الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إيّاكِ أَعْنِي واسْمَعي يا جارَة!

إيّاكِ أَعْنِي واسْمَعي يا جارَة!
9 سبتمبر 2009 23:46
لهذا المثل حكايةٌ غراميّة جميلة، ويدلّ سياقُه على مكارم الأخلاق التي كان يتمتّع بها بعض العرب على عهد الجاهليّة. وقد تفرّد الميداني وحدَه، في كتابه «مجمع الأمثال»، بذِكْر الحكاية التي أفضتْ إلى سَيرورة هذا المثل الذي أصبح من أشهر الأمثال العربيّة، ولا يزال مستعمَلاً بمعناه في معظم الأقطار العربيّة، كما في بلدان المغرب العربيّ حيث يُعرفُ تحت نصّ: «الكلام عليّ والمعنى على جارتي»! ولم نجد أحداً فيما وقع لنا من مصادر التراث تحدّث عن حكاية مناسبة هذا المثل غير الميداني، على الرّغم من أنّه ورد كثيراً في الكتابات العربيّة القديمة بما فيها بعض التفاسير. فقد سافر يوماً سهل بن مالك الفَزاريّ يريد النعمان بن المنذر، ومرّ في طريقه ببلاد طيئ، فنزل ببعض أحيائها، فلمّا سأل عن سيّدها لينزل عليه، قيل له: حارثة بن لام، فقصد جَنابَه. لكنّه وجده مسافراً، فرحّبت به أختٌ له وهي تقول له: انزل على الرحب والسَّعة! ولم تألُ جهداً في الإكرام والحفاوة والتَّرحاب والملاطفة. فلمّا خرجت من خبائها رأى سهل بن مالك أجمل نساء زمنها، وكانت عقيلةَ قومها، وقد وقعت من قلبه موقعاً عظيماً، فلم يدرِ كيف يفاتحها فيما وقع فيه منها، فرأى أن يجلسَ بفِناء خبائها، بحيث تسمع كلامَه، وتراه، من حيث هو لا يراها، وهو يقول: يا خيرَ أُخْتِ الْبَدْوِ والحضارَهْ كيفَ ترَيْنَ في فَتَى فَزَارَهْ؟ أصبح يَهْوَى حُرَّةً مِعْطارَهْ إيّاكِ أَعْنِي واسمَعِي يا جارَه! فلمّا سمعت كلامه عرفت أنّه إيّاها يَعْنِي، فأجابتْه ببيتين، كما خاطبها هو ببيتين من الشعر أيضاً: إنّي أقول: يا فتى فـزارهْ لا أبتغي الزوجَ ولا الدّعارهْ ولا فِراقَ أهلِ هذي الجارَه فارحلْ إلى أهلكَ باستخارَهْ ويقال إنّ الرجل استحيى، وهي أيضا استحيتْ، وكأنّها تسرّعتْ، ولم تفهم قصدَه. وذهب إلى النعمان فأكرمه، ولما عاد نزل على أخيها، وهو حينئذ مقيمٌ، ولم يزل قلبه متعلّقاً بها، فخطبها إلى أخيها، فزوّجه إيّاها، ثمّ عاد بها إلى قومه. ويأتي الضعف إلى حكاية هذا المثل من حيث أمرانِ اثنان: من حيث معناه، إذْ هو في الحقيقة، لم يكن يخاطب إلاّ إيّاها، فهي التي كانت تسمعه، وقد جلس بجوار خبائها، فكيف يقول: إيّاك أعني واسمعي يا جاره؟ لأنّ سياق نصّ المثل يقتضي أنّه كان يخاطبُ جارةً لها، في الوقت الذي يقصدها هي. ولقد يعني هذا أنّ هناك بتْراً ونقصاً في الحكاية، وإلاّ فالحكاية كلّها غير صحيحة. ومن حيث لفظُهُ حين تقول المرأة: «ولا فراقَ أهلِ هذي الجارة»: فمن هذه الجارة التي تأبى أن تُزايِلَها فتظلّ بجوارها؟ فهل هي التي لم تُذكرْ في حكاية مناسبة المثل، وإلاّ فقد كان يجب أن يكون الكلام: «ولا فِراق أهل هذي الدّارَة»، حيث إنّ الدّارةَ تأتي لغةً في الدّار، أي أنها لم ترد أن تفارق دار أهلها إلى بلاد بعيدة فتمسي غريبةً. يضاف إلى كلّ ذلك سهولة لغة هذا الشعر. وأيّاً ما يكنِ الشأنُ، فهي حكاية جميلة، وتصلُح أن تُحوَّلَ، بسهولة، إلى فيلم سينمائيّ. ويُضرب هذا المثل للشيء تتحدث عنه، وأنت تريد غيرَه على سبيل التعريض.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©