الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مقابسات «الساموراي» والظاهر بيبرس

مقابسات «الساموراي» والظاهر بيبرس
19 مايو 2010 19:59
ظلت الترجمة إلى العربية لفترة طويلة حبيسة اللغتين الإنجليزية والفرنسية وكان ذلك موضع انتقاد الكثيرين، فالانفتاح الإنساني والمعرفي يجب أن يكون على المعرفة كلها، ليس فقط المعرفة والإبداع في أوروبا والثقافة الغربية، فهناك الثقافات الشرقية كالهندية والصينية واليابانية، فضلاً عن الأفريقية وغيرها، وقد تكون جيل جديد من المترجمين عن مختلف اللغات، بفضل أقسام اللغات وكليات الألسن واللغات والترجمة. وصدرت مؤخراً الترجمة العربية عن اليابانية لسيرة الأمير يوشي تسونيه بعنوان “الساموراي العظيم” ترجمة د. أحمد فتحي أستاذ اللغة اليابانية وآدابها بجامعة القاهرة. سيرة الأمير يوشي واحدة من أشهر السير الشعبية اليابانية، يرويها رهبان بوذيون مكفوفون تصاحبهم آلات وترية، لذا فأصولها شفاهية، لكن تم تدوينها منذ زمن بعيد، ولعل هذا ما حفظها وصانها من الضياع خاصة أن الرواة أوشكوا على الانقراض، وبينما كان المترجم يدرس في طوكيو بحث عن بقاياهم ووجد عددا محدودا من كبار السن الذين يحفظونها. بطل هذه السيرة الأمير يوشي تسونيه وهو من أشهر محاربي الساموراي عبر التاريخ الياباني ولعب دورا مهما في تاريخ بلده خلال العصور الوسطى وعاش 32 عاماً، في النصف الثاني من القرن الثاني عشر ووجد والده وجده وأعمامه من محاربي الساموراي، الذين يعملون تحت امرة الأمراء الإقطاعيين لحمايتهم وحماية ممتلكاتهم، ففي العصور الوسطى لم يكن لدى اليابان جيش موحد بالمعنى المفهوم على مستوى الدولة، واليابان وقتها لم تكن بحاجة إلى جيش موحد مركزي، فلم تكن هناك صراعات تذكر مع شعوب أخرى، ولم يكن هناك تهديد بغزو خارجي كبير، فالتف حول كل حاكم إقطاعي عدد من محاربي الساموراي ينتمون إلى عائلة بعينها يعملون تحت إمرته. السيرة بها الكثير من الشعر الياباني التقليدي القصير تانكاو هايكو، وتظهر هذه الأشعار بكل خصائصها في معظم المواقف الدرامية بالسيرة، التي تكشف عن التقاليد الخاصة بالساموراي وأخلاقيات الروح العسكرية اليابانية، وعلاقة القائد بجنوده وطريقة تعامله مع أعدائه، وفلسفة الانتحار أو الاستشهاد الخاصة باليابانيين، ويمتد الأمر إلى التعرف على الأسلحة الخاصة التي كان يستخدمها الساموراي في ذلك الوقت، وملابس القتال وعدة الخيل، وهناك وصف مطول لكل هذه التفاصيل ولأخبار بعض المعارك وأساليب القتال. وتربط بعض الأساطير اليابانية بين “الساموراي العظيم” ومنطقتنا العربية والإسلامية، حيث تقول تلك الأساطير إن هذا البطل رحل من اليابان بعد فترة الى آسيا واستقر في بلاد المغول ليصير إمبراطوراً عليهم وأنه هو نفسه “جنكيز خان”، ويبدو أن هذا الأمر صعب التصديق، فما نعرفه عن جنكيز انه كان متوحشا محبا لسفك الدماء والتدمير لذاته، أي أنه كان مجرداً من نوازع الخير النبيلة التي تحاول السيرة تقديمها للساموراي الأعظم لكن ذلك يدعونا إلى التعرف عليها وقراءتها. ويحاول المترجم في تقديمه أن يعقد مقارنة بين السيرة اليابانية والسيرة العربية، فيجد ان السيرة اليابانية تحتفي بالبطل المهزوم وان كان نبيلا، لكنه لا يمكنه الحفاظ على انتصاره للنهاية، بينما السيرة العربية مثل الهلالية والظاهر بيبرس تختلف، فقد ظهرت في فترة حرجة من تاريخ الدولة العربية الإسلامية، واجهت خلالها غزوات وعدوانا أجنبياً هدد وجودها، مثل الحملات الصليبية المتتابعة وغزوات المغول، مما جعل هذه السير الشعبية تركز على البطل العربي القوي الذي يمكنه أن يقف في مواجهة التحديات الخارجية ويواصل النصر تلو النصر في استجابة حتمية لرغبات مستمع السيرة وعامة الناس المنتظرين لظهور البطل الذي يقودهم إلى الانتصار ويحميهم من الأعداء ويحافظ على مصير الأمة، ومن ثم لم يكن هناك مجال للتغني ببطل مهزوم مثير لشفقتهم. فارق آخر بين السيرة اليابانية وقرينتها العربية، يكمن في أن الأولى كتبت بلغة رصينة، لذا كان من السهل كتابتها وتدوينها، بينما السيرة العربية كانت تغالي في الإسهاب، أمام جمهور من الأميين في معظم الأحوال، لذا كانت السيرة تقال بلغة عامية، دارجة إلى أقصى حد، وتستعمل كلمات لا ترقى إلى اللغة الرصينة مما أخر تدوينها ولم يتم الاعتراف بها إلا مؤخراً في الدراسات والأبحاث، والمؤسسات الرسمية، وربما يفسر ذلك أن جمهور السيرة في اليابان الآن هم من أساتذة الجامعة بينما الجمهور عندنا معظمهم من العوام. وهناك أوجه شبه بين سيرة الأمير يوشي وسيرة الظاهر بيبرس، تحديداً، الأولى كانت تروى في معبد “جوجوه تينجين” والثانية كانت تروى بجوار مسجد السيدة زينب بالقاهرة، وهذا الاختيار كان مقصودا، فالمعبد وكذلك المسجد جمهورهما كبير ومتسع، وهو مكان عامر يمكن أن يقصده الجميع بلا أي حرج، وهي تؤثر على الناس ـ خاصة ـ عند رواية سير المعارك ووقائع القتال والحروب. وجه شبه آخر بين السيرتين أن السيرة عموما في اليابان وفي العالم العربي لا تركز على قصة حياة شخص وكأنها سيرة ذاتية له، لكنها تتنوع هنا وهناك، بينما سيرة الساموراي وسيرة الظاهر تركز كل منهما على حياة بطلها، من الميلاد إلى الوفاة. ويضيف المترجم وجه شبه آخر هو تلك العلاقة الحميمة والرائعة بين السيد والمسود، أو البطل وتابعه المخلص الأمين. عندنا تلك العلاقة بين الملك الظاهر بيبرس وتابعه عثمان بن الحبل السايس وكذلك علاقة الأمير يوشي وتابعه “بنكي” ويتفق الظاهر ويوشي في أن كل منهما كان قوي الجسم والبنية، لا يغلبه أحد، وكل منهما لا يحب الضعف ولا يحترمه ويقابل كل منهما صبيا ضعيفا ضعيف البنية ولا يقدر على القتال، لكن ذلك الصبي ذا الطلعة البهية والوجه الآسر يؤثر على البطل القوي، فيأخذ البطل القوي ذلك الضعيف حليفا أو تابعا أمينا، يكون بمثابة ذراعه اليمنى، يثق به ويعتمد عليه في كل كبيرة وصغيرة ويصبح مخزن أسراره والعلاقة هنا فيها الصدق والإخلاص، أكثر منها علاقة تابع بمتبوع. الفارق الأكبر بين سيرة الساموراي وسيرة الظاهر بيبرس، يكمن في نوعية العدو، في الحالة اليابانية كان الصراع أهلياً، وهناك حروب أهلية وصراعات داخلية، ومن ثم فالمنتصر والمنهزم ياباني، ولن يترتب على المعركة احتلال لليابان أو تهديد لها، لذا لم يكن الجمهور معنيا بضرورة الانتصار، أما في حالتنا فالعدو غالبا أجنبي، والهزيمة للبطل تعني ضياع الأمة واحتلال الوطن، لذا لم يكن الجمهور مستعدا لفكرة الهزيمة أو قبولها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©