الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كتبوا في اتجاهات روائية متنوعة

كتبوا في اتجاهات روائية متنوعة
22 يناير 2009 00:31
تعددت الدراسات عن أدباء وأدب المهجر، لكن ليس بين تلك الدراسات تنوع وشمول الدراسة التي صدرت مؤخراً في القاهرة بعنوان ''الفن القصصي في المهجر'' للدكتورة هادية إحسان رمضان، أستاذ اللغة العربية وآدابها بالجامعة الأميركية في بيروت· هي لم تتناول أديباً بعينه، بل مجموعة الكتاب المهجريين الذين كتبوا القصة والرواية ومن أبرزهم جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني ونسيب عريضة وغيرهم· الهجرة الشامية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كانت موجة واسعة وممتدة وهي إذا قيست بعدد السكان الأصليين في البلاد، تعتبر هجرة كبيرة، إذ تشير المصادر إلى أن عدد الذين ارتحلوا عن البلاد بلغ حوالي مليون فرد، بينما كان يبلغ عدد السكان آنذاك ثلاثة ملايين نسمة وهذا يعني أن ثلث السكان قد هاجروا إلى بلدان أخرى حتى إنه يصعب أن نجد أسرة في لبنان لم يهاجر أحد أفرادها، بل ان بعض هذه الأسر هاجر معظم أفرادها وربما كلهم· دوافع وتفسيرات وتعددت التفسيرات لأسباب ودوافع الهجرة، فهناك من يرى أنه العنصر السياسي حيث كانت الدولة العثمانية قد ضعفت تماماً، وتداخل فيها الأوروبيون، الذين أخذوا يثيرون النزعات الطائفية مما ترتب عليه حدوث احتكاك طائفي بلغ ذروته في مذبحة عام 1860 التي وقعت بين الدروز والمسيحيين في جبل لبنان، فشعر الأهالي بظلم سياسي وتضييق عليهم، وحرمانهم من الكثير من الحقوق، وازداد الأمر سوءا حين فرضت الدولة العثمانية عليهم الخدمة الإجبارية في الجيش العثماني، فشعروا بالاضطهاد والغربة وسارعوا إلى الهجرة، حتى ان أحد مراسلي الصحف نشر خبراً في مارس 1913 يقول ''ما من باخرة تترك الشواطئ السورية الى أميركا إلا وهي مشحونة بالمهاجرين وأكثرهم مسيحيون فارون من الخدمة العسكرية· وذهب د· فيليب حِتَّي إلى أن العامل الاقتصادي هو الذي حدا بالسوريين للهجرة فالبلاد فقيرة التربة، قليلة المعادن محدودة الصناعة والزراعة وأدى فصل السهول الخصبة عن جبل لبنان في نظام ،1861 إلى ان إنتاجه الضئيل لم يعد يكفي احتياجات أهله وزاد على ذلك انتشار أمراض النبات في كروم العنب فضعف المحصول فضلا عن افتتاح قناة السويس عام 1869 مما أدى إلى بوار تجارة الحرير الطبيعي في سوريا الكبرى، وهناك الرغبة في التعلم من الغرب بعد انتشار التعليم وازدياد الوعي والاطلاع على منجزات الحضارة الغربية· ومما يبعث على الإعجاب في المهاجرين من سوريا ولبنان، أنهم تمسكوا بلغتهم العربية هناك وقدموا مدرسة أدبية متميزة بينما نحن الآن نخاف على المهاجرين وأبنائهم من أن يفقدوا لغتهم وثقافتهم في بلاد المهجر، لكن المهاجرين السابقين أسسوا في أميركا حركة أدبية كبرى· وحظي هذا الأدب في المشرق العربي باهتمام كبير، ووجد أدب المهجر خصومة بلغت حد العداء من التقليديين حيث قرروا أنه أنكر القيم الفنية الموروثة وخرج على الدروب المألوفة في الأدب العربي، في المقابل وجد هذا الأدب من يتحمس له، ويدافع عنه بأنه أدب عربي أصيل، وأن تأثر بالآداب والثقافات الأجنبية، فالتأثير والتأثر لا يعيبان الأدب، بل قد يعاب عليه الجمود والبعد عن المعاصرة· وكان طبيعياً أن يتأثر أدب المهجر بالأجانب، إذا تأملنا ثقافات هؤلاء الأدباء، ميخائيل نعيمة كان يتقن الروسية والإنجليزية والفرنسية إلى جوار العربية وأعجب بكبار الأدباء الروس مثل ديستوفيسكي وتولستوي وجوجول وتورجينيف· وجبران خليل جبران كان يجيد الإنجليزية والفرنسية ونسيب عريضة قرأ الروسية والإنجليزية وتأثر أمين الريحاني بأسلوب كارليل وامرسون ودالت هويتمن· وقد ساند حافظ إبراهيم ـ شاعر النيل ـ أدب المهجر بقصيدته التي حملت عنوان ''لمصر أم لربوع الشام تنتسب''· وقد تنوعت اتجاهات الرواية المهجرية بين اجتماعية ورومانسية ورمزية وفلسفية وتأثرت رواياتهم بتيار الوجودية ونزعة الاغتراب وفي نفس الوقت لم يتخلوا عن جذورهم وواقعهم القديم لذا بدا في رواياتهم الصراع الحضاري بين الشرق والغرب وظهر اتجاه توفيقي بين الاثنين في بعض الأعمال ولم تكن الغلبة في هذه الروايات للغرب، كما كان الحال في روايات المشرق، بل كثيراً ما انتصرت الحضارة الشرقية بكافة مكوناتها وأبعادها· صورة المرأة ومن الناحية الاجتماعية جاءت صورة المرأة مشوشة، بفعل الصراع الحضاري فقد صورت روايات الحب المرأة ضعيفة سلبية في الظاهر وإن تمتعت بالقوة الروحية التي تجعلها قادرة على اجتياز الاختيارات الصعبة، أما الرواية الفلسفية فقد اعتبرت المرأة قيداً مادياً على الرجل، تحول دون انطلاقه الروحي فقد ذبح ''الأرقش'' في رواية ميخائيل نعيمة حبه بيده لأنه فوق ما يتحمله جسده ودون ماتشتاقه روحه وقتل الزوجة الجميلة كان وسيلة ''الأرقش'' لقتل النزوع البهيمي في داخله والتخلص من القيد المادي عليه· وتبين للباحثة اللبنانية أن أدباء المهجر كان لديهم نزوع شديد نحو العطف على الفقراء ومساندة الضعفاء ربما لما تعرضوا له من ظلم دفعهم الى الهجرة ولما عانوه عندما هاجروا وهذا الاتجاه جعلهم يقفون في وجه رجال الدين ويوجهون إليهم النقد القاسي، خاصة جبران خليل جبران الذي يدعو إلى الثورة على ظلم الأساقفة الذين يستغلون سلطتهم الروحية لمآرب دنيوية ويتخلون عن واجبهم في أن يهتموا بالفقراء والأيتام والارامل، لقد حمل جبران رجال الدين العبء الأكبر من تعاسة المجتمع وانتقدهم بضراوة في مجموعته ''عرائس المروج''· وتحديداً في قصص· '' صراخ القبور'' و''خليل الكافر'' و''يوحنا المجنون'' وقد كان جبران متأثراً في موقفه من رجال الدين بأفكار الفيلسوف الألماني الشهير في القرن التاسع عشر ''نيتشة'' وبدا ذلك أكثر في كتابه ''الأرواح المتمردة''· وأمين الريحاني كان أشد قسوة في التصدي لما اعتبره طغيان رجال الدين، وبدا ذلك في قصته المبكرة ''المكاري والكاهن'' عام 1904 والتي كشف فيها مخالفة الكاهن لتعاليم وقيم السيد المسيح وقبل ذلك بعام 1903 كان الريحاني قد كتب ''المحالفة الثلاثية'' والتي شهر فيها برجال الدين، الأمر الذي أثار حفيظة الموارنة ضده وأصدرت الكنيسة المارونية في لبنان حرماناً دينياً ضد الكاتب وحكماً صارماً ضد الكتاب ذاته، والريحاني كما أثبتت بعض الدراسات العلمية كان متأثراً بأفكار القرن التاسع عشر التحررية، خاصة أفكار داروين في البقاء للأصلح والانتخاب الطبيعي· أما ميخائيل نعيمة فلم يتوقف في قصصه أمام مخالفات وظلم رجال الدين، لكنه أشار سريعا إلى استغلال رجال الدين للمواطنين· ولم يهاجم المهاجرون رجال الدين فقط، لكنهم هاجموا كذلك وبضراوة أشد الحكام المدنيين لاستبدادهم وطغيانهم انطلاقاً من أن هؤلاء الحكام يهضمون حقوق الضعفاء ويمتهنون كرامة الانسان، وكان جبران خليل جبران أشدهم تطرفاً في نقد الحكام وقد أخذ عليه بعض النقاد ذلك ففي تقديمه لأعمال جبران الكاملة قال ميخائيل نعيمة·· ''فهو ما صور راعياً قبيحاً أو فلاحاً خسيساً أو عاملاً شريراً ولا صور حاكماً عادلاً أو كاهناً تقياً أو راهباً في قلبه شيء من الإيمان والشفقة، ولا صور زوجين متجانسين متحابين هانئين· وذلك ما يجعل قصصه بعيدة عن صميم الحياة كما يحياها الناس في كل يوم'
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©