الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«كرة القدم» تلقي بتأثيراتها على مناحي الحياة المختلفة

«كرة القدم» تلقي بتأثيراتها على مناحي الحياة المختلفة
9 سبتمبر 2009 23:24
لا غرو من أن يعدو كتاب «الكرة ضد العدو» واحدا من أكثر الكتب مبيعا في العالم، لأنه يتناول اللعبة الشعبية الأكثر انتشارا على سطح كوكبنا، والتي سلبت عقول وأفئدة الملايين في أنحاء الأرض من أدنى الشرائح الاجتماعية إلى أعلاها. أحداث متداخلة يسعى مؤلف الكتاب سايمون كوبر، إلى إبراز أهمية كرة القدم وتداخلاتها مع كثير من الأحداث التي يعج بها العالم، اقتصادية كانت، أو سياسية، أو اجتماعية. والكتاب رائع في تغطيته، حيث ينتقل المشهد مع القارئ من قارة إلى قارة بثقة وتفتح وحداثة أيضا في معظم الأحكام التي يصدرها مؤلفه. وعبر متابعة سايمون كوبر لكرة القدم في العالم نجده يقول لا أحد يعرف عدد مشجعي كرة القدم والمعجبين بها، لقد أصدرت هيئة كأس العالم 1994 بأميركا كتيبا تزعم فيه أن عدد مشاهدي نهائيات كأس العالم بإيطاليا على شاشات التلفزيون، يقدر بـ 25.6 مليار نسمة (خمسة أضعاف سكان الأرض) وأن 31 مليار مشاهد من المتوقع أن يشاهدوا نهائيات كأس العالم بأميركا. ويوضح، أن هذه الأرقام قد تكون عديمة الفائدة، ولكنك تجد في النهاية أن أعداد المشاهدين لأية نهائيات لكأس العالم تختلف بنسبة تصل إلى مليارات. كنيسة وملعب يكشف الكتاب أن كرة القدم هي اللعبة الأكثر شعبية في العالم، حتى أنهم يقولون في نابولي، إنه عندما يكون لدى المرء نقود، فإنه أول ما يشتري الطعام ليأكل، ثم بعد ذلك يذهب لمشاهدة مباراة كرة القدم، ثم إذا بقي معه شيء من المال يبحث عن مكان للسكن. ويقول البرازيليون «إن في أصغر القرى كنيسة وملعب كرة قدم..حسنا، الكنيسة ليست موجودة دائما، ولكن ملعب كرة القدم موجود بالتأكيد» لذلك يشير كوبر إلىأن كتابه يبحث في مكانة تلك اللعبة في العالم، لافتا إلى أنه عندما يهتم بلعبة ما مليارات الناس، فإنها لا تصبح مجرد لعبة، وكرة القدم بالتالي ليست مجرد لعبة، بل إنها تساعد على شن الحروب والثورات ويتعلق بها المافيا والديكتاتوريون ويستشهد لذلك الكاتب بكثير من الوقائع. مثل التوتر الذي حدث في ايرلندا عند لقاء فريق السلتك ورينجرز في تسعينات القرن الماضي، وكذلك خروج ما يزيد على نصف عدد سكان هولندا إلى الشوارع احتفالا بهزيمة ألمانيا عام 1988. كما أن الفريق البرازيلي ساعد على إطالة فترة الحكم العسكري بفوزه بكأس العالم عام 1970، كما قيل آنذاك. موسيليني وفرانكو توقفت الحرب النيجيرية البافارية لمدة يوم لإتاحة الفرصة أمام بيليه الذي كان في زيارة للبلد للمشاركة في إحدى المباريات، ولكنا سمعنا عن حرب كرة القدم بين السلفادور وهندوراس، بحسبما يقول المؤلف. وهنا يطرح الكتاب عدة أسئلة.. أولا: كيف يتسنى لكرة القدم أن تؤثر في حياة دولة ما؟ والسؤال الثاني كيف لحياة دولة أن تؤثر في كرة القدم فيها؟ بمعنى آخر ما الذي جعل البرازيل تلعب كما هي البرازيل؟ وإنجلترا كإنجلترا؟ وهولندا كهولندا؟ وما قاله مايكل بلاتيني: «إن فريق كرة القدم يمثل بطريقة ما الثقافة» فهل هذا صحيح؟ يقول الكاتب: إنه في سبيل سعيه للإجابة عن هذه التساؤلات اكتشف عددا من الحقائق منها العلاقة الوثيقة بين كرة القدم والسياسة، كما تبين له أيضا أن كرة القدم أبعد بكثير مما كان يتصوره، حيث وجد ناديا يصدر المواد النووية والذهب، وآخر ينشئ جامعة خاصة به، كما أن كل من موسيليني وفرانكو فطنا إلى أهمية اللعبة، وبسبب كرة القدم أُرسل نيكولاي ستاروستين إلى سجن الكولاج في الاتحاد السوفييتي وهناك أنقذت كرة القدم حياته، وكان مندهشا لذلك كتب «إن رؤساء المعسكر الذين يتحكمون بحياة وموت الآلاف من البشر كانوا خيرين جدا تجاه أي أمر يتعلق بكرة القدم، وكانت سلطتهم الجامحة على حياة البشر لا تقارن بشيء من سلطة كرة القدم عليهم». الكرة والحرب يدلف كوبر إلى الحديث عن علاقة كرة القدم بالحرب قائلا: إن أكثر المباريات تأججا بالحقد في كرة القدم الأوروبية هي مباراة هولندا ضد ألمانيا، التي أعقب فوز هولندا فيها خروج تسعة ملايين هولندي (60 في المئة) من الشعب إلى الشوارع للاحتفال، فكانت أكبر تجمع جماهيري منذ حرب التحرير، حتى أن رجل مقاومة سابقاً قال في التلفاز: «لقد بدا وكأننا فزنا في الحرب أخيرا». وفي هذا السياق يسترجع الكاتب مقولة فان هاينجيم الذي كان قد لعب لهولندا ضد ألمانيا في كأس العالم 1974، حيث قال لإحدى المجلات في ذلك الحين: «بشكل عام لا أستطيع أن أقول إن الألمان أعز أصدقائي»، وبالعودة إلى التاريخ وجد أن اللاعب خسر أباه واثنين من إخوته على يد الألمان جراء قنبلة خلال الحرب العالمية. علاقة سرية يستطرد الكاتب في سرد العديد من الوقائع التي توضح العداء الكامن بين الألمان والهولنديين منذ الحرب العالمية، والتي يظهر كثيرا في الأحداث المتعلقة بكرة القدم والتي يصورها الفريقان دائما على أنها حرب وسيلتها كرة القدم عوضا عن حرب الأسلحة. ثم تحدث الكاتب عن علاقة نادي دينامو (أشهر وأقوى أندية الاتحاد السوفييتي قبل انهياره) برجال المافيا ورجال الحكم، وكيف أنهم ومن خلال تسليتهم للعبة كرة القدم داخل النادي استطاعوا صناعة المجد للنادي ومن ثم لأنفسهم مستغلين اسم النادي وعلاقتهم السرية في التحكم في كثير من مجريات الأمور السياسية في أوكرانيا، التي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي قبل انهياره. واستعرض أيضا بعض حالات التفرقة العنصرية التي شهدتها ملاعب كرة القدم، ومنها أول ظهور لفريق أفريقي أسود في كأس العالم 1974-الفريق الزائيري- وما تعرض له لاعبوه من معاملة فجة سواء من لاعبي الفريق اليوغوسلافي الخصم الذي بصق أحدهم على أحد لاعبي زائير قائلا له: «يا زنجي»، كما أن الحكم قام بطرد لاعب زائيري بدلا من الآخر بطريق الخطأ لأنه لم يستطع التمييز بينهما، وقد مثل هذا إهانة كبيرة للاعبي زائير، وحتى مدرب المنتخب الزائيري وهو يوغوسلافي الجنسية لم يسلم من تهمة العمالة إلى يوغوسلافيا التي يحمل جنسيتها بعد انتهاء المباراة أي أن مباراة كرة قدم واحدة شهدت قضيتين سياستين من المقام الأول:1- العنصرية.2- العمالة لدولة أخرى. مخلوق ضخم يوضح المؤلف مدى التداخل بين كرة القدم وكثير من مفردات الحياة العامة التي نعيشها، وعلّ أهم تلك المفردات، السياسية التي تتحكم في مصائر البشر على كوكب الأرض، ولكن هذه السياسة بدورها لا تخلو من تأثير متبادل مع كرة القدم، تلك المخلوق الضخم الذي أخد ينتشر في بقاع العالم مع بدايات القرن العشرين، ولا يزال ينتشر ويقوى يوما بعد يوم ويلقى بتأثيراته على مناحي الحياة المختلفة، وهو ما نكتشفه من قراءة الكتاب والتمعن في كثير من الوقائع والأحداث التي وردت به. • هذا الكتاب من إصدارات «مشروع كلمة» التابع لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©