الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثورة اليابان الاجتماعية

10 سبتمبر 2009 00:21
ربما كان أصدق وأدق تعبير قيل في وصف الانتخابات البرلمانية ونتائجها إنها ثورة اجتماعية، أو بداية ثورة اجتماعية، تلوح في الأفق بعد خمسة وخمسين عاماً (من 1955 إلى 2009) تربع خلالها على سدة الحكم حزب «الأحرار الديمقراطيين»، وظلت أثناءها أجيال من السياسيين اليابانيين الذين أسسوا هذا الحزب الذي يمثل مصالح الصناعيين والرأسماليين المتحالفين مع البيروقراطية اليابانية من بقايا الموظفين المدنيين الكبار الذين خدموا الامبراطورية اليابانية، وأبقاهم الاحتلال الأميركي في مناصبهم العليا، على أمل ألا ينفرط عقد المجتمع الياباني بعد هزيمة طوكيو في الحرب العالمية الثانية. سياسيو حزب «الأحرار الديمقراطيين» يوصف في العالم وخاصة لدى الأميركيين أنه هو الذي حقق «المعجزة» اليابانية وإعادة بناء اليابان المهزومة من ركام ودمار الحرب حتى أصبحت اليابان بالدعم الأميركي ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة. وكانت صورة اليابان المشرقة نموذجاً وصورة لنجاح النظام الرأسمالي الغربي وحتى أصبحت شبيهة بالولايات المتحدة وظلت التكنولوجيا اليابانية -خاصة في مجالات السيارات وصناعة التلفزيون والفيديو...إلخ- تقود العالم في هذه المجالات، وأصبحت تنافس حليفها وخالقها من جديد الولايات المتحدة. وظل العالم المبهور بـ (المعجزة) اليابانية ينظر لليابانيين وقياداتهم السياسية الحاكمة بتقدير كبير وأحياناً بحسد وغيرة. لكن الصورة الحقيقية لليابان ولحياة المواطنين اليابانية كانت تغطى عليها أنوار النيون الباهرة. لكن حياة صناع «المعجزة اليابانية» الحقيقيين من عمال ومزارعين ومهندسين ومثقفين، كانت وما تزال غالبيتهم بائسة، والعامل الياباني الذي يُضرب به المثل في الانضباط والاجتهاد في العمل لم تنعكس عليه آثار نعمة المعجزة اليابانية الذي هو من صناعها. ورغم أن اليابان شكلا هي دولة ديمقراطية ذات نظام متعدد الأحزاب، لكنها كانت حتى عشية الانتخابات الأخيرة يحكمها حزب واحد هو حزب «الأحرار الديمقراطيين» ومؤيديه من أصحاب الثروة والجاه والميراث الامبراطوري. وليس في الديمقراطيات الغربية كلها بلد ظل يحكمه لأكثر من نصف قرن حزب واحد، وهو حزب تتعدد داخله مراكز القوى ويسيطر عليه (عواجيز) الحزب الذين خلفهم ويخلفهم أبناؤهم ومن بعدهم أحفادهم. حزب «اليابان الديمقراطي» وحلفاؤه الذين اكتسحوا «الحزب الحاكم الدائم» قد أدركوا اللحظة التاريخية لتغيير اليابان القديمة وسياساتها التي وصلت نهايتها وتدهور حال الاقتصاد والمجتمع الياباني لدرجة أن اليابان (رغم أنها ما تزال القوة الاقتصادية الثانية) قد ظلت في السنوات الأخيرة -وقبل انفجار الأزمة المالية العالمية- على درجة من السوء والضعف. فالفقر والفقراء يزداد عددهم، والقوى البشرية العاملة قد شاخت، والمرأة اليابانية ما زالت تعيش أسيرة لتقاليد المجتمع الاقطاعي الامبراطوري، ولم ترتفع مكانتها اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً. ومن بين كل الديمقراطيات، فإن عدد العاملات اليابانيات في جهاز الخدمة المدنية والسياسية يجعل اليابان في أسفل درجات السلم من حيث تشغيل المرأة. وطلاب العلم حتى في المدارس الثانوية عليهم أن يدفعوا ثمن تعليمهم الغالي والمكلف وهي مرحلة تجاوزتها كل الدول الغنية والمتوسطة الحال حتى في بعض بلدان أفريقيا وآسيا. والأجور لم ترتفع ولو بنسبة قريبة من حالة ارتفاع أسعار السلع حتى الضرورية، ولذلك فإن برنامج الحزب الديمقراطي الياباني القادم لإحداث وقيادة ثورة التغيير نجح ولأول مرة في مخاطبة الناخبين وهمومهم ومشاكلهم الحياتية. وشهدت اليابان البلد المعروف عنه عزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات أكبر اندفاع وحماس من الناخبين وخاصة النساء والشباب للمساهمة في الانتخابات التي وصفت نتائجها بأنها ثورة اجتماعية أو بداية لثورة اجتماعية. وفي برنامجه الانتخابي التزم الحزب -وهو عازم كما قال رئيس الوزراء القادم- على الوفاء بالتزاماته للناخبين بتخصيص مبلغ مائتي بليون دولار لتوزيعها على الأسر الفقيرة وأصحاب الدخول المحدودة، والتزم بجعل التعليم الثانوي مجانياً، وصرف بلايين الدولارات لتحسين الخدمات الصحية والاجتماعية.. وفي السياسة الخارجية أعلن الحزب التزامه بتحسين وتطوير العلاقات مع الصين وكوريا وتخفيف الاعتماد على الولايات المتحدة والسعي لتحقيق مكانة تليق باليابان في الأمم المتحدة والمساهمة النشطة في قوات حفظ السلام الدولية. رياح التغيير التي أطلقها أوباما وصلت إلى اليابان، وهذا القرن الجديد هو قرن التغيير في كل بلدان المعمورة، والعاقل من يجد ويصدق في اللحاق بقطار التغيير الدولي. وستحقق اليابان ثورتها الاجتماعية لأن قادة الحزب الحاكم قد أدركوا تلك الحقيقة وعرفوا وأدركوا اللحظة التاريخية عندما جاء وقتها. عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©