الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إعادة ترتيب الأدوار

إعادة ترتيب الأدوار
19 مايو 2010 19:58
ترى هل يبكي الرجال؟ ولماذا يخفون عواطفهم المتدفقة ومشاعرهم المرهفة؟. وهل الأمومة ورقّة أحاسيس المرأة لا تؤهلها لممارسة سلطة الرجل في العائلة؟. وهل هناك قوة كامنة وشجاعة تحت عباءات النساء؟ وهل هناك أمومة كامنة وحنو جميل في قلوب الرجال؟ تؤكد الباحثة السورية منيرة حيدر في كتابها “رجولة النساء وأمومة الرجال” أن الرجولة والأمومة يعبران عن التجليات الإنسانية في الأسرة والمجتمع، والتجاذبية الحية بينهما تشكل نسغ الحياة، فهي تبدي عدم موافقتها على مفهومي الذكورة والأنوثة إلا بالمعنى البيولوجي، لأن الروح الاجتماعية تجعل من الذكر والأنثى فردين اجتماعيين، لا يقيّمان من خلال ذكورة أحدهما وأنوثة الآخر، وإنما من خلال اجتماعيتهما، والأدوار التي يلعبانها في مجالات العمل والتفاعل والعطاء. الرجل أكثر من ذكر يجول كتاب حيدر ـ وهي إحدى ناشطات الحركة النسائية السورية ـ في عوالم ثلاثة، عالم المرأة وليس الأنثى وعالم الرجل وليس الذكر، وعالم المجتمع. وتعتقد أن الذكورة تضييق قاصر على فهم فردية الرجل، فالرجل في المجتمع أكثر من ذكر، وأكثر من توصيف بيولوجي، والأنوثة تضييق قاصر أيضاً على فهم فردية المرأة، لأنها في المجتمع أكثر من أنثى، وأكثر من توصيف بيولوجي. ولعل رفض مفهومي الذكورة والأنوثة، هي العتبة الأصل لفهم اجتماعية المرأة والرجل في آن معاً. فالاجتماعية تعني عطاء كل منهما، والأدوار التي يلعبانها في المجتمع. وتوصيف الرجل بالذكورة والمرأة بالأنوثة، يعني تجريدهما من المعرفة الاجتماعية التي اكتسباها طوال حياتهما، ونسب الأفعال والأعمال للذكورة والأنوثة، لا لاجتماعية الفرد، محاولة قيصرية لإعادة الفرد سواء كان رجلاً أو امرأة إلى التوصيف البيولوجي. وترى حيدر أنه رغم ما تحقق من منعطفات تاريخية وتحولات اجتماعية وثورات علمية، فإن هذه القضية تبقى معقدة وشائكة في ظروف لم تزل محكومة بتسلط الذهنية الذكورية، في أغلب بقاع الأرض، باستثناء الدول الاسكندنافية، حيث تشكل المرأة فيها مثلاً للثراء الحضاري، وحافزاً لتحقيق إنجازات في بلدان أخرى، ومنها القرار الذي اتخذته إسبانيا بتمثيل المرأة في مختلف مواقع سلطة القرار بنسبة 50%، وكذلك منح الرجل إجازة أمومة شأنه شأن المرأة تماماً!. شهرزاد معاصرة يقول الأديب والروائي الفلسطيني حسن حميد في تقديمه للكتاب: إن منيرة حيدر تلعب دور شهرزاد ألف ليلة وليلة، فتصرخ بملء الصوت، لكي تخرج المرأة من دائرة الأنوثة، فهي سجنها الضار بها، وشرنقتها المضروبة حولها، ودربها المغلق عليها، وسرها الذي تموت به!. فالأنوثة تقزيم لجوهر المرأة الاجتماعي، وشك في معطياتها الفكرية، وعدم ثقة في خطوها المستقبلي. لذلك فإن الكاتبة تؤكد أن الأنثوية جانب من جوانب المرأة/ الفرد، وروح تميزها عن روح الذكورة، ليس من أجل التنافر والتدابر والمواجهة، وإنما من أجل أن يكون للمجتمع ـ بوصفه نهراً للحياة ـ ضفتان، الأولى للمرأة المعطاءة والثانية للرجل المعطاء أيضاً. ومثلما هي الأنوثة نظرة قاصرة للمرأة/ الفرد، فإن الرجولة هي الأخرى نظرة قاصرة للرجل/ الفرد. ويتابع حميد: وهذا الفهم المعرفي لاجتماعية المرأة والرجل، هو جوهر الكتاب الذي يمضي في أجزائه الأخرى للحديث عن هذه الفكرة مدعمة بالشواهد والأمثلة والأفكار والحوادث التاريخية. وبذلك فإنه ينحو المنحى الفني الذي نحاه كتاب ألف ليلة وليلة، حين جعل من قصته الإطارية الأولى، رحماً ولوداً للقصص التالية عليها. الفرد الاجتماعي تشير الباحثة في كتابها إلى أن الفوارق تتلاشى بين دوري الرجل والمرأة الاجتماعيين، وتتماهى الروح البشرية من أجل النهوض بالمجتمع على كتفي الفرد الاجتماعي، سواء كان امرأة أم رجلاً، مطالبةً بتخليص المرأة من الأدوار الباهتة التي لعبتها من خلال سجنها في دوائر أنوثتها، فالفارق بين الرجل والمرأة هو فارق أيديولوجي وثقافي وتاريخي، قبل أن يكون فارقاً بيولوجياً، وتستشهد حيدر بمقولة البروفيسور (جوربا وسكي) المشرف على أحدث تجارب الثورة البيولوجية في معهد (جوستاف) في باريس: إن كل جنس يحمل في ذاته السمات الفيزيولوجية الضامرة للجنس الآخر، أي أن الرجل مؤنث تأنيثاً ضامراً وكامناً والعكس صحيح. كما تؤكد فلسفة علم النفس، أن الإنسان يملك المشاعر الإنسانية ذاتها، في جميع الأمكنة والأزمنة، وأن معايير الرجولة والأمومة هي بداهة محصلة الجينات الذكورية والأنثوية، وحدود التفاضل بينهما، بما يقوم به كل منهما من أدوار تمثل خلاصة أفعاله. وهذا يؤكد كما تقول الباحثة حيدر الفكرة الجوهرية القائلة باجتماعية كل منهما، ويمهد السبيل لتنقية النفس من تضخم (الأنا) التي تعبر عن أفكار المجتمع الذكوري. والقول بمسؤولية المرأة والرجل تجاه كل صغيرة وكبيرة في الحياة، وهي مسؤولية الوعي الاجتماعي الذي حاز عليه كل من المرأة والرجل، وليس ما أعطته السمات البيولوجية وحسب، فالعاطفة والمحبة والعطاء والحزن والفرح والرقة واللطف والجسارة والجرأة والخوف والقلق والطموح والتعاون والمشاركة والصبر والتضحية، كلها صفات مشتركة ما بين الرجل والمرأة، والفارق يتبدى فيما يفعله ويتصف ويتميز به أحدهما عن الآخر. تقدم وتخلف تشير الكاتبة إلى أن المجتمعات الإنسانية لم تزل عاجزة على اللحاق بالتقدم التكنولوجي الهائل، ومازالت تلهث خلفه، فالتخلف الإنساني عن مجاراة الثورة العلمية يزداد تفاقماً تحت الواقع الراهن لسيكولوجية الإنسان القاهر والمقهور. ولهذا ترى أنه من الضرورة وضع استراتيجية عربية وخطة تربوية، تكون صمام الأمان في الأسرة والمدرسة، وفي جميع مواقع صنع القرار. ولأن اللغة هي هوية الأمة، فإن الكاتبة تعطي أهمية كبيرة للغة العربية، وتعتقد أن تراجعها في عموم الوطن العربي لأسباب كثيرة، خلق عوائق كبيرة في مجالات التفاعل الإنساني ولغة الخطاب ووسائل التعبير، وانعكس ذلك على المرأة بشكل ملحوظ، فشيوع اللهجات المحلية والعامية واستئثارها بضمير المذكر، ألحق الحيف بالمرأة. فتهشمت أدوارها وتم التعالي عليها، فالخطاب الموجه إلى المرأة يترجم نظرة دونية لها، فيما أعطى للرجل مكانة مميزة. فالرجل هو: الأستاذ والباشا والأسطة وغير ذلك من التسميات، فيما المرأة هي (الحرمة)، وفي أحسن الأحوال (المدام أو الآنسة) في إشارة ضمنية إلى دورها البيولوجي وتبعيتها. كما أن اللغة الفصيحة نفسها، تغلب لغة الذكورة على الأنوثة، فيقال: ألف امرأة وطفل جاؤوا وليس جئن!. مع أن المعاجم العربية تؤنث الكثير من الكلمات التي تعتبر خاصة بالرجل، فمؤنت رجل هو رجلة، لكن هذه الكلمة وغيرها كثير محجوب عن التداول، وهي تدعو إلى استعادتها في قاموسنا اليومي. كما تدعو إلى تحقيق مبدأ المساواة في وسائل التعبير، من خلال حل القضايا النحوية العالقة، وكشف العوائق الكامنة والمتخفية في الاستخدامات الذكورية للغة، والعمل على اجتثاثها، وإرساء معايير تحمل مضامينها مقومات ثقافة المساواة بين الجنسيين، وذلك لتغيير الحالة الذهنية الراهنة، وللارتقاء الفكري في الأسرة والمدرسة والمجتمع. اختلاط الأدوار تطرح الباحثة موضوع العمل المنزلي، وترى أن الرجل الشرقي محكوم بالتقاليد المستبدة الناظمة لسلوكه، وهو ممزق بين الرؤية التقليدية وبين واقع الرؤية المعاصرة، فالمرأة خرجت إلى العمل جنباً إلى جنب مع الرجل، لكنها مازالت تقوم بالواجبات المنزلية، باعتبارها من اختصاصها، مما يضاعف أعباءها. ولهذا فهي تدعو إلى تبديد النظرة التقليدية المتوارثة وغير العادلة في توزيع الاختصاصات بين الجنسين في المنزل، والتي ترسخ التباين والفصل بينهما في الحياة داخل المجتمع. فالحياة العملية في المجتمع المعاصر لا تستدعي هذا الفصل في الأعمال، بل إن المشاركة في الواجبات أصبح أمراً واقعاً، ورفضه يعني أن المرء يعيش ضمن ثقافة ذكورية تجاوزها العصر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©