الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثنائيات الخيبة

ثنائيات الخيبة
19 مايو 2010 20:07
عن دار الفارابي، صدر كتاب جديد بعنوان “في وادي الوطن” للمؤلف حبيب صادق، يقول فيه: جاء في كتاب أمثال العرب البليغة الدلالة، مثل سيّار هو: “كصائح في واد ونافخ في رماد”. هذا المثل العربي المعبّر كان يضرب، ولمّا يزل، في معرض الحديث عن “الخيبة المريرة” التي تصيب المرء في معركة الحياة، الخاصة والعامة، الحافلة بصنوف الثنائيات المتناقضة: الأمل والخيبة، النجاح والفشل، التمني والإحباط، التقدم والتراجع الخ. ومن شأن هذه الثنائيات أن تصيب الفرد كما تصيب الجماعة بخيرها أوشرها. ولعلّ أثرها المكروه أشد ما يكون إيلاماً وأفدح ما يكون إصابة إذا نزل بالعام جماعةً وليس بالخاص فرداً. ذلك لأن الفرد مهما نأى بنفسه عن الجماعة، فهو محكوم بالوقوع في المكروه الذي يصيبها، على هذا النحو أو ذاك، فكيف به إذا كان من أولئك الأفراد الذين لا يحققون وجودهم، في الحياة، إلا في قلب الجماعة أو، بتعبير آخر، لا يجدون معنى لحياتهم الخاصة، بل لا يجدون مبرراً لهذه الحياة الخاصة إلا إذا التحمت، التحاماً عضوياً، في نسيج الحياة العامة وكانت نبضاً في حركتها المحتدمة ليل نهار. الخاص والعام يعرض المؤلف في كتابه هذا كيف أنه انتسب، اختيارياً، منذ ولادة وعيه النقدي، إلى تلك الأسرة التي تؤثر العام على الخاص سواء في توجهها الفكري والوجداني أم في ممارستها العملية، وذلك في حدود الممكن والاستطاعة ليس أبعد. وقد تجلّى توجهه الفكري والوجداني في ضروب من القول متنوعة تتراوح بين صيغتي القول المنبري أو القول الكتابي. أما ممارسته العملية فقد تعددت المجالات التي استضافتها، بهذا القدر أوذاك من السعة، فجاءت الممارسات كلها وقفاً، في شتى المراحل، على هموم عامة تمحورت، في شتى الأشكال، حول القضايا الوطنية القومية والاجتماعية والسياسية والثقافية. ولئن كان من المتعذّر عليه، أن يقف، ويستوقف، على جملة مواضيع القول المتنوعة التي في وسعه أن يعالجها، بما تيسر لديّه من قدرة متواضعة، فرأى، هنا، محمولاً على الاكتفاء بالوقوف على ضفاف صيغة القول الكتابي أو المكتوب فلم يتعداها إلى غيرها، مع التقيد بمدى زمني محدد لا يتجاوز مدى العقد الواحد، المتراوحة سنواته العشر بين تخوم العام 1995 وتخوم العام 2005 ليس غير. ففي خضم هذا العقد تكاثرت الأحداث، وتعاظم شأنها وخطرها على الصعد المحلية والإقليمية والدولية، كما هو معروف لدى كل من تسعفه الذاكرة على استحضار صور تلك الأحداث، كما يقول واستعادة أصداء تداعياتها المتلاحقة. وحيال ذلك، كان من لزوم ما يلزم، أن تسارع الأسرة الفكرية والسياسية، التي انتسب إليها اختياراً، إلى اتخاذ مواقفها في ميدان العمل الوطني العام، وهكذا وجد يسارع إلى اتخاذ موقعه جنباً إلى جنب مع أفراد الأسرة. واقتناعاً بأهمية العمل المنظم والمنهج وبجدواه الفاعلة، بادر إلى مفاتحة لفيف مختار من أفراد الأسرة برأي يرمي إلى بلورة صيغة تنظيمية جديدة لعمل وطني جبهوي غير حزبي، إنما يرحب بمشاركة المنضوين إلى الأحزاب الوطنية التقدمية، وما إن اكتمل نصاب التوافق، بين أفراد اللفيف المختار، حتى أنتج الجهد المشترك صيغة “الحركة الشعبية الديمقراطية” التي أطلقوها في المؤتمر التأسيسي الذي عقدوه في 2/11/1997، وسرعان ما لاقت ترحيباً واسعاً في الأوساط الاجتماعية والسياسية والثقافية. إنما وبحسب قوله أيضاً هذا الترحيب، وإن أسعدهم، إلا أنه لم يحقق طموحهم في أن يتسع نطاق الحركة عابراً حدود مناطق الوطن ومكونات المجتمع، ولعل هذا الطموح قد تحقق بعدها في حركة “المنبر الديمقراطي” التي انطلقت من بيت “المجلس الثقافي للبنان الجنوبي” في بيروت، وذلك في أواسط عام 2001، وما أسرع أن استوى المنبر على مقام الثقة العامة به والانضواء إليه باعتباره مساحة مترامية الأبعاد تتحرك على أديمها، بمشيئتها الحرة، إرادات وطنية ديمقراطية متنوعة الانتماءات الفكرية والعقيدية. الكلام والصمت بإيقاع سريع ومنضبط، مضى المنبر قدماً في سبيله إلى غايته المرسومة، منطلقاً بقوة دفع جماعية منسقة تظافرت، على توليدها، مكونات كافة، على تعددها وتنوعها، ما أهله إلى بلوغ مستوى متقدم مشهود له، على ساحة العمل السياسي الديمقراطي في لبنان، من موقع المعارضة الوطنية، المتحررة من أغلال الطائفية والمذهبية والجبهوية. وعلى مدى أربعة أعوام ونيف، استمر المنبر الديمقراطي ماضياً في سبيله متماسك البنية موحد الهدف، واضح الرؤية، مستقيم النهج، وقد أصدر الكثير من الوثائق والبيانات، إلى أن عصفت به رياح التحالف الرباعي العاتية، إبان الانتخابات النيابية التي جرت عام 2005، فتصدّع بنيانه وضعفت قوته، وذلك بخروج مكونات أساسية منه، والتحاقها، فوراً في تحالف انتخابي هجين جمع الأضداد سياسياً، ضاربة، بعرض الحائط، كل ما أجمع عليه المؤسسون الأوائل للمنبر، من مبادئ وأهداف ونهج عمل وخطاب سياسي واتفاق على خوض معركة الانتخابات صفاً واحداً... وكان من شأن ذلك أن دفع، من تبقى أميناً على العهد من أوائل المؤسسين، إلى تجميد عمل المنبر فوراً، في حين دفعه، الى اتخاذ قرار حاسم بالانقطاع التام عن مقاربة السياسة، بمفهومها السائد في لبنان، قولاً وعملاً. وها هو اليوم كما يقول المؤلف، يعود إلى مقاربة الكلام، عقب سنوات أربع من الصمت المطبق الذي التزم به اختياراً، ولكن يجري هذا الأمر في مجرى الخروج عن حدود ذلك الالتزام بل يجري، من حيث الفعل الزمني، في مجرى تواريخ ميلاده إلى عقد من الزمن يتراوح بين عامي 1995 و2005. ويعود فيعرض لماذا عاد أدراجه، في شأن الكلام إلى تلك الحقبة الحافلة بالأحداث، وكيف عاد إليها بعد انقطاع مديد، فالأمر يستدعي بعض التفصيل التوضيحي. يقول إنه لا يدعي، مطلقاً في مستهل هذا التوضيح، أن كثرة أو قلة من أقاربه والأصدقاء قد زينت له العودة إلى الكتابة، بخلاف ما ألزم به نفسه، بل الأمر يعود إلى ما رآه مجرد ممارسة آلية ترمي إلى جمع ما كتبه في الصحف والمجلات من مقالات ودراسات وما ألقاه، من على المنابر الثقافية، من محاضرات وخطابات. وذلك من باب محافظته على ثمار تلك الجهود التي بذلها في حقل الكتابة السياسية، والثقافية، تعبيراً عن رأيه الشخصي في شؤون البلد وشجونه في تلك الحقبة المحددة المكتظة بالأحداث والمتغيرات على الصعد المحلية والإقليمية والدولية. ويعود ويشرح ما دعاه إلى الانصراف، إلى جمع ما كتبه وما ألقاه، خلال الحقبة الزمنية المتراوحة بين عامي 1995 و2005، هو ما طالعه من كمّ، ليس بالقليل، من أوراقه الخاصة المطوية في أدراج مكتبه، حتى ضاق بها، وقد بدأ التآكل يتسلّل إلى أطرافها ويهدد متونها بالتلف، فعزّ عليه ذلك وحمله على محاولة إنقاذها، ليس لكونها ذات وزن ثقيل في ميزان القيمة الأدبية والثقافية بل لكونها تمثّله، رأياً وموقفاً، من تلك الأحداث والمتغيرات والتحديات التي حفلت بها تلك الحقبة، بسنواتها العشر، من تاريخ لبنان المعاصر. إذاً، فالداعي الذي دفعه إلى العودة هو قرار محض ذاتي كما يقول يغلب عليه مزيج مركب من الانفعالات الوجدانية والاستجابات البيانية للزوميات التعبير عن الموقف من التطورات والانتكاسات التي وقعت في حدود الحقبة اللبنانية المشار إليها سابقاً ليس غير. نرى بين دفتي هذا الكتاب نصوصا توزعت على خمسة فصول، هي: الفصل الأول في الثقافة وفي أهلها وهيئاتها الفاعلة، المثقفون ومنابر السلطان، حركة الواقع الاجتماعي اللبناني في النص الإبداعي، حرية الإعلام في لبنان وهل من دور للثقافة والمثقفين في تطوير المجتمع وإقامة الدولة الحديثة... وفصل ثان: في السياسة الراهنة وتلاوينها المختلفة، العلاقات اللبنانية السورية، التسلح بحق الفيتو الطائفي، لا للحرب الأهلية نعم للسلم الأهلي، لا للدولة الأمنية، بيروت انتفاضة الوطن... وفصل ثالث: في العدوان الإسرائيلي وسبل مواجهته، سؤال ما بعد التحرير... وفصل رابع: في الطائفية وسبل مقاربتها، وفصل خامس وأخير: في الانتخابات النيابية: قانوناً وتطبيقاً وتداعيات، نظام انتخابي على مقاس الشعب. قراءة شخصية نعود ونعرض بعضا من مضامين فصول هذا الكتاب، التي تفصح، عن قراءة المؤلف الشخصية لطبيعة تلك المرحلة الزمنية وتجلياتها، في مخاضات الأحداث وعصف المتغيرات والتداعيات، وذلك منظوراً إليها من زاوية رؤيته التي لا يدعّي لها الصواب، في المطلق، بل هي تخضع لقانون النسبية الذي يتسع، في أحكامه، للقبول بالخطأ والصواب في ما يصدر، سواءً عن الفرد أم الجماعة، من قول أو فعل، في حيّزين محددين من الزمان والمكان. يقول إن ما جاء في هذا الكتاب ليس غير ما يشبه المرآة التي عكست، بهذه الصورة أو تلك من الوضوح والدقة، ما كان عليه من قدرة، تحليلية واستنتاجية وبيانية، على قراءة ما يجري حوله من تطورات وارتدادات عاصفة في لبنان، خلال تلك المرحلة التي كانت مشحونة بديناميات جدل الداخل والخارج العالية التوتر إلى حدوده القصوى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©