السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الهند··· واستحقاقات الالتزام الأفغاني

الهند··· واستحقاقات الالتزام الأفغاني
9 يوليو 2008 23:23
جاء التفجير الانتحاري الذي هز السفارة الهندية في العاصمة الأفغانية كابول، يوم الاثنين الماضي، ليشكل أحد آخر وأخطر الهجمات على المصالح الهندية، حيث خصصت نيودلهي منذ مشاركتها في إسقاط نظام ''طالبان'' في عام 2001 أكبر حزمة إعانات خارجية في تاريخها لأفغانستان· فقد ضخت الهند مبالغ مالية غير مسبوقة وأرسلت عمالها للمساهمة في عملية إعادة الإعمار بذلك البلد الذي يعتبر ممراً حيويّاً إلى آسيا الوسطى الغنية بالموارد الطبيعية· وفي هذا السياق أنفقـــت نيودلهـــي أكثر من 750 مليون دولار في بناء طريق استراتيجي يمر بالمناطق الجنوبية الغربية للبلاد، كما قامت بتدريب المدرسين والموظفين الحكوميين، وعملت على تشييد مقر جديد للبرلمان الوطني في أفغانستان· وقد كلف هذا الانخراط في جهود إعادة الإعمار الهند أموالاً كبيرة، كما تطلب منها إرسال أربعــــة آلاف من مواطنيها للعمل في شتى المشاريع التي تسهــــر على إنجازها بأفغانستان· لكن الانخراط الإيجابي الهندي هذا لم يمر دون تكاليف في الأرواح، حيث وُجد قبل سنتين ونصف أحد السائقين الهنود مذبوحاً على قارعة الطريق، كما تم خطف مهندس هندي ليعثر على جثته لاحقاً، فضلاً عن مقتل سبعة أفراد من القوات شبه العسكرية التي تحرس فرق إعادة الإعمار الهندية· وفي السنة الماضية لوحدها تعرضت منظمة تنموية هندية عاملة في مجال تأهيل وشق الطرق بأفغانستان لأكثر من ثلاثين هجوماً بالقذائف أثناء شقها لطريق تمتد على طول 124 ميلاً وتعبر محافظة ''نيمروز''، حيث ستربط أفغانستان، التي تفتقد واجهة بحرية، بأحد الموانئ الإيرانية· ويبدو أن تفجير السفارة الهندية في كابول يوم الاثنين الماضي هو الأعنف والأشد دموية مقارنة بجميع الهجمات السابقة، حيث فجر انتحاري نفسه بالقرب من مدخل السفارة في الوقت الذي كان فيه دبلوماسيان هنديان يهمان بالدخول إلى المقر خلال ساعات الصباح الأولى، وهو ما حوَّل السفارة إلى كومة من الأنقاض والدماء· وقد لقي أربعة هنـــود حتفهم في الحـــادث بمن فيهــــم الدبلوماسيان، فضـــلاً عن 41 قتيلاً أفغانيـــاً ممن جاء معظمهم إلى السفارة لأغراض مختلفـــة مثل الحصول على التأشيرات وغيرها· وإذا كان العالم قد رأى في التفجير الانتحاري حلقة أخرى في سلسلة أعمال العنف التي ينفذها المسلحون في أفغانستان، والرامية إلى زعزعة استقرار حكومة الرئيس ''حامد قرضاي'' المدعومة من قبل الولايات المتحدة، فإن الهند من جانبها فهمت الرسالة بشكل واضح على أنها محاولة لدفعها إلى الخروج وبسرعة من أفغانستان· ويعلق على ذلك ''لتيت مانسينج''، وهو دبلوماسي هندي متقاعد خدم في كابول خلال السبعينيات قائلاً: ''إن هذا التفجير هو بمثابة إعلان يقول للهند إما أن تخرجي من أفغانستان، وإلا فستكونين عرضة للاستهداف''· لكن رئيس الوزراء الهندي ''مانموهان سينج'' حرص وهو يندد بالهجوم على أن يؤكد بوضوح أن الهند لن تترك أفغانستان، وأن التزام نيودلهي سيستمر كما كان دون تأثر· وليس غريباً أن تسارع بعض الأطراف الهندية إلى تحميل باكستان المسؤولية، وأن تنفي هذه الأخيرة، بنفس السرعة، أي علاقة لها بالتفجير· غير أن الحادثة الأخيرة، وبعيداً عن تبادل الاتهامات، أطلقت نقاشاً سياسيّاً على قدر كبير من الحيوية في نيودلهي، أولاً حول ما إذا كان يتعين على الهند دعم جهودها في إعادة الإعمار بوضع جنود على الأرض، وما إذا كانت باكستان وحلفاؤها في واشنطن سيسمحون للهند بلعب دور عسكري مهم في أفغانستان· فقد عبرت باكستان دائماً عن انزعاجها من اختراق الهند لأفغانستان وإقامتها لخمس بعثات قنصلية، فضلاً عن قاعدة جوية في طاجيكستان على الحدود الشمالية· وفي هذا السياق يقول ''رجا موهان''، المحلل الهندي في شؤون السياسة الخارجية، إن الوقت قد حان لكي تتجاوز الهند وباكستان تنافسهما التقليدي، وتبلورا استراتيجية مشتركة لمواجهة المتطرفين الذين ينشطون على الحدود الباكستانية- الأفغانية، معتبراً أن مثل هذه الاستراتيجية ستخدم مصلحة البلدين معاً· ويوضح ذلك بقوله: ''مهما كانت مشاكلنا مع باكستان، فإنها كانت تشكل منطقة عازلة بين الهند والمناطق المضطربة، لكن الاضطراب انتقل اليوم إلى باكستان نفسها، بحيث باتت باكستان وأفغانستان معاً في حاجة ماسة إلى الاستقرار''· والأكثر من ذلك أن الهجوم على السفارة الهندية أثار نقاشاً قديماً حول ما إذا كان على الهند استعراض عضلاتها العسكرية في المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة لها، وذلك تماشياً مع قوتها الاقتصادية الصاعدة· فقد حاولت الولايات المتحدة على سبيل المثال الضغط على الهند لإرسال جنودها إلى العراق، واستخدام نفوذها في ميانمار لإرساء الديمقراطية، لكن نيودلهي رفضت كلا الطلبين· وحاولت سريلانكا إقناع الهند بالتوسط في حربها الأهلية الإثنية الطويلة، إلا أنها رفضت الاستمرار في الانخراط في التزام كهذا، بعد تدخلها الفاشل قبل عشرين عاماً· إلى ذلك دعت الصحف الهندية في افتتاحياتها، يـــوم الثلاثــــاء الماضي وبعـــــد يوم واحـــد على استهداف السفارة الهندية الحكومــة إلى عدم الإذعان للتهديدات الجديدة في أفغانستان· وفي هذا الإطار كتبت ''ذي إنديان إكسبريس'' في افتتاحيتها: ''في الوقت الذي تبكي فيه الهند دبلوماسييها اللذين قتلا في كابول، فإن عليها الاستعداد لتحمل العبء الناشئ عن وزنها العالمي المتصاعد''، مضيفة: ''إن الهند لا تستطيع الاستمرار في توسيع نشاطاتها الاقتصادية والدبلوماسية في أفغانستان دون أن تصاحب ذلك زيادة في التواجد العسكري هناك''· ويبدو أن أفغانستان تحولت إلى اختبار يمتحن قدرة الهند واستعدادها لاستخدام قوتها الصلبة لدعم وتعزيز مصالحها الاستراتيجية والتجاريـــة وقوتهـــــــــا الناعمــــة في المنطقة· سوميني سينجوبتا- نيودلهي ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©