الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكاية الصحائف الأولى

حكاية الصحائف الأولى
19 مايو 2010 19:54
يرتبط طبع الكتاب بنشره وتوزيعه ارتباطاً وثيقاً.. ولكن المتتبع لحركة النشر والطبع والتوزيع في الوقت الحاضر، يلمس التطور الهائل في تلك الحركة، فنجد معارض الكتب في الإمارات -على رأسها معرضا أبوظبي والشارقة- هي الأخرى أصبحت تظاهرات كبرى، وعززت هذه المعارض حضورها لدى شبيهاتها في العالم، فانتقلت صناعة النشر إلى مرحلة متطورة. زادت دور النشر، وأصبحت الإمارات الدولة العربية الخامسة في عضوية اتحاد الناشرين الدوليين. ونشأ في الإمارات اتحاد الناشرين الإماراتيين.. وقد جاءت كل هذه الإنجازات بالتدريج وفق حركة الثقافة نفسها التي أخذت تتراكم وتكتسب خبرات عالمية على مدى العقود الثلاثة الماضية. هنا محاولة لتتبع أوائل الجهود في النشر والطبع في الإمارات والخليج وفق النقاط التالية: أوائل المطابع على الرغم من البداية المبكرة لنشأة المطابع في بلاد الشام والتي تعود إلى سنة 1732م وفي مصر إلى سنة 1833، إلا أن ظهور المطابع في الخليج العربي كان منذ عشرينات القرن الحالي، ففي المنامة أُسست المطبعة الحجرية سنة 1913 وقد أحضرها الحاج أحمد بن عبد الواحد فرامرزي والحاج ميرزا علي جواهري. كما أسس عبدالله الزائد مطبعة البحرين الأولى بآلات حديثة في سنة 1934م. وظهرت أيضاً المطبعة السلفية في مكة المكرمة التي كانت فرعاً من المطبعة السلفية التي أسسها محب الدين الخطيب في القاهرة. أما في الكويت، فقد أسس عبدالعزيز الرشيد أول مطبعة في الكويت في سنة 1928م. وكانت الكتب العربية تطبع في الهند، ففي بومباي، كانت المطبعة الحجازية من أشهر المطابع، وقد طبع فيها بعض تجار الإمارات كتب اللآلئ وبعض المؤلفات الأدبية والإسلامية. وفي بومباي أيضاً وجدت مطبعة عربية تقوم بطباعة كتب التراث العربي وكتب الحديث والفقه، وإلى جانبها مطبعة الجامعة العثمانية في حيدر آباد التي طبعت عدداً كبيراً من الكتب العربية، وقد تم شراء عدد من الكتب المطبوعة في حيدر آباد والقاهرة من مكتبات بومباي التي اشتهرت بمكتباتها العربية ومنها مكتبة عبدالمنعم العدوي في بومباي. ولعل تأخر ظهور الكهرباء في الإمارات هو السبب الرئيس في تأخر ظهور المطابع، وكانت البلاد تحت قبضة الاستعمار الإنجليزي، ناهيك عن ظروف الحياة الشاقة التي واجهها الأوائل. وعلى الرغم من ذلك، فقد تبنى بعض التجار طباعة بعض الكتب والمؤلفات عن اللآلئ وموازينها، وكذلك طباعة الكتب الدينية والأدبية في مطابع بومباي في الهند كما فعل المدافعة الذين يطبعون الكتب على نفقتهم ثم يقومون بنقلها إلى البلاد لتساهم في نشر الثقافة والأدب وتعرف التجار أيضاً بأصناف وأنواع وموازين اللآلئ. وأما أولى المطابع التي ظهرت في الإمارات، فقد كانت ثلاث مطابع هي: 1 ـ مطبعة الرضوان أُسست مطبعة الرضوان في عام 1958م بدبي، وقد أسسها محمد عبدالله الرضوان مع الكويتي رضوان محمد رضوان، وقد كانت أول مطبعة في الإمارات وجهزت بعدد من آلات الطباعة اليدوية والميكانيكية، وماكينة سلندر لطباعة الأحجام الكبيرة من الورق، وبعد ذلك جلب المرحوم محمد الرضوان ماكينة كهربائية لتشغيل آلات المطبعة وإنارة المبنى الخاص بها، حيث لم تكن الكهرباء في ذلك الوقت متوافرة، اللهم إلا عند بعض التجار، وكان في المطبعة عدد من العاملين العرب والهنود تولوا تشغيل المطبعة وإدارتها. وتطورت بعد ذلك المطبعة، إذ تم استخدام آلات الطباعة الأوتوماتيكية من نوع “هايدلبرج”، وكانت مطبعة الرضوان أول من طبع الجريدة الرسمية لإمارة دبي، كما صدرت منها بعض المطبوعات الدورية، إضافة إلى الأوراق والمستندات الخاصة بالحكومة والبنوك والأعمال التجارية في ذلك الوقت، وغطت المطبعة احتياجات كافة الإمارات وبعض الدول المجاورة. وفي فترة لاحقة، ألحقت بالمطبعة أول مؤسسة لبيع القرطاسيات والأدوات المكتبية. 2 ـ المطبعة العُمانية هي ثاني مطبعة وطنية ظهرت في الإمارات، وقد أسسها السيد هاشم بن السيد رضا الهاشمي بتاريخ 10 شوال 1378هـ الموافق 18 أبريل 1959م. وسميت بالعُمانية نسبة إلى ساحل عُمان، وقد اتخذت المطبعة مقراً لها في بناية التاجر علي بن مصبح القيزي بدبي.. وظلت في هذا المكان قرابة أربعة عشر عاماً ثم انتقلت في شهر رمضان سنة 1393هـ الموافق أكتوبر 1973م إلى مقرها الجديد في شارع سكة الخيل خلف مسجد السادة من الجهة الشمالية. وأول مشكلة واجهت المطبعة العُمانية عدم توافر الكهرباء لتشغيل المكائن وأدوات الطباعة، وحاول السيد هاشم التغلب على هذه العقبة بأن قام بشراء ماكينة كهربائية خاصة بالمطبعة، إلا أنها لم تساعد في أداء المطبعة لعملها على ما يرام فتوقفت في بداية نشأتها، ولكنها كانت تعود مرة ثانية ثم تتوقف، وهكذا إلى أن تجاوزت هذه العقبة مع تزويد الطاقة الكهربائية في مدينة دبي بقوة كافية سدت حاجة البلد في منتصف الستينات. وقد عبر السيد هاشم عن الظروف التي مرت بها المطبعة في الستينات، إذ كتب عدة منشورات وكتابات ذكر فيها ما آلت إليه مطبعته، فقال إنها عاشت سنوات عجافاً تلعق جراحها وتمتص رحيق مدخراتها، وأنشد الشيخ محمد بن علي المحمود ذاكراً فضل السيد هاشم على البلاد عندما أسس المطبعة العُمانية في قصيدة له فقال: أنشأت للأعمال خير مكان وجمعت فيه محاسن الإتقان وأعدت مجداً للمطابع هاشم تزهو به الدنيا على الأزمان وقد أصدرت المطبعة سنة 1959م “ديوان ابن ظاهر”، الذي جمعه محمد شريف الشيباني، واهتمت بطباعة الكتب والإرشادات ودواوين بعض الشعراء، وغيرها من المطبوعات التجارية، ويوجد في المركز أربعة كتب من نشر المطبعة العُمانية، هي: ـ ديوان الشاعر الشعبي ابن ظاهر نشر سنة 1963م ـ حكومة رأس الخيمة قانون العمل لسنة 1968م، ونشر سنة 1968م ـ الدرة المضية نشر سنة 1980م ـ البئرة المباركة نشر سنة 1980م 3 ـ مطبعة الساحل ومكتبتها: أسسها في عام 1962م السيد يعقوب بن السيد رضا الهاشمي، وتعتبر ثالث مطبعة وطنية في الإمارات، كان موقعها على شارع البرقيات القديم في ديرة. في سنة 1964م صدر عنها دليل تلفونات دبي والشارقة، وقد أسس السيد يعقوب عدة مطابع منها مطبعة دبي بالاشتراك مع خليفة النابودة ومطبعة البلاد مع سلطان الحبشي، وكلتا المطبعتين أُسست في أواخر الستينات. (مقتبس بتصرف من كتاب “رسائل الرعيل الأول من رواد اليقظة في الإمارات العربية المتحدة” لعبدالله علي الطابور). أوائل الناشرين * الوثيقة الأولى: رسالة الأمير شكيب أرسلان إلى الأديب مبارك بن سيف الناخي.. مؤرخة في 3 مايو 1931م وهذا نصها: بسم الله الرحمن الرحيم حضرة الأخ الكريم السيد مبارك بن سيف الناخي المحترم بعد السلام والاحترام، قد أرسل إلينا السيد محمد علي الطاهر قيمة ثلاثة اشتراكات في مجلة الأمة العربية التي نحررها باللغة الفرنسية أنا وزميلي إحسان بك الجابري، وذلك منكم ومن الأخ السيد علي بن عبد الله بن عويس وأخيه السيد سالم فشكرناكم جميعاً وسألنا الله أن يكثر من أمثالكم، وأما قولكم إن لنا الاختيار في من تهدى إليه المجلة بهذه البدلات الثلاث، فنثبت أنما نحن يا حضرة الأخ إننا نرسل ألف نسخة إلى الحكومات والمجالس النيابية والصحف المشهورة والعلماء والمشايخ في كل أوروبا، وذلك لأجل نشر حقائقنا، فبديهي أننا لا نتقاضى منهم شيئاً وليس منهم إلا نوادر أرسلوا بدلات الاشتراك، فهذا هو واقع الحال وقد صادف ظهور هذه المجلة هاتين السنتين العسيرتين، كما لا يخفى فتحملنا خسارة مئات من الجنيهات، ولكننا ثبتنا إلى حد اليوم ولا نزال ثابتين خوفاً من شماتة الإعداء لأن المجلة أخذت موقعاً جليلاً في أوروبا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته المخلص شكيب أرسلان نرى من خلال هذه الوثيقة أن اشتراك ثلاثة من مثقفي الشارقة في ذلك الزمن وحرصهم على دعم الاتجاهات التي تحقق أهداف الأمة العربية والإسلامية وتوصيل الرسالة ونشر الكتب والمجلات وما تحتويه من أفكار وتثبيتا منهم لأصحابها لمواصلة الطريق خاصة أن هذه الاشتراكات في هذه الحالة ليست من أجل الحصول على المجلة؛ لأنها تصدر بالفرنسية إنما تشجيع على استمرارها في الصدور وعدم التوقف دليل على اهتمام الإماراتيين مبكراً بالنشر وإدراكهم لأهميته وإن ذلك نابع عن وعي وأصالة في الفكر الآخذ بالانتشار في منطقة الخليج العربي في ذلك الوقت. * الوثيقة الثانية: رسالة المفكر الإسلامي محب الدين الخطيب إلى إبراهيم بن محمد المدفع مؤرخة في 29 ذي القعدة 1347هـ الموافق 1928م، وهذا نصها: بسم الله الرحمن الرحيم حضرة الأخ الفاضل إبراهيم بن محمد المدفع المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فقد تشرفت بكتابكم الكريم ولا بد أن الفتح صارت تصل إليكم؛ لأننا بدأنا بإرسالها من العدد 134، وأظن أن ذلك كان بناء على كتابة جاءتنا من بومباي وسيتمر إرسال الجريدة إليكم بانتظام إن شاء الله وتفضلوا بقبول جزيل الاحترام. محب الدين الخطيب نرى من خلال هذه الوثيقة اهتمام إبراهيم المدفع ناشر أول صحيفة تصدر في الإمارات “صوت العصافير” اهتمامه بالاشتراك بأشهر مجلات العالم الإسلامي وسعيه في متابعتها وها هي رسالة تصله من ناشرها تؤكد إرسال المجلة إليه وتعزز حس نشر الكتب والمعرفة من خلال متابعة الجديد مما ينشر في المجلات في العالم الإسلامي. وذلك تمهيداً لتزويد مكتبته المكتبة التيمية أو الوطنية التي أسسها في الشارقة 1933. * الوثيقة الثالثة: نص رسالة الشيخ عبد الله بن عبد الوهاب الوهيبي إلى إبراهيم بن محمد المدفع مدير المكتبة التيمية.. مؤرخة في 26 /10/1348هـ الموافق لعام 1929م، وهذا نصها: بسم الله، لحضرة الغيور الفاضل مدير المكتبة التيمية الوهابية في الشارقة المحترمة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأسعد الله جميع أوقاتكم، سيدي نظراً لما أعلمه من الشغف الزائد بقراء المكتبة الموقرة للاطلاع على الأخبار الخارجية وأخبار المؤتمر العربي الذي عقد بين الإمام أيده الله وبين جلالة الملك فيصل خاصة أحببت أن أتطفل بإهداء ما يصلكم من الجرائد العراقية لاحتوائها على أهم ما جاء في المؤتمر من المذاكرة الحسنة التي يرقص لها كل قلب كل عربي صميم لما احتوت عليه من تجديد أواصر الصداقة وحسن التفاهم بين العاهلين العظيمين حقق الله أماني الأمة العربية والإسلامية على أيديهما آمين. وبينما أنا أحرر هذه الأحرف داخل الصف بين التلامذة لضيق الوقت وإذا برسول سيدي ومولاي الأمير الجليل الشيخ سلطان بن صقر يحمل إلي كتابه الكريم وعندما رأيت ختمه الشريف على ظاهره قمت إجلالاً وتناولته وقد بلغ مني السرور مبلغاً لفت إليّ أنظار التلامذة داخل القسم فلا عدمت خاطراً أملاه وبناناً طرزه ووشاه ولضيق الوقت كما ذكرت اكتفيت بإتمام هذه العجالة مع التنويه إلى ذلك واعتمادي عليكم بالمعذرة إلى مولاي الأمير عن التقصير لأنه ليس في استطاعة معلم مثلي مشتغل الأفكار وأمام الصبيان جالس أن يحرر رسالة يتمكن أن يشرح فيها ما تختلج في فؤاده من الثناء والشكر العظيم وصفحا عما ترون من ركيك العبارة فما على معلم الصبيان من حرج سيما إذا كان أمامهم جالساً انظر إلى عنوان المكتوب تجده برهاناً ساطعاً على دعواي وفي الختام تفضلوا بإهداء سلامي لكل قارئ جالس مستمع في المكتبة الوهابية كما ذكر سيدي الأمير أيده الله، كما الإخوان وعموم التلامذة يهدونكم جزيل السلام. رهين إحسانكم وقال في جانب الرسالة: بعد فراغكم من قراءة جريدة “الأيام”، أتمنى إرسالها إلى الأستاذ الشيخ مشعان مع كتبه التي تصلكم صحبة ناقله وشرفوني بوصول الجرائد إليكم. في مقدمة هذه الرسالة، يشير عبد الله الوهيبي مدير المدرسة الأحمدية آنذاك، وهو من الزبير بالعراق، إلى علمه بالشغف الزائد بقراء المكتبة للاطلاع على الأخبار الخارجية، ونظراً لصلته بالعراق ووصول الجرائد إليه، فهموم النشر تسكنه وتدفعه إلى إهداء للقراء الشغوفين في المكتبة التيمية، وفي نهاية الرسالة يتمنى على صاحبها إرسال جريدة الأيام إلى الأستاذ مشعان مع بعض الكتب التي أرسلها مع المرسل، وهذه الوثائق تعطي صورة واضحة عن الحركة العلمية وانتشار الكتب في الإمارات ونبذة عن أبرز من تصدى لهذه المهمة النبيلة وسعى في نشر الكتاب وتسهيل وصوله لطالبي العلم والمعرفة. أسماء في الخليج ظهرت في منطقة الخليج العربي عدة شخصيات كان لها دور بارز في توزيع الكتاب، من بينها: الشخصية الأولى: الشيخ محمد بن حسين بن عمر بن عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن نصيف. ولد الشيخ محمد نصيف في الثامن عشر رمضان سنة 1302 هـ. توفي والده في ريعان شبابه، تولى جده عمر بن عبدالله نصيف تربيته، وكان جده كبير أعيان جدة. وقد عكف الشيخ محمد نصيف منذ فتوته على جمع الكتب واقتنائها وتتبع النادر منها حيث وجد، وكانت صلته بعلماء عصره سواء المقيمين أو القادمين مدعاة لتنمية حبه للقراءة والدرس وكذلك تلقيه طلبة العلم واستضافتهم وإكرامهم وتوزيع الكتب العلمية عليهم، التي كان يطبعها على نفقته الخاصة في الوقت الذي لم يكن أكثرهم يقدر في ذلك الزمان على تحصيل الكتب العلمية النافعة بالشراء. وبرز ولعه بالكتب الشرعية خصوصاً سلفية المذهب في ظل اهتمامه باقتنائها وطباعتها، فقد قام الشيخ بطباعة كثير من الكتب على نفقة الخاصة مثل كتاب “الأنوار الكاشفة” للشيخ عبدالرحمن المعلمي اليماني وكتاب “التنكيل” له أيضاً وكتاب “الجواب الباهر في حكم زيارة المقابر” لابن تيمية، وكتاب “العلو للعلي الغفار” للحافظ الذهبي سنة 1325 هـ. قال الشيخ العلامة عبدالرحمن المعلمي اليماني في تقدمته لكتابه الأنوار الكاشفة: “ولفضيلة السلفي الجليل المحسن الشهير نصير السنة الشيخ محمد نصيف اليد الطولى في استحثاثي لإكمال الكتاب، وإمدادي بالمراجع”. لقد أثمر صرف الشيخ محمد نصيف حياته الطويلة في جمع الكتب النافعة في تكوين مكتبة خاصة كبيرة عرفت في ما بعد بمكتبة الشيخ محمد نصيف، تعد أثمن مكتبة خاصة في مدينة جدة ثم تشرفت المكتبة المركزية جامعة الملك عبدالعزيز بضمها إلى مقتنياتها. فليس غريباً أن ينال الشيخ محمد نصيف لقب أمير الكتب لجهوده في طباعة الكتب الشرعية السلفية وتوزيعها بالمجان. كانت وفاة الشيخ محمد نصيف في يوم الخميس السادس من شهر جمادى الآخرة عام 1391 هـ/ 1971م بمدينة الطائف، ثم نقل جثمانه إلى جدة التي خرجت كلها لتشييع جنازته، ودفن في مقبرة الأسد في مدينة جدة، وكان عمره يناهز التسعين عامًا. الشخصية الثانية: الشيخ علي بن عبدالله بن قاسم بن محمد آل ثاني ولد عام 1894م. فحفظ القرآن الكريم، والتحق بالمدرسة الأثرية فدرس على الشيخ بن مانع واستفاد أيضًا من المجالس العلمية والأدبية التي كان يعقدها والده الشيخ عبدالله، حيث يجتمع عليها العلماء. في 2 يوليو 1948م بويع له بولاية العهد بعد وفاة شقيقه الشيخ حمد بن عبد الله، وفي 20 أغسطس 1949م تولى حكم البلاد بعد تنازل والده الشيخ عبدالله عن الحكم له. وكان الشيخ صاحب دين متين، يتحلى بأخلاق عالية، جمع حوله العلماء والأدباء من كل حدب وصوب، حيث كان أديبًا بارعًا يحفظ الكثير من القصائد ويسردها، وقد جمع الكثير منها في مختارات باسمه، طبع منها ثلاثة مجلدات، وقد مدحه الشعراء بقصائد عصماء، وقد جُمع الكثير منها في دواوين كديوان “درر المعاني في مدح آل ثاني” وغيره، يقول الشيخ سعدي ياسين عن الشيخ علي: نهض بقطر نهضة مباركة جمع فيها بين حقائق الإسلام وحاجة العصر، فرفع المساجد، وشيد المعاهد، وأكثر من نشر الكتب على نفقته الخاصة وجعلها وقفًا لله تعالى، وجلب العلماء من الأقطار لتثقيف النشء، وفي عهده تطورت البلاد وقفزت قفزات كبيرة، ويمكن أن نجمل بعض إنجازاته بـ: 1- إنشاء أول مدرسة نظامية، وأول مدرسة لتعليم البنات، وابتعاث أول طالب لإكمال دراسته الجامعية، وإصدار أول لائحة لتنظيم المدارس والتعليم، وإجراء الرواتب والأكسية على الطلاب والطالبات، وجعل التعليم مجاناً لجميع من على هذه الأرض الطيبة. 2- أنشأ أول مكتبة عامة في البلاد، وأنشأ دار الكتب القطرية، ونشر ما يزيد عن المائة كتاب في مختلف العلوم والفنون، وجعلها وقفًا لله تعالى توزع على طلاب العلم، وفي عهده أنشئت أول مطبعة في البلاد، ونشرت أول خريطة عربية لقطر، وأول تقويم للبلاد. وفي يوم الاثنين 24 أكتوبر 1960م، تنازل الشيخ علي عن الحكم بعد 11 عاماً من الحياة السياسية، والتي كانت له فيها مواقف مشرفة لنصرة العرب والمسلمين، وفي هذا اليوم جمع أهل الحل والعقد وأخبرهم برغبته في التنازل عن الحكم لابنه الشيخ أحمد بن علي وتنصيبه لابن أخيه الشيخ خليفة بن حمد وليًا للعهد، فتمت البيعة على ذلك. وفي الساعة العاشرة وثلاثين دقيقة من ضحى يوم السبت 31 أغسطس 1974م، توفي الشيخ علي في مستشفى دار الصحة “البربير” في بيروت، فنقل جثمانه إلى الدوحة ودفن في مقبرة الريان. الشخصية الثالثة: محمد أحمد الرويح أول صاحب مكتبة في تاريخ الكويت. ولد الرويح عام 1889م في الكويت، وبدأ دراسته في سن السادسة، حيث درس في مدرسة أحمد الفارسي وتعلم على يديه القراءة وحفظ القرآن الكريم ومبادئ الحساب، وكان لرغبته في زيادة قدرة على القراءة تعلم في مدرسة المرحوم عبد الوهاب الحينان قضى فيها مدة سنتين حتى أصبح قادر على قراءة الكتب التي كانت يرغب في قراءتها وعندما كبر شعر والده في حاجته إلى ابنه محمد في العمل معه في “الدكان” الواقع مقابل مسجد السوق القديم لكي يساعده قام بإخراج ابنه محمد من مدرسته. وبدأت علاقته بالقراء من خلال حرصه على مجالسة الكثير من المثقفين ورجال الأدب من أهل الكويت في ذلك الوقت، ومنهم الشاعر محمود شوقي الأيوبي، وذلك خلال الرحلات البرية لأساتذة المدرسة المباركية عام 1918 م، وكان الشاعر محمود الأيوبي خير عون وصديق له في مجالس الأدب في ذلك الوقت، وقد قام الشاعر محمود الأيوبي بتزويده بكل يحتاجه من كتب لقراءتها. وفي إحدى المرات وخلال جلوسه مع كبار السن من رواد الأدب والشعر في ديوان عمة، صادف رجلاً ضريراً في هذا المجلس يروي للحضور من رواد المجلس قصه عنترة بن شداد فلما انتهى الرجل طلب منه محمد تزويده بهذه القصة لقراءتها ولكن الرجل الضرير سخر منه قائلاً له “أنت صغير السن ولا تقدر على قراءتها وقصة عنترة المكونة من ثمانية مجلدات وليس بمقدرك دفع ثمنه”، وكان لكلام هذه الرجل وقع كبير على محمد، أدى إلى إصراره على اقتناء هذه القصة وبعد أيام، وبينما هو جالس في دكان والده وإذا برجل يمني يعمل مراسلاً في القنصلية البريطانية في طريقة إلى القنصلية حاملاً معه الكتب والرسائل للسفارة فطلب منه إحضار قصة عنترة، وبعد أيام أحضر المراسل القصة التي اشتراها منه بمبلغ نصف روبية فقرأها وباعها لرجل آخر بمبلغ روبيتين. بعد قراءتها شعر بحاجة كبيرة لشراء الكتب وبيعها والتقى بالصديق اليمني فطلب منه تزويده بكتب القصص والشعر والأدب فأشار عليه بالدول التي تتوافر بها الكتب كالبحرين والهند ومصر لكي يكون في مقدوره استيرادها. وقام بعدها بمراسلة إحدى دور النشر في الهند لشراء بعض كتب الأدب والشعر والقصص ووصلت الكتب إلى الكويت وكان سعرها 400 روبية، فشعر بالحرج من والده لعدم توافر المبلغ المطلوب، فقام بإبلاغ صديق لوالده، حيث ساعده في توفير المبلغ للكتب المستوردة من الهند ومن ثم قام بعرضها عام 1920 للعامة، ولاقت إقبالاً من أهل الكويت الذين تهافتوا على اقتناء مثل هذه الكتب، مما أدى إلى استمرار محمد في استيراد المزيد من الكتب لبيعها وتكوين رأسمال، وقام بعدها بافتتاح أول مكتبة في تاريخ الكويت بالقرب من مسجد السوق القديم ولاقت المكتبة إقبالاً كبيراً دفعه إلى البحث عن مكان أكبر، حيث افتتح مكتبة ثانية عام 1923 في “شارع الأمير بالمباركية”، استورد الكثير من الكتب من البحرين ومصر والهند وبيروت وقام بعدها بإحضار الصحف والمجلات وفتح المجال للاستعارة، وانتقلت المكتبة عام 1927 التي عرفت لاحقاً باسم “المكتبة الوطنية” إلى المقر الذي تشغله في السوق الداخلي القديم، حيث برز دورها واشتهرت كإحدى أشهر المكتبات في الكويت، وظلت في موقعها منذ ذلك الحين حتى بعد تجديد السوق الداخلي ولا تزال، وتوفي محمد أحمد الرويح بتاريخ 10 مارس 1996 ميلادية. (بتصرف من كتاب من “قديم الكويت” ليوسف شهاب). - ورقة قدمت في ندوة الثقافة والعلوم في احتفالها بيوم الكتاب العالمي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©