الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البــــرغي

البــــرغي
9 سبتمبر 2009 23:29
كتب تشيخوف قصة قصيرة رائعة حول موظف مخلص في عمله؟ والقصة تصلح لكل زمان ومكان... لكأنها مفصلة له بالتمام والكمال، وقد قرأتها قبل عقدين، لكني أتذكر فكرتها وسوف أسردها لكم هنا بأسلوبي الحلمنتيشي، وقد أعذر من أنذر: موظف حكومي أصيب بالحمى المالطية، وخلال إجازته المرضية صار يفكر ويقول في نفسه: «ما أنا إلا برغي صغير في هذه الدولة.. دولتي التي أعتز بها وأفديها بالنجيع، غضِبَ من غضبْ، ورضي من رضي. صحيح أنني مجرد برغي صغير، إلا أنَّ لي دوراً مهماً في عملية البناء، فجميعنا من رئيس الدولة إلى رئيس الحكومة حتى الفرّاش، يؤدي كل واحد منا دوره المحرك للتقدم في المجتمع. ولو أدى كل برغي، صغيراً كان أم كبيراً، دوره بكل جدية وإخلاص، فهذا معناه التقدم السريع للمجتمع إلى الأفضل. بناء عليه، فقد قطع الموظف إجازته، وتحامل على نفسه رغم المرض، وعاد إلى دائرته، وقد تغيرت طباعه وأخلاقه ونشاطيته، وصار يعمل بكل جدية وإخلاص، وينهي معاملات الناس بكل سرعة وكفاءة، وبدون أي تأخير يذكر، وصار ينظر شذراً إلى زملائه الذين كانوا ينهمكون في حل الكلمات المتقاطعة، أو يتأخرون عن الدوام أو يعيقون معاملات المواطنين. وصل به الإخلاص إلى أن صار يشكو زملاءه المتقاعسين إلى رئيس القسم، ويقدم بهم التقارير اليومية. ولم يكتف بذلك، بل كان يقوم بأعمال المتقاعسين، أو المتغيبين منهم، وهو يشعر بالخيلاء لأنه يقوم بدوره كبرغي صغير في ماكينة الوطن العملاقة، ويقوم أيضاً بأعمال البراغي المتهالكة والصدئة من زملائه حتى لا تتأذى ماكينة الوطن. في البداية ارتاح مسؤول القسم لتصرفات الرجل واحترمه وقربه إليه، وصار يعتمد عليه عند الأزمات، بينما خاف منه الزملاء، لأنهم اعتقدوا أنَّه مدعوم تماماً. لكن بعد فترة انتقل هذا الخوف إلى رئيس القسم الذي خشي أن يحتل هذا الموظف النشيط مكانه. ثم انتقل الخوف من هذا الموظف من رئيس القسم إلى رئيس الدائرة، ثم إلى المدير العام، ثم إلى وكيل الوزارة... ثم إلى الوزير... ثم إلى...! هكذا يا سادة يا كرام تم (ترميج) الموظف البرغي وهو في عز شبابه وعطائه ونشاطه، هل تعرفون لماذا؟ لأنه، يا سادة يا كرام، كان برغياً صغيراً متمرداً، ويعمل خارج إطار الحركة المعروف والمتفق عليه. يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©