الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معرفة السياقات (7)

معرفة السياقات (7)
9 سبتمبر 2009 23:45
تعتمد الثقافة الشعرية على ألوان من المعرفة بالحياة وسياقاتها المختلفة، وقدرتها على توظيف القول الجميل فى مختلف هذه السياقات؛ فقيمة الشعر لا تكمن في نصوصه وحدها، بقدر ما تتعلق بدرجة تلاؤمه وانسجامه مع معطيات التواصل الجمالي في المواقف والتجارب المختلفة. وقد قيل لبشار إنك لتجيء بالشيء الهجين المتفاوت، بينما تقول شعرا تثير به النفع وتخلع القلوب مثل قولك: إذا ما أغضبنا غضبة مُضَريّة هتكنا حجاب الشمس أو تمطر الدما إذا ما أعرنا سيدا من قبيلة ذرى منبر صلى علينا وسلما تقول: ربابة ربة البيت تصب الخل في الزيت لها عشر دجاجات وديك حسن الصوت قال بشار: لكل وجه وموضع، فقال الأول جدّ، وهذا قلته في ربابة جاريتي، وأنا لا آكل البيض من السوق، وربابة لها عشر دجاجات وديك، فهي تجمع لي البيض وتحفظه عندها، فهذا عندها من قولي أحسن من: «قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل» عندك. بهذه البساطة التلقائية يشرح بشار لمحدثه مستويات الشعر المرتبطة بأطراف الخطاب وسياقاته المتنوعة، مشيرا إلى دور المتلقي في تحديد هذه المستويات بشكل يتساوى أمام الجميع في حقهم الشعري وحاجاتهم الجمالية. ولعل هذا الإحساس العميق بتساوي الجميع أمام الحاجة الشعرية، مهما اختلفت أصولهم العرقية، أو أوضاعهم الاجتماعية والثقافية، وهو الذي يجعله يدافع عن الشورى أو الديموقراطية بكلمة عصره في أبياته السائرة: إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن برأي حكيم أو نصيحة حازم ولا تجعل الشورى عليك غضاضة فإن الخوافي قوة للقوادم وما خير كف أمسك الغُلُّ أختها وما خير سيف لم يؤيد بقائم ويمضي الأصفهاني عقب رواية هذه الأبيات بحكاية حوار طريف أعقبها، إذ يروي عن الأصمعي أنه قال لبشار: يا أبا معاذ، إن الناس يعجبون من أبياتك في المشورة، فقال لي: يا أبا سعيد، إن المشاور بين صواب يفوز بثمرته أو خطأ يشارك في مكروهه، فقلت له: أنت والله في قولك هذا أشعر منك في شعرك». وإذا كان الشعر يستعين بالصور في الدعوة للأخذ بالشورى، إذ يمثل قوة المجتمع المضافة لأصحاب السلطنة بالخوافي التي تضاف للقوادم فتعين الطير على التحليق، ويشبهها مرة أخرى باليد التي تضاف لأختها والسيف الذي تدعمه القوائم، فإن التعليل النثري الذي يعزز به بشار رأيه يستخدم المنطق والمنفعة في الأخذ بالشورى، لأن الرأي إن كان صائبا فاز صاحب السلطة بثمرته، وإن كان خطأ تخفف من مسؤوليته وأبرأ ذمته بالمشاركة فيه، ولعل توازي الجمل ومنطقة التقابل هي التي تضفي شعرية جميلة على العبارة النثرية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©