الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عدم التمييز بين الأغنياء والفقراء

عدم التمييز بين الأغنياء والفقراء
9 سبتمبر 2009 23:28
إن شهر رمضان المبارك، يعيش فيه الفقراء مع الأغنياء على مائدة واحدة، يصومون بوقت واحد ويفطرون بوقت واحد، وقديماً قسم قوم نوح المجتمع إلى طبقتين: طبقة الأشراف وهم الأغنياء والكبراء؛ وطبقة الأراذل وهم الفقراء والضعفاء، وقد عيَّر الأشراف نوحاً بقولهم «وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا» هود: 27. وقد أنكر نوح عليه السلام على قومه هذا التقسيم، موضحاً أن الله لا يحاسب الإنسان على فقره أو غناه، ولا على شكله ومنظره، ولا على لونه وجنسه، وليس من صلاحية نوح ولا غيره من الرسل أن يطرد إنساناً لفقره وضعفه، ولا أن يقبل إنساناً لحسن منظره أو كثرة ماله، أو قوة عضلاته، أو طول قامته، فرب أشعث أغبر لا يؤبه له أفضل عند الله ممن يبجله القوم ويطيعونه. فقال لهم مبيناً هذه الحقيقة: «وَما أَنا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ، وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ» هود: 29-30 . وبين لهم أن الله يحاسب الإنسان على عمله لا على شكله «قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ، إِنْ حِسابُهُمْ إِلاّ عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ، وَما أَنا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ أَنا إِلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ» الشعراء: 112-115. ذلك أن جميع الناس سواسية عند الله، لا فرق بين غني وفقير، ولا بين عزيز وحقير، ولا بين قوي وضعيف، ولا بين ذكر وأنثى، ولا بين أسود وأبيض، وقد وضع الله ميزاناً للتفاضل بين البشر فقال: «يا أَيُّها النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ» الحجرات: 13 . وقد نادى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع فقال: «كلكم لآدم وآدم من تراب». إن المجتمع الذي يميز بين الغني والفقير، وبين القوي والضعيف، فيحترم الغني لغناه، ويهمل الفقير لفقره، ويهاب القوي لقوته، ويضطهد الضعيف لضعفه، لهو مجتمع معرض للانهيار والتفكك، ولهذا كان جواب نوح عليه السلام. «وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ» هود :31 . وبين لهم أن الله يحاسبه إن طردهم «وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ» هود: 30 . وقد عاتب الله نبيه محمداً في عبد الله بن أم مكتوم بقوله: «عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جاءَهُ الأَعْمَى، وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى» عبس: 1-4 . والمدقق يرى أن العبوس في وجه الأعمى لايكسر بخاطره، لأنه لا يبصره ومع ذلك فقد لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - عتاباً، وأعطاه الله توجيهاً بعدم التفريق بين المدعوين، فالكل عند الله سواء، كما أمره أن يتبع هذا المنهج الدعوي في دعوته إذ قال: «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا» الكهف:28 . ونهاه أن يطرد أحداً منهم فقال: «وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ» الأنعام: 52 . وفي بعض المجتمعات اختل الميزان عند شرائح متعددة من أفراده، فإذا رأوا أصحاب الملايين صدَّروهم في المجالس وأعلوا شأنهم بين الحاضرين، ووضعوهم في قائمة أولي الألباب، وملكوهم زمام الرأي، وجعلوهم من أصحاب الشأن، رغباتهم أوامر، وأوامرهم مطاعة، وإذا رأى هؤلاء فقيراً مدقعاً، طردوه عن أبوابهم، وطهروا منه مجالسهم، وأصموا آذانهم عن الاستماع إلى شكواه، وجعلوا على أبصارهم غشاوة تمنعهم من رؤية حاله ومصابه! ويكاد يصل الأمر إلى الصورة التي رسمها الشاعر بقوله: يمشي الفقير وكل شيء ضده والناس تغلق دونه أبوابها وتراه ممقوتاً وليس بمذنب ويرى العداوة لا يرى أسبابها حتى الكلاب إذا رأت رجل الغني حنت إليه وحركت أذنابها وإذا رأت يوماً فقيراً ماشياً نبحت عليه وكشرت أنيابها د. محمد بسام الزين drbassam@eim.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©