدى الأسد رغما عن تحذيرات كليلة بألا يتدخل فيما لا يعنيه مع الملوك. وبالفعل يحتال دمنة على الثور شتربة حتى يحمله إلى الأسد، ولكن أواصر الصداقة توطدت بين الأسد والثور شتربة وصارا المتحابين المراد الحديث عنهما، وعندئذ يتدخل الكذوب دمنة للوقيعة بين الثور والأسد ويوهم كلا منهما بأن صاحبه يريد به السوء• وينشب القتال بين الأسد وشتربة وينتهي بهلاك الثور وجرح الأسد، وعندئذ أخذ الأسد في التفكير وقال: لقد فجعني شتربة بنفسه وقد كان ذا عقل ورأي وخلق كريم ولا أدري لعله كان بريئا أو مكذوبا عليه وحزن وندم على ما كان منه• ثم تمضي القصة بتفاصيلها التي تحوي عشرات من القصص الأخرى لتنتهي إلى أن النمر وقد سمع في إحدى جولاته الليلية عتاب كليلة لدمنة على فعلته الشنعاء بإيقاع البغضاء بين الأسد والثور شتربة يذهب ليخبر الأسد وبعد التحقيق والمحاكمة وسماع الشهود، قرر الأسد أن يقتل دمنة فقتل أشنع قتلة• وتنتهي القصة إلى الحكمة التي أرادها بيدبا منها، فمن نظر في هذا فليعلم أن من أراد منفعة نفسه بضر غيره بالخلابة والمكر فإنه سيجزي على خلابته ومكره•• وتحفل تصاوير المخطوطات بصورة للثور شتربة وهو يجول ويرفع صوته في مرج خصيب أو وهو يستمع لحديث دمنة وكذلك وهو يصارع الأسد. وهناك أيضا عشرات القصص التي جرى تصويرها، بما في ذلك القصص القليلة التي كانت تضم آدميين في رواياتها، ومنها تلك التي تشير إلى حكمة بالغة مفادها أنه لا ينبغي لأحد أن يصدق ما لا يكون، وهي تدور حول لص تسلق جدار منزل فأحسن به رب البيت وكان من مياسير التجار فتحدث لزوجته بصوت يسمعه اللص عن أنه أصاب الثراء الواسع من سرقة المنازل، وذلك بفضل تعويذة كان يقولها وهو يعتنق شعاع القمر لينزل به سالما آمنا إلى أفنية هذه المنازل، وصدق اللص الرواية واعتنق ضوء القمر هابطا إلى فناء منزل التاجر الذي راح يضربه بعصاه، قائلا له من أنت؟ فقال اللص: أنا المصدق المخدوع المغتر بما لا يكون أبدا• وهناك أيضا قصص أخرى مصورة مثل القرد والغيلم «ذكر السلحفاة البحرية»
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©