الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«فلك الفسيفساء» يضيء جماليات الكتابة في أفريقيا

«فلك الفسيفساء» يضيء جماليات الكتابة في أفريقيا
9 سبتمبر 2009 23:42
«فلك الفسيفساء».. شعار استحوذ وبقوة على هوية مهرجان الشارقة للفنون الإسلامية في دورته الثانية عشرة، فمن خلال هذا المهرجان البانورامي الذي انطلق في الثاني والعشرين من شهر أغسطس الماضي ويستمر حتى الثلاثين من شهر سبتمبر الجاري استطاعت الحوارات الغائبة والمنسية بين شرق آسيا وغرب وشمال أفريقيا أن تتنفس مجدداً وأن تعيد الوصل المقطوع بين عشاق ومريدي الخط العربي والإسلامي وبين مخرجات هذا الفن العريق في مناطق مجهولة لم يسبق مشاهدتها والتعرف إليها في معارض شبيهة. مهرجان الشارقة للفنون الإسلامية من تنظيم إدارة الفنون التابعة لدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة وهو يقام سنوياً تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة بالتوازي مع حلول شهر رمضان المبارك وذلك لتعزيز الطابع الروحي والقيم الدينية الخاصة التي تحول الخطوط العربية والتنويعات الحروفية والزخرفة الطباعية إلى هالات قدسية ومدارات إيمانية تطبع المناسبة بتجليات الفن والروحنة والهيام الديني. اشتمل المهرجان على 150 فعالية متنوعة بين الورش والمعارض والندوات وتوزعت على إمارة الشارقة والمناطق الشرقية التابعة لها مثل خور فكان وكلباء ودبا الحصن وساهم في تفعيل ورعاية المهرجان حوالي ثلاثين مؤسسة حكومية ومحلية وعدة جهات خارجية. وفي هذا السياق يشير هشام المظلوم مدير إدارة الفنون والمنسق العام للمهرجان إلى أن مرور 12 عاماً على انطلاقة المهرجان يؤكد ويؤسس لعلاقة متجذرة مع الفنون الإسلامية وما رافق هذه الفنون من تطور ومزاوجة مع الحداثة والفنون البصرية المعاصرة. وحول مؤشرات ودلالات شعار «فلك الفسيفساء» الذي يطبع الدورة الحالية للمهرجان قال المظلوم: «هو شعار يكمل ما بدأناه مع شعار «طريق الحرير» في الدورة السابقة للمهرجان من حيث الرغبة القوية في توسيع رقعة المشاركة العربية والإسلامية والتعرف إلى الفنون والثقافات الإسلامية البعيدة والمجهولة، ومن هنا اخترنا «فلك الفسيفساء» بتوجيهات من صاحب السمو حاكم الشارقة للتواصل مع الفنون الإسلامية العريقة والمنسية في الوقت ذاته في وسط وشمال أفريقيا، وكلمة فلك تشير إلى براعة المسلمين الأوائل في التعامل مع علم الفلك للوصول أثناء فتوحاتهم الكبرى للمناطق المجهولة في أفريقيا، أما كلمة فسيفساء فتشير إلى ازدهار هذا الفن في شمال أفريقيا خصوصاً وإلى المعاني الضمنية للكلمة التي تجمع بين الغريب والمختلف والمتناقض لتشكل في النهاية صرحاً جمالياً مبهراً لفنون العمارة والخط والتزيين والزخرفة الذي تمتعت به هذه المنطقة من العالم». ونوه المظلوم إلى أن المهرجان يسعى أيضاً إلى إبراز التطور الذي وصلت إليه الفنون الإسلامية المعاصرة واستفادتها من التقنيات الجديدة في عالم الفن التشكيلي مع عدم إهمال أساسات ومنابع وأصول الفن الإسلامي العريق. واختتم المظلوم تصريحه بالإشارة إلى أن مهرجان الشارقة للفنون الإسلامية استطاع أن ينقل عدواه الجميلة إلى مناطق محلية وإقليمية عديدة وبالمسمى نفسه والبرامج المصاحبة، ما أدى للترويج للفنون الإسلامية واتساع رقعة وجودها في المنطقة كما في الكويت وقطر والإمارات بالتوازي مع الاهتمام المتزايد بهذا الضرب من الفن التشكيلي الذي يتمتع بالخصوصية وبالعالمية في الوقت ذاته». المعارض الكبرى كان المهرجان على موعد مع فعالياته الكبرى عندما افتتح صاحب السمو حاكم الشارقة المعرض العام للمهرجان في الثاني من شهر سبتمبر الجاري وهو المعرض الذي يشكل العمود الفقري لهذا الحدث الكبير الذي يشتمل على خمسة معارض محورية حملت هذا العام عناوين مدهشة هي: «متون وفنون من بلاد الشنقيط» و»نظرات وعبرات» و»طاقة الأبعاد» و»المرئي والمسموع» و»نزهة العيون». واحتوى معرض «متون وفنون من شنقيط» على 157 مخطوطة قادمة من موريتانيا وبامتداد زمني يصل إلى مئات السنين وتوزعت المخطوطات على عدة معارف دينية وأدبية مثل علوم القرآن والحديث والنحو والصرف والأدعية الصوفية بالإضافة إلى العديد من المصاحف المكتوبة بخط اليد وبإمكانات بسيطة ولكنها تبين مدى الجهد والدأب الذي رافق عمل الخطاط وهو يوازن بين دقة الحروف ووضوح المعاني وتناسق الخطوط، واحتوى المعرض أيضاً على صور ونماذج للأغلفة الجلدية التي تحمي هذه الوثائق والمخطوطات، وأساليب تزيين وتلوين هذه الأغلفة كي تعزز الجانب البصري والروحي للكتابة العربية والمعاني الدينية التي تتضمنها. وضم معرض «نظرات» للفنان المغربي المقيم في بريطانيا نور الدين الغماري أربعين صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود، التقطها الغماري في الأرياف والأحياء الشعبية الفقيرة في مصر والمغرب، وعبرت الصور بقوة عن جماليات البؤس والشحنة الروحية العالية التي تتمتع بها الأحياء القديمة وحالات الشخوص في أقاصي النبذ والعزلة، وتداخلات بورتريهات الغماري مع فضاءات الطفولة البعيدة عن الرفاهية والموصولة في الوقت ذاته بطاقة من الفرح والشفافية، والتي استطاعت كاميرا الفنان أن تلتقطها بعين شاعرة ورؤية لصيقة بالمكان والوجوه واستثمار العلاقة الوشيجة بين الفن والحياة. واحتوى معرض «المرئي والمسموع» الذي أكمل عامه الثاني عشر على مائة وخمس عشرة لوحة حروفية عربية وأعمال خزفية لأربعين خطاطاً مواطناً ومقيماً في أرض الدولة تمثل الخط العربي بأنواعه كلها، وتوزعت أعمال المعرض بين اللوحات التقليدية والأخرى التي تعتمد على الفراغ والمنظور من أجل إحياء الإيقاع القوي والمتدفق للحرف العربي، وما يتميز به هذا الخط من خصوصية وقداسة وجماليات تتضاعف ميزاتها مع قدرة كل فنان على استجلاب الفرادة والأسلوبية في طريقة عمله، وفي تعامله مع الخامة المستخدمة وتطويعها من أجل إغواء المتلقي وتنمية ذائقته البصرية. وشهد معرض «نزهة العيون» تجربة فريدة في تاريخ الخط العربي، حيث تمّ استخدام خامة الكريستال لإعادة إنتاج أربعة وثمانين عملاً حروفياً لخمسة وعشرين خطاطاً بينهم العديد من الخطاطين المواطنين بالتعاون مع إحدى المؤسسات المتخصصة في تصنيع الكريستال بدولة التشيك أو «بوهيميا» كما كان يطلق عليها في الأزمان البعيدة. وفي معرض «طاقة الأبعاد» قدم الفنان المغربي محمد عزيز شفشوني خمسة عشر عملاً أطلق عليها «المتحف الافتراضي» ذلك أنه لجأ لتقنية إلكترونية تعتمد على الأبعاد الثلاثية من أجل إبراز جماليات الفسيفساء والخط العربي بتقنية عرض أقرب ما تكون إلى عروض الفيديو حيث حمل كل منها عنواناً لافتاً وموازياً لمخرجات مدهشة عمل الفنان بخبرة ودراية على تشكيلها من أجل التجديد داخل إطار المحافظة والتقليدية، ففي عمله الذي حمل عنوان: «ولادة العناصر»، استطاع الفنان أن يعيد تركيب الخط العربي من خلال تقنية معاصرة ومبتكرة منحت هذا الخط طاقة جديدة للتعبير عن إمكاناته البصرية الهائلة والمتشعبة. معارض المنطقة الشرقية امتدت فعاليات وبرامج المهرجان إلى المناطق الشرقية التابعة لإمارة الشارقة مثل كلباء وخور فكان ودبا الحصن لتضخ أنشطة واسعة ومتعددة وسط المهتمين في هذه المناطق وتحقيق الهدف العام للمهرجان وهو الترويج للفنون الإسلامية واستقطاب المواهب الشابة وتعريفها بأصول وأسرار هذا الفن العريق والمتداخل مع الفنون المعاصرة. وأحيت قرية الفنون والمراكز الثقافية بإشراف قسم البرامج المحلية والدولية في المنطقة الشرقية عدة ورش ومعارض تترجم رؤى وطاقات الفنانين في المنطقة الشرقية كما في معرض: «رتوش الفسيفساء» و» ضوء الحروف» و»عدسة الموزاييك» و»المعشقات» و»مداد الوطن». ففي معرض: «عدسة الموزاييك» قدم المشاركون 55 عملاً تمثلت في الصور الرقمية المعبرة عن أجواء المنطقة الشرقية في الشهر الفضيل، بالإضافة إلى ملامح المعمار الإسلامي في الإمارات والمتمثلة في القبب والمآذن والزخارف الخارجية والداخلية للمساجد والاجتهادات الخاصة للفنانين والمستلهمة من أغلفة المصاحف والآيات القرآنية ومن فكرة التنزيه ونبذ التشبيه في الفنون الإسلامية المبكرة. وفي معرض «معشقات» قدم المشاركون 80 عملاً فنياً ما بين الرسم والنحت والأعمال الخزفية التي تمثل مشاريع فنية مرتبطة بأصالة الفن الإسلامي ومرادفاته التشكيلية مثل صك العملات والابتكارات الحروفية والزخارف وفنون الموزاييك والحفر على المعدن وفنون السيراميك والتكوينات النباتية. أما معرض ضوء الحروف فقد اشتمل على مساهمات فنية اشتغلت على الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة والأدعية وذلك من خلال التنويعات الحروفية للخط العربي المتماوجة مع إيقاع الروح. واستطاع معرض: «مداد الوطن» المخصص للخطاطين المواطنين أن يستقطب 60 عملاً قدمها 22 فناناً من الخطاطين الإماراتيين وهو المعرض الأول من نوعه الذي يضم هذا الكم من الأعمال الحروفية المتوافرة على قدر كبير من الوعى والدراية بفن الخط العربي وبمداراته التشكيلية التي لا تصطدم بالتقليد والمجاراة، بل تستفيد من الارتجال وتجريب الأدوات ووضع البصمة المتفردة للفنان من حيث تجاوزه للحد الكلاسيكي وذهابه إلى مناطق جديدة ومدهشة في حقول الكتابة والنقش والتزيين. وكما تقول مدونة المعرض فإن هذا الحدث «استطاع أن يجمع إبداعات وأعمال نخبة من الخطاطين المحترفين والهواة الذين جسدوا ملامح من الفن الإسلامي الموشاة بالآيات القرآنية المزخرفة بأنواع الخطوط العربية الأصيلة، بالإضافة إلى تقديم مجموعة من أعمال الخط العربي، ممزوجاً بالزخارف الإسلامية، مستلهماً عبق الماضي في أعمال فنية تمثل التطور الذي وصلت إليه هذه الفنون عند هؤلاء المبدعين من أبناء هذا البلد المعطاء لتكون لوحاتهم بحق حروفاً عربية بأنامل إماراتية».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©