الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفردية والعولمة في مواجهة الهويات القومية

الفردية والعولمة في مواجهة الهويات القومية
9 سبتمبر 2009 23:36
يحاول كتاب «العولمة والهويات القومية أزمة أم فرصة مواتية» استكشاف المشكلات النظرية والعملية المفتاحية التي تطرحها التفاعلات المعقدة الجارية في العالم، والتي يمكن تلخيصها في ظاهرتين اثنتين هما أولا الأهمية التي تضفي على مسألة الهويات الشخصية والقومية في مواجهة التمزق الاجتماعي والثقافي والسياسي، والرغبة في امتلاك قدر أكبر من الصفات الفردية والحريات الشخصية، وثانيا مسألة العولمة وما يمكن أن تشكله تهديدا أم فرصة مواتية بالنسبة للأفراد والجماعات والأمم في العالم استنادا إلى سلسلة من الأبحاث الميدانية الإقليمية التي شملت اثني عشر بلدا تتوزع على أربع قارات. وعي جديد يتوزع الكتاب على ثلاثة عشر فصلا يحاول عبرها مجموعة من الباحثين والمختصين معاينة مجموعة كبيرة من القضايا الناجمة عن الحاجة إلى الكشف عن إعادة تأكيد الهوية القومية أو إعادة بناء نوع من الوعي بهوية قومية في مواجهة تحديات قوى العولمة إذ يرى بعض الباحثين تآكل الهوية القومية التي كانت راسخة فيما مضى وحلول هوية جديدة متعددة محلها من خلال نظام العولمة الذي تجلى في مسألتين اثنين سياسية واجتماعية، في الوقت الذي يذهب فيه باحثون آخرون إلى القول بضرورة التصدي للعولمة باعتبارها تحديا يزخر بعناصر الريبة، إلى جانب عدد ليس بقليل من فرص التكيف ونشوء هويات جديدة أو هجينة. يتناول بول كندي مدبر معهد الدراسات الكونية في جامعة مانشستر البريطانية مسألة العولمة وأزمة الهويات القومية بعد أن أخذت المجتمعات تتمزق وتتفكك بناها الداخلية إثر تعرض تخومها للاختراق بسيول غزيرة من الأفكار والصور والمعلومات، وفقدان الصلة بالمكان المألوف والخاص مع قيام الشركات متعددة الجنسيات بإدخال قطاعات من الاقتصادات المحلية في إمبراطورياتها الكونية. لكن الفكرة المركزية التي تدور حولها أبحاث الكتاب تتمثل في كون الدولة القومية والقومية تواصلان في حالات كثيرة توفير قطب محوري تنسج من حوله الأفراد والجماعات شعورهم بالانتماء والنسب الثقافي والحضاري. ومن أجل فهم أعمق لهذه القضية يبحث بداية في مفهوم الهوية التي يؤكد علماء الاجتماع عموما على أن الهويات الفردية والقومية محددة بمواصفات ثابتة مستمدة من أصول مشتركة تعين ما هو مشترك دون أن ينفي ذلك وجود اختلافات كبيرة بين الجماعات فالانتماء العرقي هو نمط استثنائي القوة محكم التحديد من أنماط الهوية القومية. إن هذه الهويات لا تتشكل إلا من خلال سلسلة متواصلة من التفاعلات بينما يرى باحثون آخرون أن الهويات دائمة السيرورة وهي ليست معطى دائما فتشكل الهوية ينطوي على عمليات البناء وإعادة البناء. وإذا كان عدد كبير من الدارسين يشكون بمدى أهمية وفرادة العولمة بوصفها قوة تغيير فاعلة في شؤون البشر، فإنهم يوافقون على الفكرة القائلة بأننا نعيش في فترة ملأى بالتغيير إن لم تكن الفوضى بعد الأحداث الجيوسياسية التي تنطوي على أهمية حقيقية مثل تفكك مجموعة من الأنظمة في أعقاب انتهاء الحرب الباردة الأمر الذي حرم الأيديولوجيات والحركات الوطنية من أي فرصة تمكنها من متابعة الزعم بأن مشروعها يؤمن تحقيق مهمة كونية شاملة. ويضيف بأن هذا الواقع الجديد قد أدى إلى ازدهار فيض من الهويات السياسية ذات الخصوصية الاستثنائية في نفس الوقت الذي تمخض فيه أيضا عن صب الزيت على نار ما بعد الحداثة فيما يتعلق باليقينيات الفلسفية والسياسية والأخلاقية التي كانت حاضرة بقوة فبل نهاية الثمانينات وبداية التسعينيات من القرن الماضي. لقد ترافق ذلك مع مجموعة من الهزات الاقتصادية التي ظهرت في الحياة الاقتصادية وساهمت في تغلغل النظام الرأسمالي عالميا من خلال الشركات المتعددة الجنسيات غير القابلة للمحاسبة والأسواق المالية الآنية غير المنظمة. من جهته يرى آلبيرو أن حقبة الحداثة بقيادة الدولة القومية والتي تميزت بالنضال في سبيل تحكم الإنسان بالمكان والزمان والطبيعة والمجتمع قد وصلت إلى نهايتها بينما الحقبة الراهنة ليست نتاج مجموعة من النزاعات الدولية القوية التي جرى اختراعها فجأة إذ إن دوافع الحداثة والرأسمالية كانت واضحة منذ أوائل القرن التاسع عشر كانت تنطوي على عوامل عولمة إلا أن المختلف حاليا عن الماضي هو أن عمليات العولمة باتت مكثفة ومتسارعة ومستقلة. وطأة الاقتصاد إن تلك المتغيرات قد برزت بصورة أكبر في المجال الاقتصادي رغم أنها تتشكل بالفعل من سلسلة من التيارات التكنولوجية والاقتصادية الفاعلة على نحو مستقل عن بعضها البعض. لقد ظهرت تلك الإنجازات التقدمية غير المسبوقة للرأسمالية العالمية في المجال الاقتصادي في تكنولوجيا النقل والاتصالات والمعلومات حيث كان لها الأثر الكبير في صياغة الترابط والتماسك والتبعية المتبادلة التي تعزى للعولمة. ويضيف الباحث أن العولمة من منظور الأفراد تقوم بتعريضنا لتأثير انتشار مقلق من التأثيرات والخبرات فقد أخذت العولمة بزيادة تعميق التجربة الذاتية لنوع من الحياة المفككة والمتشردة عندما أوجدت زيادة في عدد العوالم المتاحة مما أدى إلى زيادة في التعددية شكلت قفزة في حياة البشرية. على مستوى آخر تبدو الأبعاد المختلفة للعولمة متداخلة مع مجموعة التغيرات الجيوسياسية وتعمل على إنتاج حشد متزاحم من المشكلات العالمية المترابطة التي لايمكن لمجتمع أن يعتبر نفسه بمنأى عنها الأمر الذي جعل تلك المشكلات قادرة على دفعنا للتفكير بأنفسنا بصورة جماعية ويظهر ذلك من خلال تكاثر المنظمات الدولية غير الحكومية التي يتوسع تعاون أعضائها بشكل عابر للقومية من أجل أهداف تتعلق بحقوق الإنسان والبيئة والمرأة والتنمية البديلة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©