الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«المخبر الاقتصادي» فن تبسيط القضايا الاقتصادية

«المخبر الاقتصادي» فن تبسيط القضايا الاقتصادية
9 سبتمبر 2009 00:09
تنبع أهمية كتاب «المخبر الاقتصادي» لمؤلفه تيم هارفورد، من كون مؤلفه قبل أن يشرع في تأليف كتابه عمد إلى الإلمام بواقع الاقتصاد العالمي عن قرب من خلال استعانته بالكفاءات والخبرات الموجودة لدى مؤسسات اقتصادية كبرى تعد بدورها رموزا للاقتصاد العالمي، و لها إسهاماتها المباشرة وغير المباشرة التي تلقي بتأثيرها على مقدرات ذلك الاقتصاد، ومن هذه المؤسسات البنك الدولي، شركة شل، جريدة فاينانشيال تايمز. ألغاز ورموز يسعى هارفورد من وراء هذا الكتاب إلى مساعدة الأفراد العاديين على رؤية العالم مثلما يراه الخبير الاقتصادي متناولاً قضايا اقتصادية مهمة نقابلها في حياتنا اليومية ولكنها مليئة بالألغاز، محاولا مساعدة القارئ على فك رموز تلك الألغاز. وهو يفعل ذلك من منظور مبسط وميسر مما يجعل علم الاقتصاد سهلا ومستساغا بالنسبة للكثيرين، بحيث يرى القارئ المسائل الاقتصادية في نهاية الأمر بعين المخبر الاقتصادي لا عين الإنسان العادي، حيث يعمد تيم هارفورد في بداية الكتاب طرح سؤال مبسط: من يدفع ثمن قهوتك؟ ومن خلال إجابته على السؤال وشرحه للكيفية التي تُدار بها كبريات المحال في العالم، ضاربا المثل بشركة كبرى لإدارة المقاهي على مستوى العالم. يعرف القارئ كيف يتم تحديد سعر المشروب، ولماذا تنجح بعض المقاهي ويفشل البعض الآخر، كما يعرف القارئ أيضا كم العمليات التي تتم قبيل وصول مشروب القهوة بهذا الشكل السلس والممتع وهو يحتسيه في أحد شوارع المدينة الكبرى التي يقطنها. قوة الندرة من ذلك يدلف هارفورد إلى الحديث عن قضايا الندرة والحدية لافتا إلى أن «الندرة هي أهم مصادر القوة التفاوضية وكلما كانت السلعة أو الموارد أكثر ندرة كلما كان حائزها أقدر على التفاوض وإجبار الطرف الآخر على السعر الذي يريده». كما يتناول الحدية قائلا: إن حدية السلع أو الموارد نسبية، ما قد يكون حديا اليوم، قد يكون أكثر جاذبية غدا سواء للبائع أو المشتري، والحدية هنا يقصد بها تساوي الفوائد التي تعود من استغلال مورد ما مع سلبيات عدم استخدام ذلك المورد. ويتناول واحدة من أهم المشكلات التي تواجه الفرد كي يكون مخبرا اقتصاديا وعالما ببواطن الأمور، فيقول إن تلك المشكلة تنحصر في كيفية التفرقة بين السلع باهظة الثمن بسبب قدرتها الطبيعية وبين السلع باهظة الثمن بسبب أسباب مصطنعة مثل التشريعات أو اللوائح أو الخداع؟ خاصة وأن كثير من الصحف تتحدث عن الأرباح التي تجنيها الشركات وكأنها تعتبر هذه الأرباح علامة على أنها تغش المستهلك. يقول: «إن هذه الصحف ليست محقة دائما لأن هناك سببين دائما ربما يدفعان متوسط الأرباح التي تجنيها صناعة مثل صناعة البنوك إلى الارتفاع، فلو كان العملاء يقدرون حقا قيمة الخدمة الممتازة، والسمعة الطيبة، فسيجني البنك المعني كثيرا من النقود والأرباح وسيكون عندئذ بوسع الكتاب في الصحف أن يشتكوا من الكسب المفرط لهذا البنك أو ذاك». صحفيون صامتون لو كان العملاء لا يهتمون بالخدمة الممتازة من المؤكد أن أرباح تلك البنوك لن تكون مرتفعة مقارنة بغيرها من البنوك التي تقدم مستوى أقل من الخدمة للجمهور. عندئذ سيصمت الصحفيون رغم عدم تغير دوافع واستراتيجيات الصناعة حيث أن الأمر الوحيد الذي تغير هو أن العملاء أصبحوا يهتمون بالخدمة الممتازة بقدر كبير، وهكذا فليس لدينا سارق ولا مسروق وإنما يكافئ البنك ذو الخدمة الأرقى لأنه يعرض شيئاً يتميز بالندرة والتقدير في آن واحد. ومع ذلك يشير الكاتب إلى أن تلك الأرباح العالية لا تتحقق دائما على نحو عادل، فأحيانا يكون غضب الصحف له ما يبرره، حيث قد تكون هناك ممارسات احتكارية من قبل بعض الشركات والتي قد تتمتع بتأييد وحماية حكومية لهذه السلوكيات الاحتكارية. التجارة العادلة في الفصل التالي يتحدث الكاتب عن (ما لا تريد منك المتاجر أن تعرفه)، فيوضح في بادئ الأمر أن الندرة رغم أنها تعطيك القوة ولكنها ليست قوة بلا حدود، ربما كنت تمتلك متجرا في موقع مميز جدا وهذا يعطيك قدرا كبيرا من الندرة ونظرا لأن الموقع مميز فإن صاحبه يؤجره بسعر مرتفع وبالتالي تقوم أنت برفع أسعار منتجاتك، ولكن في النهاية ربما لا تجد إقبالا من الزبائن على أسعارك المرتفعة تلك، فتحدث لك خسائر أو على الأقل لا تعطيك قدر الأرباح الذي تتوقعه، في مثل هذه الحالة تلجأ كبريات الشركات لكثير من الحيل للتغلب على تلك المشكلة وكسب مزيد من الزبائن ضاربا المثل بواحدة من المقاهي المشهورة عالميا ولها أفرع عديدة منتشرة في أنحائه، حيث عمدت سلسلة المقاهي تلك إلى وضع علامة التجارة العادلة على منتجاتها ومن ثم قامت برفع أسعارها باطمئنان لأن الزبائن يعتقدون فعلا أن تلك الأموال ستذهب لمساعدة مزارعي البن الكادحين. ولكن الشواهد أثبتت أن كل تلك الأموال تقريبا لم تكن تذهب إلى أي مكان سوى خزينة ذلك المقهى الكبير، ومع ذلك فهذا المبلغ القليل نسبيا قد يضاعف دخل مزارع البن في بلده الأصل، والذي غالبا يكون بلدا فقيرا. استراتيجيات الأسعار إن نسبة 90? من المبلغ الإضافي الذي كان يدفعه رواد ذلك المقهى لم يكن يذهب للمزارعين، وإنما يتم تبديد تلك الأموال عن طريق التكلفة العالية أو تدخل ضمن أرباح الشركة التي تدير المقهى، فجمعيات تجارة البن العادلة تقدم وعودها للمنتجين وليس للمستهلكين، فإذا اشتريت قهوة أو أي منتج يحمل علامة التجارة العادلة تكون ضمنت بذلك أن منتجي القهوة سيحصلون على سعر جيد، ولكن لا يوجد ما يضمن حصولك «أنت» على سعر جيد. ومن التجارة العادلة يتحول الكاتب إلى الحديث عن الاستراتيجيات التي تتبعها الشركات لتحديد أسعار منتجاتها، وهي: 1- استهداف الفرد، أي تقييم كل مستهلك على حدة ثم نحصل منه على الثمن وفقا للمبلغ الذي يكون قادراً على دفعه، وهي لا تلقي رواجا بالنسبة لكثير من المنتجات. 2- استهداف الجماعة، وتعني تقديم أسعار مختلفة إلى أفراد جماعات محددة، وهي طريقة لم تلق اعتراضا كبيرا من الناس. 3- «إدانة الذات» وهي الأكثر شيوعا وقبولا، وتعني إدخال الزبائن في فخ أنهم ليسوا حساسين تجاه الأسعار، ولجعل هؤلاء المستهلكين يكشفون عن أنفسهم بعرض المقهى على سبيل المثال منتجات تختلف على الأقل عن بعضها اختلافا طفيفا، أو تقوم بتغيير المنتج بتغيير الموقع، مثلا الساندويتش الذي يباع في كشك بمحطة المترو ليس بجودة ذلك الساندويتش الذي يباع في أحد المتاجر الكبيرة التي تقع خارج المدينة والذي يشبهه تماما من الناحية الشكلية فقط. في هذه الحالة لن تكون المطالبة بسعر أعلى هي الاستراتيجية التي تجعلني أدين نفسي بعدم حساسيتي للأسعار، ولكن المقهى يجعلني أتحمل تكاليف نفقاته، ومع ذلك يقول الكاتب «أعتقد أنه من الأسلم القول إن الشركات تتحفز دائما للطرق التي تحقق لها أقصى استفادة ممكنة من أي من قوى الندرة التي تملكها وتحديد سعر مستهدف يعد أكثر الطرق التي تستخدمها الشركات شيوعا في سبيل تحقيق ذلك». الهوس الإلكتروني يعرج الكاتب إلى الحديث عن عالم التجارة الإلكترونية محاولا شرح آلياته للقارئ في فصل بعنوان «الجنون العقلاني» موضحا أن جراهام بيلي وهو شريك في إحدى شركات الاستشارات الإدارية قال في العام 1998 «أتخيل أنه في غضون سنوات قليلة سيكون هناك بوابتان فقط أو ثلاث بوابات إنترنت كبيرة يدخل إليها كل مستخدمي الإنترنت، ثم يتم توجيههم من خلالها إلى ما يريدون تصفحه عبر الشبكة، سيجلب هذا مئات المليارات من الدولارات فإذا أردت أن تنجح يجب أن تكون أحد هذه البوابات». يقول المؤلف إنه لم يصدق تلك المقولة حين سمعها. لكن بالفعل شهد عام 1998 تصاعد موجة الهوس بشركات التجارة عبر الإنترنت، وواحدة من أشهر هذه الشركات مكتبة بيع الكتب على الإنترنت «أمازون دوت كوم» التي بدأت في بيع الكتب عام 1995 وفي عام 2003 وصل حجم مبيعاتها إلى ما يزيد عن خمسة مليارات من الدولارات. معرفة الأسباب يقول هارفورد «قفز في عام 1999 سعر سهم الشركة إلى أكثر من 100 دولار عندما شاع حينها أن قيمة الشركة قد قُدرت بما يزيد عن قيمة كل المكتبات التقليدية لبيع الكتب في العالم، ولكن خلال عام 2000 تراجع سعر الأسهم لتصل إلى 18 دولارا للسهم بل أقل، وفي صيف عام 2001 كان السهم يباع مقابل حوالي ثمانية دولارات، وفي عام 2002 نشرت آراء إيجابية في حق الشركة في عدة مقالات في الصحف الاقتصادية ومع ذلك فقد استمر سعر الأسهم أقل من سعر طرحها للاكتتاب عند 18 دولارا وبعد ذلك أخذت الأسهم تستعيد قوتها منذ ذلك الحين ووصل سعر السهم إلى 40 دولارا «فأيهما كان السعر الخطأ؟ 100 دولار أم ثمانية دولارات أم كلاهما؟ ومن خلال إجابة المؤلف على هذا التساؤل يتبين للقارئ العديد من الأدوات التي تحكم تجارة الأسهم والتجارة الإلكترونية باعتبارهما من أهم مجالات التجارة في عالمنا المعاصر، إضافة إلى غيرها من القضايا الاقتصادية التي يسعى المؤلف إلى تبسيطها لقرائه كي يصبح القارئ بمجرد قراءة الكتاب بمثابة مخبر اقتصادي يعرف الأسباب الظاهرة والباطنة لكثير من الظواهر الاقتصادية التي يعايشها في حياته اليومية.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©