الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أحمد المرزوقي يعيد صياغة الماضي بوسائل عيشه

أحمد المرزوقي يعيد صياغة الماضي بوسائل عيشه
9 يوليو 2008 23:51
هي مدينة الرحبة، وتحمل من إسمها الشيء الكثير، لكنها أيضا حاضنة متحف زايد الخير الذي أنشأه الفنان الإماراتي أحمد المرزوقي، معتمدا على مهاراته اليدوية في إعادة صناعة الادوات التي كان اسلافه يستعملونها، ومستوحيا تراثا ثريا تختزنه أرض الإمارات، ومستعيدا تاريخ ناسها المكتوب بالعرق والدأب والصبر والعزيمة· لا يمكن للبعد أن يقتصر على الجغرافيا المحددة بالمسافات الفاصلة وحدها، ذلك أنّ الدخول في عالم المتحف الذي تتضافر مكوناته على إثارة الدهشة، وبسط هيمنتها على ملكات الإصغاء، يمثّل في حقيقته عبورا آسرا نحو ماض إتسمت ملامحه بالعفة بقدر ما إرتبطت أحداثه بشظف العيش، خلف كل قطعة صاغتها يد الفنان تستكين حكايا فائقة الدلالة، وتنفتح آفاق رحبة على مساحات شاسعة للتأمل، حتى تؤول المنجزات الفنية إلى إشارات سير في موكب التذكار: هنا بلاد بنتها الأكف المعروقة، ووشمتها جباه توضأت بالشمس، وتعمدت بالتراب النقي، وهنا أيضا موروث حضاري يشبه ناسه، مخضّب بالتعب، موشى بالألم، ومعطّر بعذوبة وعذابات الإنتظار الطويل، وهنا كذلك أصالة قوم لم يستطع رخاء اليوم، وبهاء الغد أن يمحو من ذاكرتهم جلال الوفاء الماضي، ورونق الإخلاص للأمس الأنيس· كائنات من خشب وتراب رصعتها الأيدي الحانية، وأطلقتها في رحاب التأمل، فراحت تخبر عن أناس إحترفوا العيش في محاذاة العدم، ترسم نهاراتهم الحارقة ولياليهم الموحشة، وتشي بأمانيهم القانعة وأحلامهم المتواضعة، إنه التاريخ يخبئه أبناؤه وصانعوه في جفونهم التعبة، فتفصح عن خباياه وداعة المآقي وصفاء القلوب، وتروي يوميات أناس بلغ من عمق تحالفهم مع الزمن أنه لم يقو على خذلانهم، آمنوا بقبس مضيء في آخر النفق، ورشُوا الظلام بحكايا حالمة، فإنقادت لهم الصباحات مترعة بالدهشة والبريق· إمرأة هيفاء تحمل الحطب، وأخرى تنقل الماء، وعلى مقربة منهما يقبع صانع السلال، وغير بعيد قاطف للتمر يراود النخلة عن فلذات روحها، أما البحر فهو كعادته، دائم الحضور، متوهج بالألغاز الدفينة، المجاذيف هي أيضا هناك تمارس قدرية العناق مع السواعد الممتلئة، ثلاثية الجسد والخشب والماء تضخ روح الحراك في أجساد المراكب الجذلى فتستحيل نشوة الإبحار لهفة لقاء طال إنتظاره· يقول الفنان أحمد المرزوقي إن هاجسه وراء تحويل منزله العائلي إلى متحف للتراث الإماراتي نبع من شعوره بضرورة تسليط الضوء على حكاية كفاح فائقة الغنى جسدها هذا الشعب، بقيادة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، دون أن يمنعه حصوله على هبة الرخاء من المحافظة على نعمة الشكر، حتى صارت أرض الإمارات نموذجا لبلاد أكرمها الله وشكره الناس فزاد لهم وبارك· ويضيف: ''منذ البدء أدركت أنّ في التراث الإماراتي الكثير مما يجدر بالأجيال الطالعة أن تعرفه وتتعرف عليه، وأنّ الوسائل التي إبتكرها أباؤنا لتساعدهم على تحسين ظروف معيشتهم الصعبة تستحق أن تأخذ مكانها في مساحة الذاكرة الجمعية، ناهيك عن نمط العيش الذي كان سائدا في أيامهم، والذي يكشف عمق الإصرار على تجاوز المعوقات، وهي وافرة دون شك''· المسألة، وفقا لمحدثنا، ليست مجرد إستعادة رمزية لبعض صور الماضي، وإن ''كان لذلك الكثير من الوجاهة وربما الضرورة، لكنها تأريخ حقيقي وواقعي لسلوكيات متجذرة في وعينا الجماعي، لا تزال، برغم إختلاف أشكال تمظهرها، فاعلة في نمطنا الحضاري المعاصر''· ويتابع قائلا: ''لا يمكن إستيعاب الراهن الإماراتي دون التمعن مطولا في جذوره التاريخية، ذلك أنّ علامات التحول التي طرأت على المجتمع لم تكن قفزة في الفراغ، ولا رمية من غير رام، لكنها إستجابة طبيعية لعزيمة وإصرار تميز بهما الإنسان الذي عايش هذه الأرض متفاعلا مع إمكاناتها الضئيلة، فيما عيناه متجهتان نحو البعيد دوما، كأنه على موعد مع الإنجاز''· اعتمادا على هذه القراءة لا يعود متحف زايد الخير مجرد مكان لعرض المقتنيات التراثية، ولا مساحة لإستذكار الأقدمين، والإطلاع على ظروف حياتية كانت سائدة في الماضي، هو يغدو وثيقة إرتباط اليوم مع الأمس من جهة، ونافذة إطلالة على الغد من جهة أخرى، والأهم: هو تعبير عن أصالة متقدة، تؤمن التواصل بين الأقانيم الزمنية الثلاثة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©