الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ذاكرة الإمارات تتوهج شعراً

ذاكرة الإمارات تتوهج شعراً
9 سبتمبر 2009 23:41
يعتبر الشاعر صالح بن علي بن عزيز عبيد المنصوري أحد أهم رواد الشعر النبطي في الإمارات وأكثرهم تنوعاً في المواضيع وغزارة في الإنتاج، ولد العام 1939 في إمارة أبوظبي، بمنطقة الظفرة في بينونة بالمنطقة الغربية، وتطورت تجربته الشعرية التي انطلقت العام 1961، وصولاً لانضمامه إلى مجلس شعراء البادية، كذلك المشاركة في العديد من المنتديات الشعرية المحلية والخليجية. نتحدث هنا عن صاحب ديوان «فارس الشعر»، عن ذاكرة الإمارات في صورة شاعر رقيق وقصيدة نبطية ملتزمة بالمعنى الإنساني الجميل، والقيمة الفكرية النابعة من عبق الوطن ومن الذكريات الغافية في ذاكرة رجل تمتد تجربته الشعرية لأكثر من أربعين عاماً ضمن حالة إبداعية عاصر خلالها عمالقة القصيدة النبطية قبل ظهور النفط وفي حالة كانت تتسع لمساحات وفضاءات من الجمال والفرح والإبداع والتميز في تدوين مظاهر حياة البادية والصحراء بكل ما تحويه من مثل عليا وقيم إنسانية وعادات حميدة هي بمثابة قوانين حياتية يعترف بها الجميع حتى لقب بـ»أمير شعراء النبط». قدّم للديوان سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة رئيس نادي تراث الإمارات، ونقتطف من التقديم: «شاعرنا صالح بن عزيز المنصوري، شاعر فذَ مخضرم، نشأ في زاوية من زوايا الوطن، تقرؤه فيلج بكفي أجواء سفر عظيم، ينفتح واسعاً على أرض وفضاء وألوان وحركة، وأناس ووجوه، وحركات وسكنات، وخفقات قلوب ودفقات وجدان وخطوط حميمة حبيبة، هي تضاريس الحياة في بادية الإمارات التي نبعت من جفافها جداول الحب، وانسكبت على جبهتها التي لوَحتها الشمس ملامح الرجولة، وانبعثت من رمالها براعم الأمل الغامر وصيغت من أصالة إشراقة الغد من طرقات شتى أولها: هذه المقدرة الشعرية التي لا تفتأ الأبيات تبرهن عليها وتشعرك بأنك تجول في حدائق شاعر مبدع من المرتبة الأولى، تطيعه الصور وتنصاع له القوافي فيعزف على أوتارها أجمل الأنغام. وثانيها: هذه اللغة البليغة، وثالثها: هذه الصورة الحية النابضة التي حملتها القصائد من بيئة الشاعر البدوية في ليوا وبينونة. ورابعها: هذه المساجلات الشعرية التي دارت ودودة طوراً وحادة تارة بين الشاعر ورموز عصره من مشاهير الشعراء والأصدقاء». ديوان «فارس الشعر» الذي نحن بصدده، يقع في 332 صفحة من القطع الكبير من منشورات نادي تراث الإمارات، يتضمن نحو 300 قصيدة ضمَنها تنويعات من التغني بالوطن وبأرض الإمارات، والقنص والإبل والكرم والجود والشهامة، والمشاكاة (ما يعرف بقصيدة المردة)، والغزل العفيف والمديح وحياة أهل البادية والصحراء بكل خيالها الرحب الخصيب وتراثها وفنونها، امتزجت كل هذه المظاهر الشعرية في صورة شاعر ما زال يقف شامخاً على مفترق طرق القصيدة الشعبية بكل تفاصيلها ومفرداتها مثل نخلة عتيقة لم تهزها تغيرات التطور والزمن، فظل متمسكاً بالكلمة الذهبية: وهو كما يقول لا يملك سواها في حياته حتى أصبح متداخلاً بها: «فلم أقل الشعر كي أشتهر أو كي أحظى بالمركز والجاه والمال، وإنما ولدت والشعر جزء من كياني، ومفردة الكلمة المضيئة هي طريقي للتعبير عما أكنه من حب لهذا الوطن العزيز، فشعري كله حميمية، لا مجرد خطب لإبراز المهارات ودغدغة مشاعر الجمهور، فأنا شاعر تلقائي بسيط مثل بساطة الكلمة التي أشكلها بروح مرتبطة بالأرض وإنسانها الطيب، فعندما أرى الجمهور متداخلاً معي، مشدوداً إلى معاني قصائدي، فإنني أحلق معه، ولعل هذه هي المتعة الوحيدة التي اقتنصها من حرفة الشعر». يتطرق المنصوري في قصائد ديوانه إلى مواضيع شتى تهتم بالجانب الاجتماعي ومديح المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» ومن هذه القصائد: وعن الشمس واللاهوب زايد اظلالها، وزايد كسبها والمواكر رفيعة، يا مرحبا حييت يا الشيخ زايد، زعيم رايات المعزة كسبها، يا درعها يا سورها يا عمرها ، ومطلعها: يا مرحبا حيَيت يا صاحب الوفا يا عزَها يا نورها وافتخارها يا مرحبا حيَيت يا الشيخ زايد وإعداد ما يقفى الليـالي نهارها وشعبك يرحب بك على واضح النقا واللي كبير السن واللي صغارها وأيضاً على نحو ما جاء في قصيدته «حكمه على شعبه به الخير مامون « ونظمها العام 1982، وجاء في مطلعها: قال الذي عنده على القول مضمون يختار من زين المعاني دليلها يختار قاف صايب الحق مازون وماخذ حساب لحلها واتعديلها يا مرحبا بميات لكن ومليون مني تقلط صوب حضرة قبيلها كما تطرق إلى الغزل الجميل، والصحراء، والتغني بالوطن، إلى جانب الاهتمام بجوانب الحياة في البادية والصحراء ومن ذلك قصيدته المشهورة في وصف الابل، والمردات الشعرية أو المساجلات مع الشعراء والمشاكاة، وهي مظاهر تمتاز بها القصيدة النبطية، ومن أهم قصائد المشاكاة رده على إحدى قصائد الشاعر الراحل أحمد الكندي. كما تطرق في شعره إلى جميع مناحي الشعر النبطي، فقال الونة والردح والرثاء والاجتماعيات وشعر التغرودة وغيرها مما تطرب له أذن السامع، إذ ان قصائده تمتاز بسهولة ألفاظها وجزالة معانيها وتلقائيتها التي تصل إلى الجمهور بسهولة ويسر. ومن جملة قصائده في باب المساجلات تلك التي ردَ فيها على قصيدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وجاء في مطلعها: شيخ على زين المعاني فسرها حاكم حكيم القاف سيًس بناها نادر حرار وكل دار ذكرها ويدعي لها بالخير والله كساها راعي مهار شايعات خبرها تركض برايه عزَ بأقصى مداهـا ويعتبر المنصوري أن مساجلاته مع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هي من أمتع المساجلات وأكثرها قرباً من نفسه نظراً لجملة التنويعات التي تقوم عليها ويقول: «هذه المساجلات ساهمت كثيراً في تأصيل تجربتي الشعرية من خلال اثنتي عشرة قصيدة ما زالت ماثلة أمامي حتى هذه اللحظة، إلى جانب مساجلاتي المهمة مع عدد من الشعراء أمثال: محمد حميد بن خرباش المنصوري، وأحمد علي الكندي، ومحمد بن سعيد الرقراقي وغيرهم». ومن حياة البادية وجمال الصحراء، أورد المنصوري مجموعة من القصائد التي تتغنى بسفينة الصحراء، ومن ذلك قصيدته المشهورة التي يصف من خلالها إبله وهي بعنوان: «كم شمَسن في خايع فيه عنقود»: ذبيت في رزم على القاع زامي رزم على القيعان بيَن ومفنود واختار في القيفان وحكم نظامي واحرص عليها من لبس كل منقود وافرح بها لي ساعفت في الولامي لي جا سوال بين ناشد ومنشود وهنا نلحظ مدى اتساع الصورة والفضاء الذي يتحرك من خلاله الشاعر في إطار جملة من المعاني المركبة لتأكيد عنصر الوصف، وعلى هذا النحو نجد مفرداته القوية ولغته الرصينة في قصيدة الحروف الأبجدية بعنوان «الالف لف الحال كثر الهواجيس» التي تفرد في نظمها العام 1966، كذلك قصيدته في مدح الخيل، وفي باب الغزل الذي خصص له ثلاث عشرة قصيدة، ربما تكون قصيدة «حال يللي من هواهم امسايف واندمر» من أهمها وأكثرها توجعاً من المحبوب ونقتطف: من نشدني قلت طيَب وأنا حالي أبشر جعل ربي ينظر الحال ويدير الفلك حالي يللي من هواهم امسايف واندمر مثل زرع يوم يبست مساقيه هلك من هوى اللي حدني في محاذيف الخطر والصبر والميز وقف على تالي الدرك ويرى المنصوري «أن شعر الغزل يجب أن يكون مترفعاً وشفيفاً وبعيداً كلية عن الابتذال والشبهات، كما يجب أن تكون معانيه واضحة ومفهومة مهما كانت درجة إتقان القصيدة وبيئتها الفنية، لا أريد القول إن تكون قصيدتنا النبطية المعاصرة مستنسخة عن قصيدة الغزل العذري في معلقات الشعر الجاهلي وغيره، ولكني أود أن تكون صالحة للاستماع واحتياجات المجتمع والجمهور، بحيث تجعل من قيمة الحب قيمة إنسانية بالدرجة الأولى». وقد تضمن باب الغزل في هذا الديوان مجموعة من القصائد المختارة التي تتمتع بروح وثابة، وحيوية في صقل الصورة الفنية والمشهدية والتشبيهات: من قلب تلته مني امنيره، الله على الكرز، يا الله علاَم غيب الليالي، يا وجودي يوم قفَوا على المشراف مجبورة. القصيدة النبطية عند المنصوري وتحديداً في ديوانه «فارس الشعر» تبدو شعلة متوهجة، وهي ليست قاصرة الطرف أو عشوائية وغير قادرة على مواكبة التطور الشعري في العالم كما يدعي البعض إنها عنده كيان قائم بذاته وتاريخ إنساني ومجهود بشري وتعيش التراكم الحضاري مثل أي شخصية اعتبارية، ونريد من الذين يتصورون القصيدة النبطية أنها مجرد خيمة وصحراء وجمل ودلة قهوة وكلمات مصفوفة على حافة قافية أن يزيلوا هذا الوهم من رؤوسهم وليس أدل على ذلك هذا الزخم الإنساني والتقنية المتفردة التي نراها في قصائد هذا الديوان الذي يؤرخ لإنسان الإمارات من خلال الشعر. فهنا نتاج عميق، مملوء بذاكرة مشحونة بالصور والمفردات وأهمية المكان والزمان، إلى جانب مقدرة على استخدام المفردات وتطويعها ضمن إطار الاستفادة من الموروث الشعبي، وثقافة الصحراء، هذا إلى جانب سلاسة الكلمات في القصائد وجودة المعاني وطرافتها على حد سواء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©