الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المهم هو البحث عن شيء وليس العثور عليه

المهم هو البحث عن شيء وليس العثور عليه
9 يوليو 2008 23:52
عندما تسير مع والدك وتتعثر خطاه، ويسقط أرضا ويتلطّخ وجهه، فإنك تساعده على الوقوف وتمسح وجهه بقميصك، وأنا بهذا الفيلم أمسح وجه حضارتي العربية الإسلامية ممّا أصابها من تشوّهات وأنزع عن وجه الإسلام ما علق به من إساءات · هكذا قدّم المخرج التونسي الناصر خمير فيلمه بابا عزيز الذي يعرض حاليّا في القاعات، والكثير من المتفرّجين الذين شاهدوا الفيلم خرجوا منبهرين بجمال الصورة وشاعرية المشاهد، ولكنّ البعض لم يقدر على النفاذ بيسر إلى الرسالة التي أراد المخرج إبلاغها· إنّ فيلم ''بابا عزيز'' شريط فكري فلسفي محمّل بالرموز، وعندما قيل لمخرجه الناصر خمير أنّه شريط سينمائي غامض، أجاب بأنّ كلّ عمل إبداعي حقيقي يدفع إلى التساؤل· والمؤكد أنّ الفيلم أثار جدلا ونقاشا لدى الجمهور المغرم بالسينما ولدى النقاد، وقد تحصّل على جائزة ''الخنجر الذهبي'' لأحسن فيلم عربي في مهرجان مسقط بسلطنة عمان، وعلّلت لجنة التحكيم اختيارها بأنّ الفيلم اتّسم بطابع التجديد في أبعاده الجماليّة والفكريّة والإنسانية للتحاور مع الآخر· كما حصد الشريط العديد من الجوائز الأخرى في عديد من المهرجانات الغربية، ولاقى نجاحا كبيرا في سويسرا حيث شاهده 70 الف متفرج، كما تم عرضه أيضا بالولايات المتحدة الاميركية، وهناك شبه إجماع من النقاد على أن الفيلم توفق في إظهار القيم الإسلامية السمحة بعيدا عن مظاهر التزمت والتطرف والإرهاب وأبرز الإسلام في معانيه الروحية التي لا يريد الغرب أن يعترف بها· ويؤكد المخرج الناصر خمير الذي يعيش بين تونس وفرنسا ويقضي جانبا كبيرا من حياته يطوف في أرجاء الدنيا متأملا وباحثا، أنّ الغرب لم يرغب في تمويل وإنجاز هذا الفيلم لأنه يعبر عن وجه مغاير للمفهوم السائد لدى الكثير من الغربيين للإسلام مؤكدا بأن الأوروبيين نصحوه باختيار موضوع عن الإرهاب، ولكنه أعلن بوضوح بأنه يرفض ان يكون في خدمة ثقافة ضد أخرى مضيفا: ''ما أريده هو بناء جسر بين ثقافة الشمال وثقافة الجنوب''· أثر الغزالة يبدأ الفيلم الذي تمّ تصويره بإيران والجنوب التونسي بهبوب عاصفة صحراوية، ومن وسط كثبان الرمال تطلّ طفلة صغيرة اسمها عشتار، وكأنها تولد من رحم الصحراء، ويتعالى صوتها منادية على جدّها ''بابا عزيز''، وتتولى بعد ذلك قيادة العجوز الأعمى، لاجتماع للدراويش يعقد مرة كل 30 عاما، وفي الطريق وهما يسيران معا يروي الجدّ لحفيدته قصة أمير ترك إمارته وبلده واقتفى ذات يوم أثر غزالة وأصابته بسبب ذلك حالة حزن وكآبة· ثم يلتقي الشيخ وعشتار في رحلة التيه بين كثبان الصحراء بثلاثة أشخاص عاشوا قصص حب مطلقة: زايد يبحث عن الحسناء نور، ونور تبحث بدورها عن أبيها، وعصمان يبحث عن قصر في قلب الصحراء، فكلّ واحد منهم يبحث عن شيء أو عن شخص، والمهم هو البحث عن شيء وليس العثور عليه، وتتقاطع هذه القصص حينا وحينا آخر تتنافر، فالفيلم كقطعة من لعبة البازل لا بدّ من إلصاق كل قطعة بأخرى لتكتمل الصورة، فالقصص تتلاقى والأشخاص والأحداث تتقاطع، والبعض من الاشخاص الذين يلتقي بهم العجوز الأعمى وحفيدته يجد جوابا في نهاية بحثه والبعض الآخر يبقى حائرا تائها· إنه فيلم فلسفي تتالى فيه القصص والحكايات، ولا وجود لإشارات دقيقة لأحداث تاريخية معينة أو إلى أماكن جغرافية معينة، ولكن المؤكد أن الأحداث تجري في عصرنا بوجود طائرات وحافلات في الشريط، ويختلط الواقع بالقصص في تجدد دائم· رحلة تامل إنّ جوهر فيلم ''بابا عزيز'' هو إبراز ثراء الحضارة الاسلامية بعيدا عن كل كاريكاتور وتشويه، وقد اكّد المخرج الناصر خمير انّ هدفه ايضا من خلال هذا الفيلم هو ان يشعر الشباب العربي بالانتماء والفخر بدينهم وحضارتهم، والمؤكد ان الفيلم بمشاهده وقصصه وحواره يمثل عالما كله حب وأمان في رؤية إخراجية متفردة تصور رحلة تصوف وتأمل روحي· إنه شريط للحب ومن أجل تغذية الروح بالجمال وهو رحلة نحو عالم جميل ومريح· الهائمون ان فيلم ''بابا عزيز'' هو ثالث فيلم طويل للمخرج الناصر خمير الذي يصنفه النقاد بأنه مخرج نخبوي، فقد أخرج ''الهائمون'' وهو في الرابعة والثلاثين عام 1985 وهو شريط يتحدث عن ناس يعيشون في قرية جميلة في أشكالها المعمارية ولكنها مهدمة تدل على حضارة عريقة ثم نزحوا الى قرطبة فحلت عليهم اللعنة، وهو فيلم قال عنه الناقد وليد شميط انه يرمز الى الشعراء والكتاب والرسامين والمثقفين الذين كافحوا وناضلوا وسجنوا وماتوا منذ عصر النهضة· وعام 1989 أخرج الناصر خمير شريط ''طوق الحمامة المفقود''، وهو ثاني فيلم طويل له وكان ناطقا باللغة العربية الفصحى، والناصر خمير كتب الرواية ومارس الرسم ولمع في السينما، وهو يقول ان الفيلم بالنسبة اليه هو نافذة نحو الخارج، والكتابة هي معركة داخلية، والرسم هو الفن الاكثر ذاتية عنده، وهو يخرج أفلاما سعيا منه لإمساك اللحظات العابرة سعيا منه لإعطاء الآخرين صورة مشرقة عن الحضارة العربية الاسلامية وهو ما نجح فيه في شريطه الاخير ''بابا عزيز'' الذي كتب قصته بأسلوب الف ليلة وليلة وجسد مشاهده في لوحات آسرة الجمال تقطر شاعرية وتدعو الى الحلم·
المصدر: الطيب بشير
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©