الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هوية جديدة للتشدد وفائض الإحباط في قطاع غزة

هوية جديدة للتشدد وفائض الإحباط في قطاع غزة
8 سبتمبر 2009 00:16
عندما غادرت آخر دبابة إسرائيلية خارجة من نقطة تفتيش «كيسوفيم» الواقعة شرقي قطاع غزة في فجر يوم 12 سبتمبر 2005، شعر سكان منطقة «عبد ربه» الزراعية بسعادة غامرة وتدفقوا إلى الشوارع مع باقي مواطنيهم في احتفالات جماعية صاخبة. أما الآن فالوضع مختلف في كل شيء، ذلك أن «محمد عبد ربه» يجلس وسط أكوام من الركام، وقطع الخرسانة المهشمة، وأسياخ الحديد الملتوية، بعد مرور ما يقرب من سبعة أشهر على تسوية هذه المنطقة -التي سميت على اسم عائلته- بالأرض أثناء الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في نهاية العام الماضي وبداية الحالي. وليس هذا المشهد الكئيب هو كل شيء. فزيادة على ذلك لا يجد «عبد ربه» ما يفعله طيلة اليوم، سوى النظر إلى معالم الحطام الذي حل بمنطقته، التي أغلقت حدودها تماماً من قبل إسرائيل ومصر، اللتين لا تسمحان سوى بمرور كميات محددة من الإمدادات ومواد إعادة البناء إلى القطاع الذي يحتاج إلى كل شيء تقريباً إلى درجة أن غزة أصبحت تشبه «مصباحاً بدون زيت» على حد تعبير «عبد ربه». وقد نجحت إسرائيل في تحقيق هدفها الرئيسي من شن تلك الحرب، حيث تناقص إلى حد هائل معدل إطلاق الصواريخ من القطاع الذي تسيطر عليه «حماس» باتجاه المدن الإسرائيلية الجنوبية مثل سديروت. ولكن المحاولات الإسرائيلية التي لا تتوقف والرامية لإضعاف «حماس»، ساهمت في تحويل قطاع غزة إلى مجتمع ممزق، تآكلت فيه إلى حد كبير الأسس التقليدية للأمل، والأمن، والفرص. فالحركة الإسلامية المسلحة لا تزال، على رغم الانخفاض المستمر في شعبيتها، قادرة على الإمساك بزمام السلطة، بل ووضع نوع من المصادرة الفعلية عليها، إلى حد لم يعد يسمح سوى بترك مساحة ضئيلة للأيديولوجيات البديلة والمشروعات الحرة، أو المساعي الإيجابية من جانب سكان القطاع. وحسب الإحصائيات التي أعلنتها الأمم المتحدة، فإن الحرب الأخيرة كان لها تأثير شديد على ما يزيد عن 250 ألف شخص من سكان القطاع سواء من خلال تدمير منازلهم، أو قتل أو جرح أفراد من عائلاتهم. وفضلا عن ذلك، أثر الحصار الخانق المفروض على القطاع منذ أربعة أعوام تقريباً، والذي يزداد حدة مع كل خطوة تخطوها «حماس» على طريق احتكار السلطة، على تطلعات الغزيين في كل المجالات. ففي الوقت الراهن يعاني 45 في المئة من سكان القطاع من البطالة، كما يعتمد 90 في المئة منهم على بعض أنواع المساعدات من أجل البقاء على قيد الحياة. «إن تداعيات الحرب والحصار قد لا تكون مرئية على سطح غزة في الوقت الراهن» هذا ما يقوله «جون جينج»، مدير عمليات «وكالة غوث وتشجيع اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) في قطاع غزة. ويقول «جينج» أيضاً إن «أعداد الأفراد المصممين على اتباع أجندة متطرفة وعنيفة في الوقت الراهن يزيد عن عددهم فيما مضى. ففي الشهر الماضي وقعت معركة بين حماس وبين تنظيم متشدد يستلهم فكر القاعدة كانت من أسوأ تجليات العنف الداخلي الذي وقع في القطاع منذ عام 2007». ويصف «جينج» الوضع ملمحاً في الوقت نفسه إلى أداء «حماس» بقوله: «هذا لا يعد نجاحاً وإنما هو فشل بمعنى الكلمة». ومن الأدلة على صحة ما يقوله حقيقة أن الجميع، وحتى المعتدلين في القطاع قد غيروا لهجتهم. ومن هؤلاء المعتدلين «إياد سراج»، السياسي المستقل، والطبيب النفساني، الذي ظل لسنوات طويلة يتواصل مع «مرصد السلام مع إسرائيل»، والذي يتحدث الآن عن تلك الدولة فيصفها بأنها «قد تحولت إلى مكان غريب قرر أن يعيش من خلال استخدام القوة الباطشة فقط». ويضيف «سراج»: «وهذا بالطبع أدى إلى إزالة الأوهام التي ساورت الكثيرين ممن آمنوا بالسلام الاستراتيجي، وعمل التسويات، وإجراء المفاوضات». ويشير الدكتور «سراج» إلى أن جزءاً من عملية التحول الثقافي الذي حدث في غزة، يتمثل في ذوبان بنية القوة العشائرية التقليدية. ففي الماضي كانت العشيرة والعائلة تمثل «إطار الأمن» الذي يحمي الأفراد ويحيطهم بسياج من الطمأنينة، أما الآن فليس هناك سوى إطار «حركة المقاومة الإسلامية» وهو الاسم الرسمي الذي تعرف به «حماس». ولمزيد من التوضيح يقول سراج: «لقد أوجدت حماس هوية جديدة للتشدد... فالوضع الآن أصبح على النحو التالي: نحن وهُم. وتقصد حماس بـ «هم» كل من لا ينتمي إليها حتى لو كان من صميم المجتمع الفلسطيني». والراهن أن الجيل الأصغر عمراً، والذي لا يميل تجاه «حماس»، يعاني من العزلة والإقصاء في مجتمع لم تترك فيه الأصولية الإسلامية، والحدود المغلقة، سوى فضاء ضيق ثقافياً ومادياً وسياسياً أمام هؤلاء الذين كان يمكن أن يسعوا إلى حياة إيجابية بموجب المعايير السابقة. أما «جودت الخوري» المطور العقاري الذي تعطلت مشروعاته في غزة فيقول: «المشكلة الآن هي أن معظم الناس لا يبحثون عن عمل، وإنما أصبحوا يبحثون عن المساعدات، وهو أمر خطير للغاية» ويضيف: «ما هي العقلية التي يتم إنتاجها هنا في الوقت الراهن؟... إننا إذا ما وضعنا كل ذلك إلى جانب الحصار والعزلة فإننا سندرك أن غزة ستتحول إلى مجتمع يختلف اختلافاً تاماً عن أي مجتمع آخر في العالم». أما «عبد ربه» فمن رأيه أن تلك التغييرات الاجتماعية قد بدأت تنعكس «في صورة انهيار للأخلاق والسلوك القوي بين الشباب حيث لم يعد هناك صبر ولا تسامح في غزة الآن، فإذا ما لمست أثناء سيرك أحداً ما، حتى ولو بدون قصد، فإنه سيتشاجر معك». رفاييل فرانكل - قطاع غزة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©