الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مدارس وأساليب لعشرات التشكيليين السوريين في دبي

مدارس وأساليب لعشرات التشكيليين السوريين في دبي
9 يوليو 2008 23:38
شهدت دبي في الأسابيع الأخيرة حضورا كثيفا للتشكيل السوري الحديث والمعاصر، وذلك من خلال معرضين كبيرين أقيما في صالتين من صالات الفن في دبي، حيث افتتح في يوم واحد معرض لتسعة من كبار الفنانين السوريين في صالة بوزار، ومعرض آخر في أيام غاليري ضم أعمال خمسة وعشرين فنانا من ذوي التجارب البارزة والمميزة في سوريا وفي الوطن العربي· الأعمال التي ضمها المعرضان تمثل أساليب ومدارس متعددة يجسدها هؤلاء الرواد· فقد ضم المعرض الذي حمل عنوان ''الحداثة السورية: 9 رواد''، أعمالا لكل من فاتح المدرس ولؤي كيالي ومحمود حماد ونذير نبعة ومروان قصاب باشي وإلياس زيات وأدهم إسماعيل ونعيم إسماعيل· وضم المعرض الآخر أجيالا من الفنانين تحت يافطة الفن المعاصر في سورية· يكتب الناقد بدر الدين عرودكي في تقديم معرض التسعة ملخصا المشهد ''لا يمكن لأي ناقد فني إلا أن يتعرف على تكوينات محمود حماد وأدهم إسماعيل ونصير شورى ونعيم إسماعيل ونذير نبعة على الفنان السوري في كل ملامحه ولا سيما في عمق خصوصيته التي تتجلى في الصلة شبه الدموية بالأرض والبيئة وبهم الإنسان فيها، وقد جسد لؤي كيالي الذي مضى في قمة شبابه رمزا لفنان يصير فنه قضيته وقضيته هي فنه·· وإذا كان مروان قصاب باشي يقدم المثل على مقام التصوف، فنذير نبعة في تجلياته يجسد المقام نفسه منذ الستينات· ويكتب الناقد طارق الشريف مقسما مراحل الفن التشكيلي السوري إلى مراحل ثلاث هي: فترة الحكم العثماني (1900 ـ 1918)، فترة الانتداب الفرنسي (1920 ـ 1946)، وفترة الاستقلال (1947 ـ 1956)، ثم يتوقف عند كل من الفنانين المشاركين في معرض بوزار، لينتهي إلى أن الفن التشكيلي في سورية بدأ طبيعيا وانطباعيا قبل أن يتأثر بالفن الغربي ''المستورد''· من تجارب الرواد أقدم التجارب التي قدمتها الصالتان هي تجربة الرائد نصير شورى (1920 ـ 1992) الذي عرضت له بوزار أربعة من أقدم أعماله، حيث كان قد بدأ انطباعيا وانتهى تجريديا كما يبدو في أعماله المعروضة، فمن الطبيعة إلى تجريد المرأة وتشكيلها على نحو مغاير للواقع، تبدو لوحة شورى معنية بمجموعة عناصر لونية وتكوينية، إضافة إلى عنصري الخيال والذاكرة في هذه اللوحة التي تمزج الواقع بالخيال على نحو يقارب الفانتازيا واستلهام الموروث، ضمن تجربة لونية متميزة· اللافت في معرض ''التسعة'' جدار كامل يحمل تسعة وتسعين وجها تجتمع كلها لتصنع لوحة واحدة، وهي تجربة مروان قصاب باشي الذي يقدم هنا تجربة من خلال الحفر على النحاس، حيث يصور تفاصيل الوجوه التي تختلف من وجه إلى آخر· ويحضر فاتح المدرس من خلال خمس لوحات تجمع الواقعية والتعبيرية، حيث يجري اختزال الإنسان إلى مجرد تكوين شكلي صغير· أما الوجوه فهي تمتلك قدرة عالية على التعبير عن زمنها ومعاناتها عبر رموز وعلامات مختلفة· وتجتمع في لوحة المدرس عناصر التراث والحداثة بطريقة تمنح لوحته خصوصيتها· لؤي كيالي (1934 ـ 1978) تمثله في المعرض لوحة واحدة لامرأة ذات حضور تعبيري ولوني قوي، حيث اللون والضوء والمشهد هي ما يجسد الحضور الفني للمرأة· ويحضر الفنان إلياس زيات في لوحتين من الحبر والماء على الورق تجسدان المرأة في حال من العنف اللوني والتكويني الذي يشبه العاصفة· أما نذير نبعة فيواصل مرحلة ''التجليات'' التي كان بدأها في مطلع التسعينات، وتتمثل هنا في ثلاث لوحات تحمل عناوين جدارية، وتتمثل تجربة محمود حماد في المعرض بلوحة واحدة تجريدية تعود إلى العام 1980 أي قبل رحيله بسبع سنوات· فيما تتمثل تجربة أدهم إسماعيل في ثلاث لوحات تعود إلى مرحلة الخمسينات التي تختزل عمله واستلهامه للتراث في الوقت الذي يستخدم فيه أعلى طاقات الحداثة التي درسها في إيطاليا· ويحضر شقيقه نعيم إسماعيل (1930 ـ 1979) في ثلاثة أعمال أيضا يستحضر الماضي بقدر ما يشتغل على الواقع، ويركز على أسواق دمشق وحاراتها القديمة، كما تبرز في عمله الزخارف العربية الإسلامية· في أيام غاليري في أروقة أيام غاليري التي تمتد على مساحة تصل إلى 800 متر مربع، ثمة 80 لوحة وعملاً فنياً تصل قيمتها الإجمالية إلى 20 مليون درهم· وهذه الصالة هي فرع للصالة الرئيسة في دمشق أطلقت في دمشق التي جرى تأسيسها عام 2006 بهدف الترويج لأفضل إبداعات الفن السوري الحديث والمعاصر في العالم من خلال تمثيل عدد من أبرز الفنانين السوريين المعروفين والناشئين، ويأتي تأسيسها في دبي بعد أن أدرك القائمون عليها المكانة التي تتمتع بها الإمارات في مجال الفنون، واستقطابها لكبرى دور المزادات العالمية، وبعد أن حققت المعارض والمزادات التي نظمت فيها نجاحاً كبيراً· وإلى التجارب السورية المهمة من جيل الرواد، يستضيف ''أيام غاليري'' ضمن مجموعته الخاصة الفنانة الفلسطينية سامية الحلبي (1937)، التي تحاول أن تعمل دائماً في مجال الرسم الحركي من خلال البقع والخطوط وحركتها المتعاكسة لكي تشعر المتلقي بحركة الأشياء رغم صمتها مستفيدة من العلاقات الهندسية للشكل واللون ضمن بعد ثابت لإطار اللوحة ومعالجتها ضمن الأبعاد الثلاثية أيضاً بلغة تجريدية تسعى من خلاله إلى المزيد من البحث والتجريب وصولا إلى التعبير الأفضل ذاتيا وتشكيليا مستفيدة من ذاكرتها التراكمية البصرية· وإضافة إلى سامية وبعض التجارب التي ضمها المعرض الأول، فقد عرض ''أيام'' أعمالا لتجارب بارزة مثل يوسف عبدلكي، الخطاط منير الشعراني، الفنان والناقد أسعد عرابي، صفوان داحول، يوسف دويك، أسماء فيومي، عمر حمدي، ثائر هلال، عبد الله مراد، مطيع مراد، ليلى نصير، وغيرهم· عبدلكي المعروف بعمله الكاريكاتوري الساخر لا يغادر سخريته السوداء، لكن هذه السخرية هنا تقارب العمل الفانتازي في تصوير الحذاء والسمكة· أما ثائر هلال فيواصل تدشين لوحته ذات الثيمات الصغيرة التي تتكرر عشرات المرات خالقة إيقاعا موسيقيا ولونيا يحتاج الكثير من التأمل والبحث عن علاقات تلك المفردات ببعضها، وعلاقة الجزء بالكل· ويقدم صفوان داحول وجوها حالمة تتكور على كرسي حينا وتحاول التحليق حينا آخر· ويشارك أسعد عرابي بأعمال واقعية تقدم الحارة الدمشقية القديمة ببيوتها وسكانها البؤساء· ويتابع الخطاط منير الشعراني أسلوبه في استخدام حرفي الألف واللام خصوصا وتوظيف جمالياتهما في تشكيل عمل بصري تشكيلي بالأسود وعلاقته مع المساحة البيضاء التي تتخلله، مع ما يقيمه في لوحته من أقواس هي من علامات الفن الإسلامي الكلاسيكي· خلاصات أولية المعرضان يقدمان نماذج بارزة لأشكال وتيارات من الفن التشكيلي الحديث والمعاصر في سورية، وفضاءات واسعة من التجارب المتنوعة، ونماذج للفنانين السوريين الذين تطورت تجاربهم خلال القرن العشرين، وحملوا هذه التجارب همومهم عبر حساسية خاصة بالبيئة التي نشأ فيها الفنان· خصوصا في ما يتعلق بالطبيعة الصامتة التي لم تكن تعبيرا عن جمال خارجي قدر ما هي تجليات تعكس روح الأشياء وصيرورتها، وتعبر، في الوقت نفسه، عن أعماق الفنان، وما يعتمل في هذه الأعماق من أشواق وذكريات وألم من جهة، وأحلام وطموحات من جهة ثانية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©