الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

تهذيب وإصلاح

تهذيب وإصلاح
10 سبتمبر 2009 00:08
هناك مقولة معروفة نسمعها دائما في المسلسلات والأفلام العربية تقول إن السجن تهذيب وتأديب وإصلاح، وهي مقولة قد تبدو صحيحة إلى حد كبير وفي معظم الظروف..ولكن الجديد أنني مع تعدد سفراتي لاحظت شيئا يمكن إضافته كمقولة جديدة هي: الطيران تهذيب وتأديب وإصلاح ! عندما يدخل الركاب إلى الطائرة تتملكهم حالة غريبة من الرقي والتأدب..تنخفض أصواتهم، يتبادلون التحية، يشكرون المضيفات، يساعدون بعضهم بعضاً، يتبادلون الأحاديث اللطيفة التي تتسم بالمجاملة. حالة غريبة من التآلف واللطف والهدوء..ربما شعور بأن هناك ما يجمعهم معاً لمدة ساعات، وأنهم قد تم عزلهم عن العالم في هذا المكان الضيق..وأن مصائرهم بل حياتهم يربطها ذلك المكان..ولو لفترة قصيرة من الوقت. المهم أن الركاب تصيبهم حالة نفسية لا أعرف في الحقيقة تفسيرها العلمي، كل راكب يحاول الظهور بأنه على أعلى مستوى من الفهم والثقافة والمعرفة..ولا يتوانى في الرد على أي استفسار بصيغة العالم بكل شيء وببواطن الأمور، وتجد راكبا آخر على أتم استعداد للتدخل في أي حديث بين راكبين آخرين، حتى لو كانا خلفه أو أمامه ولا يشعران بوجوده. وعندما يتم تقديم الوجبات، تجد الركاب في حالة توتر..عليهم أن يأكلوا بالملعقة والشوكة والسكين في هذا المكان الضيق..وفي حيز الكرسي الضيق..دون سقوط حبة أرز واحدة..ويصبح كل منهم خبيراً في استخدام أدوات الطعام..وعندما تسأل المضيفة عن المشروب المطلوب، تجد الراكب يرد بخجل وبصوت منخفض. تصوروا معي أنه وسط هذه الأجواء الراقية أو مصطنعة الرقي..تجد راكبا يخطئ أو يقوم بتصرف غير مقبول، وقتها ستجد راكبا آخر يسارع بإبلاغه عن الخطأ الذي يرتكبه، بينما يقوم راكب ثالث بشرح الخطأ له وما يمكن أن يسببه من مشاكل..ثم يلتفت إلى راكب رابع ويفتح معه حواراً عن خطأ الراكب الأول! السؤال الذي يراودني دائماً هو لماذا في الطائرة بالذات يتغير سلوكنا، لماذا لا يحدث هذا مثلاً في وسائل مواصلات أخرى..أو لا يحدث في المقاهي والأماكن العامة التي يتجمع فيها الناس على الأرض..؟! لماذا في الأجواء تحديداً وأنت على متن الطائرة يتغير السلوك البشري، حالة غريبة وعجيبة أتابعها منذ سنوات طويلة..ولا تتغير. في البداية كنت أعتقد أن عدم اعتياد الناس على ركوب الطائرة قد يجعلهم يتصرفون بهذا الشكل، ولكن مع الوقت، ومع اعتياد الناس على ركوب الطائرات وتطور الطيران وزيادة عدد الركاب والرحلات، لم يتغير أي شيء، نفس السلوك ونفس التصرفات المصطنعة. وليس هناك إلا شيء واحد يمكن أن نصف به هذه الظاهرة..وهي أن الطيران تأديب وتهذيب وإصلاح، وسوف تظل تلك الحقيقة قائمة طالما ظل الناس على ما هم عليه..! وحياكم الله إبراهيم الذهلي رئيس تحرير مجلة أسفار السياحية Email: a_thahli@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©