السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الساري وشمة والقواس يعزفون للحب والحياة والألم

الساري وشمة والقواس يعزفون للحب والحياة والألم
24 مارس 2012
هم ثلاثة من صناع الموسيقى يعملون دوماً لإدراك مناطق غير مأهولة من تضاريسها الوعرة، تتقاطع هواجسهم عند اكتشاف الأماكن البكر والوصول إلى ما عجز عنه الآخرون .. هذا هو شأن المبدعين دوماً، وهكذا يفعل المبتكرون ... ثلاثتهم يستضيفهم مهرجان أبوظبي في دورته الراهنة، يتيح المجال أمامهم لإدهاش الجمهور بجديدهم المختلف، ويمنحهم الفرصة للارتقاء بالذائقة الإصغائية نحو حدودها القصوى .. يعزفون وهم، من خلال عزفهم الاستثنائي، يضعون علامات مضيئة تشير نحو الأرقى الذي يعد به الفن الحقيقي عادة، ويقوم بأعبائه المخلصون من أبنائه .. في مقدم هؤلاء الأبناء يقف فيصل الساري، ونصير شمة، وهبة القواس.. علي العزير (أبوظبي) - من موقعه المطل على القادم من الإنجاز الموسيقي، يؤكد العازف الإماراتي فيصل الساري أن التجربة هي التي قادته نحو الخوض في المسكوت عنه، ورصد العلاقة بين المدارس الموسيقية المختلفة، وهي أيضاً التي أتاحت له الفرصة لإقامة صلات، كانت تبدو مستحيلة، بين الجاز الغربي والتخت الموسيقي الشرقي، وفي مقدم أركانه آلة العود الوترية التي كان الظن أنها قاصرة على استلهام المناخ الشرقي وحده. يوضح الساري أنه تعمق في دراسة الموسيقى الغربية، بما أتاح له فرصة رصد القواعد الناظمة لبنيتها التكوينية، وقد أمكنه عبر متابعات دؤوبة عقد مقارنات بينها والموسيقى الشرقية ومقاماتها المتميزة، هذا الجهد المكثف والحثيث قاده نحو استنتاجات تبدو مباغتة للعاملين في الحقل الموسيقي، إذ تبين له أن الإبداع الحقيقي إنما هو عمل تراكمي يقبل التآلف والتجانس على الرغم من التباين الأولي في مكوناته، وأن للعود، هذه الآلة الموسيقية المبالغة في شرقيتها، قدرة على التقاط النوتات الغربية، والتعبير عنها بما يحقق إمكانية التناغم والاندماج. تقاطع المتوازيين هو خروج عن المألوف، كما يقول الساري، لكنه من الجهة المقابلة هو دخول في العمق، وتوغل نحو الأقاصي التي تتلاقى عندها أوليات الفعل الموسيقي، هكذا، وهكذا فقط، يغدو ممكناً للجاز والروك آند رول أن تصاغ على أوتار العود، وهكذا أيضاً يتقاطع الخطان اللذان كان الظن أنهما متوازيان في الموسيقى، وأن واحدهما ينهج شرقاً فيما يمضي الآخر نحو الغرب ومنه. ما يحق لفيصل الساري أن يعتبره إنجازاً في علم الموسيقى يتمحور حول اكتشاف الطاقات الكامنة في مهارات العزف من جهة، وفي الآلة الموسيقية من جهة أخرى، هذه الثوابت الوهمية التي لا تُرى بالعين المجردة، ولا تُحس بالأنامل العارية، إنما هي تُستوحى وتُستلهم بالحدس الفني وحده، هي التي تمنح المبدع إمكانية القفز فوق ما اعتبر سدوداً فاصلة، تمنع التواصل بين الأجناس المتنوعة للمنجز الموسيقي. تأسيساً على تجربته العابرة للفوالق الجغرافية كان منطقياً أن يحمل الألبوم الجديد لفيصل الساري عنوان: «مزيج»، وأن يكون كذلك فعلاً، أي أن يقيم خلطته الفنية المتقنة التي تختار المتناقضات كمكونات لها لتكون النكهة متفردة في محصلتها، استناداً إلى هذه الرؤية بنى العازف معماره الموسيقي، الذي يتوقع له أن يشهد مزيداً من الارتفاع مستقبلاً، ذلك أن الهدف الحقيقي من أي حراك فني هو ترك بصمة إبداعية متميزة تتأتى من إضافة ذات سمة نوعية على ميدان الفعل الفني. وحدة الوجع بدوره، يطل العازف العراقي نصير شمة من التجارب الحياتية المعيشة ليطرح رؤيته المتجددة اعتماداً على تواصل خفي بين الواقع المادي والمتخيل الإبداعي.. من وراء مقطوعته الجديدة «بابا عمرو» يحاول شمة أن يقول بوحدة الوجع الإنساني، وأن يعلن أن الفن الحقيقي هو ما جاء مختزلاً لآلام الناس وآمالهم، يروي نصير الحكاية على وقع الوجدان المتوثب: كان أحد الشباب من محلة «بابا عمرو» التي شهدت أحداثاً أليمة مؤخراً، يتواصل معنا، وكان بين ما قاله: «نحن نحتاج إلى توابيت»! أردت أن أقول له بعد استشهاده أن قصته، وأبناء وطنه، ستخلد أكثر من أعمارنا جميعاً، وأن «بابا عمرو»، كما «العامرية» التي تؤرخ لمجازر العراق، ستعيش أكثر من الأحداث التي أقيمت على هديها، وستتخطى إطار التجربة التي تم استلهامها منها. ربيع إبداعي عن جديده الإبداعي يقول شمة: هو بمجمله استلهام لتفاصيل، ما يسمى، الربيع العربي، لحكايات الشهداء والحرية، سيكون احتفاء بهذه الإنجازات المميزة، والتقاطاً لهذه اللحظات المضيئة، ومحاولة للارتقاء إلى مستوى الطاقات البشرية التي صاغتها، وسعياً لامتلاك القدرة على تجسيدها. وعن الصلة التي تجمع بين الحدث الواقعي المؤثر والمبدع، يقول شمة: من البديهي للفنان الحقيقي أن يتأثر بالمناخ النفسي والإنساني الذي يحيط به، وهو بالتأكيد يمتلك القدرة على التقاط الأحداث التي تتداعى حوله، لكن من المهم أن يكون قادراً على تجسيدها بما يليق بها، أي أن يتمكن من استيعاب جوهرها المكافئ للوجع الآدمي، ويستطيع التعبير عن ذلك الوجع بأحاسيس صادقة، ومشاعر متقدة، إضافة إلى أسلوب فني ملائم. أحلام العازف في الجديد الذي يحيط بتجربة نصير شمة الإبداعية ثمة مؤلف كتابي عن تجربته الفنية، وإنجازاته الموسيقية، يحمل عنوان «أحلام عازف الخشبة»، وهو تم وضعه بالتنسيق مع مهرجان أبوظبي الذي يقيم منذ بداية انطلاقته الأولى شراكة إبداعية مع العازف الموسيقي. عن هذا المنتج يقول محدثنا: «كنت متردداً في إبداء الموافقة على ظهور الكتاب، فالمتعارف عليه لدينا أن الكتابة عن مبدع ما تعني نهايته، ذلك أننا نميل لوضع الأوسمة على التوابيت فقط، لكن إصرار الجهة المنظمة جعلني أوافق على الأمر».. في ختام حديثه، يؤكد شمة انتماؤه للوجع الإنساني، أياً كان منشأه فيقول: «وحده الألم الذي يحيط بي هو ما يشعرني بوجودي، وأرى أننا مقبلون على المزيد منه، ويبدو الأمر كما لو أنه قدر بالنسبة لنا، فمنذ أن كنا أطفالاً كنا نوفر مصروفنا اليومي لنرسله إلى طفل بعمرنا في فلسطين، وكبرنا فكبر الوجع من حولنا، وفي داخلنا أيضاً».. جسر مع المستمع كعادتها في الإنجاز، قامت قواس بوضع الموسيقى المواكبة لأغنيات الألبوم، وتولت عملية التوزيع أيضاً، وهي تقول إن ألحانها جاءت موزعة بين شرق وغرب، متوقعة أن ينهض الألبوم الجديد بمهمة التجسير بينها والمستمع العربي، ذلك أن المذاق العربي في كلماته وألحانه يأتي صافياً لا تشوبه شائبة، وتتوقف هبة عن أغنية «لأني أحيا» الذي يحمل الألبوم اسمها، وهي تمثل تبصراً في حرفة صناعة الحياة، وفي كيفية التقاط الشرارات المتقدة التي تتيح إشعال الكوامن الإبداعية والنفسية لتجعل الحياة جديرة بالعيش. لا يفوت قواس أن تشيد بمهرجان أبوظبي، وبما يتيحه من فرصة للتواصل بين فنانين مميزين وجمهور نخبوي يحسن الإصغاء، ويجيد التمييز بين الجيد والرديء، كذلك هي ترى أنه ليس من قبيل الصدفة أن يقام مثل المهرجان في دولة الإمارات العربية المتحدة، فالإمارات عامة، وأبوظبي خصوصاً، أخذت على عاتقها مهمة التأسيس والنهوض بمشروع إبداعي عربي جدير بالوقوف في موازاة الإنجازات العالمية المميزة، ونحن نشهد تحولاً نوعياً في محتويات هذا المهرجان عاماً بعد عام.. رحلة في الغناء الصوفي تأتي الفنانة هبة القواس إلى المشهد وفي جعبتها ألبوم جديد يحمل عنوان: «لأني أحيا»، تقول عنه إنه يحمل الدعوة للحياة من خلال الحب، وهو يمثل رحلة في الغناء الصوفي على امتداد تاريخ طويل يبدأ من الحلاج، ليصل إلى أنسي الحاج وندى الحاج، وهدى النعماني، وذلك في تعبير عن التجلي الحقيقي للحب، حيث يبدأ من الحبيب بمعناه المألوف ليصل إلى الله.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©