الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غياب الأب عن العائلة يفقدها مظلة الأمان النفسي

غياب الأب عن العائلة يفقدها مظلة الأمان النفسي
20 مايو 2010 21:34
كم هو جميل أن تحظى الأسرة بقائدها، وكم هو رائع ذلك المشهد حين يضم الأب أطفاله، يحتويهم بالحب والأمان والاستقرار. لكن، في مقابل ذلك، كما هو مؤسف ومؤلم غياب الأب، وانحسار دوره الرئيسي على صعيد الأسرة، بالتأكيد أنَّ الأسرة ستصبح حينها بلا قائد، سفينة تائهة في بحر الحياة في غياب قبطانها، تتلاطم مع أمواج المشاكل من هنا وهناك حينا، و حيناآخر نجد الانكسار والحزن واضحين في أعين أفرادها، يتساءلون كيف ستكون حياتهم في غياب ربان السفينة. غياب الأب عن البيت ليس ظاهرة نادرة تؤكد جميلة إسماعيل (موظفة وأم لأربعة أبناء) ففي الماضي، عندما كان رب الأسرة يذهب إلى الغوص لأشهر طويلة، كانت الأم هي المسؤولة عن شؤون البيت، ومع ذلك لم يحدث خلل أو انحراف داخل الأسرة. وتوضح جميلة: «بالنسبة لي فأنا أقوم بدور الأب والأم، نظراً لظروف عمل زوجي، هو يضطر إلى السفر لخارج الدولة لفترات طويلة، وعلى الرغم من إحساسي بالفراغ الذي يتركه، إلا أن اتصالاته المستمرة تعوضنا بعض الشيء عن هذا الغياب، وما يثلج صدري أنه عند سفره يكون مطمئناً تماماً إلى مقدرتي على تحمل مسؤولية البيت والأبناء، فهو يعرف إنني أملك كل الإمكانات للقيام بهذا الدور أثناء غيابه». غاضبة لكنَّها مسؤولة على الرغم من أن أم عبدالله غاضبة من زوجها بسبب تغيبه عن البيت لأسباب تتعلق بأنانيته، إلا إنها تقوم بمسؤوليتها، توضح ذلك بحسره شديدة: «إن غياب زوجي عني أثر فّي نفسياً، لأنَّه من النوع المستهتر الذي لايبالي بشيء، حتى بأبنائنا، لأنه تربى على ذلك المنوال، حيث إن والده يتصرف بالطريقة ذاتها». وتتحدث أم عبدالله بنوع من التفصيل عن معاناتها قائلة:»زوجي يعمل خارج إمارة رأس الخيمة، وعندما يأتي إلينا يكون منهكاً، فيلقي بجسده فوق الفراش وينام غير مبال بشيء، وعند استيقاظه يأكل ويخرج إلى أصدقائه حتى منتصف الليل، وعندما يعود في إجازة نهاية الأسبوع يواصل سلوكه اللامبالي، وكأن لا دخل له في أمور البيت، وهذا ما جعلني اعتمد على نفسي في تحمل مسؤوليات الأبناء» . تتشابه مشكلة موزة عبيد مع المشكلة السابقة لجهة كون زوجها دائم السفر ليس من أجل العمل، وإنما بهدف التسلية والترفيه عن نفسه. تقول بحسرة: «زوجي يدير ظهره لي، ولا يتحمل مسؤولية المنزل من الألف إلى الياء، ينصرف إلى التسلية وقضاء الوقت بعيداً عن بيته وأسرته، صارحته وأوضحت له أكثر من مرة إن المسؤولية مشتركة بيننا، ولكن لاحياة لمن تنادي». تصمت موزة قليلاً قبل أن تتابع حديثها بانفعال: «لقد أثبتُّ لأبنائي إنني قادرة على رعايتهم سواء بوجود والدهم أوفي غيابه، ورغم إحساسي بالوحدة والملل وأحيانا بالخوف والعجز، إلا أنني سيطرت على كل هذه الأمور بالعزم والتصميم على عدم الفشل». مشاعر الأبناء تظل مشاعر الأبناء وطريقة تفاعلهم إزاء غياب الأب هي العناصر الأهم في الأمر، فقد يتأثر إبن ما بغياب والده، وقد لا يشعر به آخر، حيث يقول فهد زيد: «على الرغم من غياب أبي عن البيت، إلا انه يتابع مشكلاتنا ويقوم بتلبية كافة طلباتنا، ولا يبخل علينا بعطفه». تستوقفه الذكرى قبل أن يضيف: «لا أنكر أنني افتقد إلى مشاعر كثيرة في غيابه، مثل العطف والأمان والنصيحة، لذلك أتمنى بعد عودته من غياب طويل، أن أجلس إليه وأتبادل معه الحديث في أمورنا الأسرية والدراسية». ويصف هادي حسين، طالب جامعي، مايعنيه غياب الأب له، فيقول: «إن غياب الأب عن المنزل معناه غياب الأمان والقدوة الحسنة والصديق». يتابع هادي بشفافية تفترضها المعاناة: «عندما يكون الأب موجوداً فهو يدرك كل صغيرة وكبيرة في بيته، كما يكون على دراية بتحركات أبنائه، ويعرف السبل لمعالجة مشكلاتهم. وفي أحيان كثيرة لا تستطيع الأم السيطرة على شؤون البيت، أو التحكم في أموره، ذلك أنَّ الشاب في مرحلة المراهقة لا يستطيع أن يبوح بأسراره لأمه، لكنه يجد والده أقرب إليه». للآباء رأي آخر صحيح أن الأب قد يغيب عن بيته لظروف قاهرة، لكن سيف بن صندل، مسؤول إداري، يرى أنَّ على رب الأسرة أن يجد أوقاتاً يعطيها لأسرته، مهما كان حجم مشاغله. ويوضح سيف رأيه بالقول: «الحياة الأسرية مسؤولية مشتركة بين الأب والأم، وليست عبئاً يجب أن يتحمله طرف واحد منهما، ومقولة إن الأم للتربية، والأب لتوفير المال مرفوضة شكلاً وتفصيلاً. ويتفهم خليفه خلفان، (موظف) الضرورات التي تحتم غياب الرجل، وانشغاله عن بيته وأبنائه بعمله، والبحث عن لقمة العيش، لكنَّه، في المقابل، يقر بالأثر السلبي لذلك الغياب: «غياب الأب يؤدي في كثير من الأحيان إلى زعزعة استقرارالأسرة، إذا لم تتوافر لدى الأم السلطة الكافية لإدارة شؤون الأولاد، ودور الأب لا يتوقف عند حدود توفير الاحتياجات المادية لأبنائه، لكنَّه معني بدور توجيهي نحو الأبناء، ولذلك لا بد له أن يكون له حضوره في بيته». تجربة شخصية من جانبه يدعو سمير شادي إلى وضع ما تقوله النظريات والكتب جانباً في شأن ظاهرة غياب الأب. ويقول بصريح العبارة: «أنا متأكد أن غياب الأب عن البيت يؤدي إلى فقدان الأبناء التوجيه السليم، ما يؤثر في سلوكياتهم، وأرى إنني إذا شعرت بأن هناك خطأ ما في تربيتهم وسلوكهم، فيجب علي أن اطبق القاعدة «درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة»، أما إذا حدث وغبت عنهم، فإنني أحاول تعويض ذلك الغياب عن طريق الاتصال بهم هاتفياً، ومن هنا فغيابي وإن كان أمراً تفرضه بعض الظروف، فإن حضوري بينهم لا بد أن يكون موثراً، ولا أنكر إنني أفتقد في غيابي عنهم الدفء الأسري في أوقات كثيرة». المرأة مظلومة من جهته يرى عبدالله سليمان، موظف، أن غياب الأب عن المنزل يلحق الظلم بالمرأة، ويوضح رأيه بالقول: «ربة البيت في الوقت الحالي تتحمل جميع المسؤوليات الأسرية، من تربية الأولاد ومتابعتهم دراسياً، إلى توفير احتياجاتهم المادية والعاطفية». ويتابع عبدالله: «مهما كانت مسؤوليات الأب ومشاغله، يجب ألا ينسى ما لبيته من حقوق عليه، فالانشغال الزائد في أمور العمل قد يحقق النجاح لصاحبه، ولكن هذا النجاح يكون على حساب بيته وأسرته، أما الذي يهرب من البيت رغبه منه في البعد، وعدم تحمل المسؤولية، فهو بلا أدنى شك إنسان يفتقد الوعي والإدراك. نقلنا كل الإشكاليات إلى الاختصاصية النفسية فاطمة سجواني، منطقة الشارقة التعليمية، فكان أن أبدت رأيها حيالها بالقول: «دورالأب مهم وخطير في حياة الأسرة والأبناء، لأنها تلعب دورا في تخفيف حدة التوتر بين الأب وأولاده، بسبب ارتباطها النفسي بهم، وعدم تشددها وقسوتها عليهم، إذ أنها تكون متعاطفة معهم. فالأم تؤدى دورا معادلا نفسيا لدور الأب المعروف عنه أنه يتصف بالسيطرة والسلطة والضبط والربط داخل الأسرة، ومن هنا فليس مقبولا أن تلعب الأم الدورين المتناقضين معاً». وتوضح سجواني: إن تخلي أحد الطرفين عن أداء دوره في الأسرة، كأن يهمل الأب أسرته ويتهاون فى رعايتها، يحدث خللاً نفسياً داخل هذه الأسرة، حيث يشعر أفرادها أنهم يعيشون في جو غير صحي، على الصعيد النفسي، وهذا يمكن أن يؤدي إلى التفكك الأسري. خصوصاً وأن مجتمعاتنا العربية تعتبر مجتمعات ذكورية، يلعب فيها الأب دور القائد، ويكون على الأم أن تنجز التوازن النفسى المقابل. وإذا كان الأب مشغولا بتوفير لقمة العيش لأبنائه فإن توزيع الأدوار يختل، وتحدث حالة من العزلة النفسية أو الحاجز النفسي بين الأب وبقية أفراد الأسرة، الذين يعتبرونه دخيلاً عليهم، أو ضيفاً لساعات معدودة».
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©