الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بولندا: نعم لأوروبا... لا لـ «اليورو»!

24 مارس 2012
هنا في بولندا، حيث ما زالت البنايات السكنية المكفهرة والكئيبة المبنية على الطراز الشيوعي تهيمن على المشهد، وُصف اليورو ذات يوم بأنه تذكرة الارتقاء إلى مصاف الدول المتقدمة اقتصاديّاً. ولكن اليوم، وبعد سنوات من المشاكل في منطقة اليورو، أدرك البولنديون أن التذكرة كانت موجودة في جيوبهم طوال هذه الفترة. ذلك أن عملتهم الوطنية، "الزلوتي"، حمت بولندا من الاضطرابات المحيطة بها، ولا أحد هنا تقريباً يبدو راغباً اليوم في التسرع في تبني اليورو، على رغم أن بولندا وافقت على القيام بذلك عندما انضمت إلى الاتحاد الأوروبي في 2004. واليورو، الذي تعتمده حاليّاً 17 من أصل بلدان الاتحاد السبعة والعشرين، كان في الماضي رمزاً للنجاح الاقتصادي، وكان يتيح للبلدان التي تتخلى عن عملاتها الوطنية إمكانية الاقتراض الرخيص والنمو السريع. ولكنه تحول اليوم إلى عبء في وقت قلبت فيه أزمة الديون التي تتخبط فيها أوروبا الاعتقادات القديمة حول مزايا مزيد من الاندماج، رأساً على عقب. ففي اليونان، التي يعد ضعفها في صميم مشاكل أوروبا، يقول صناع السياسات في المجالس الخاصة إنه لم يكن يجدر بهم تبني اليورو وإنهم اليوم عالقون، حيث هناك عواقب اقتصادية أكثر خطورة قد تترتب على مغادرة منطقة اليورو مقارنة مع آلام ومعاناة البقاء. هذا في وقت لا يخفي فيه أعضاء آخرون في منطقة اليورو ندمهم لأنهم مضطرون اليوم للمساهمة في حزم الإنقاذ الاقتصادي التي تشكل حاليّاً دعامة لكل من البرتغال وإيرلندا إضافة إلى اليونان، ويشعرون بالاستياء أيضاً لكون ألمانيا باتت هي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة. ولذلك، فإن الأعضاء الأحدث في الاتحاد الأوروبي الذين لم يتبنوا اليورو بعد، مثل بولندا وجمهورية التشيك، لم يعودوا متحمسين للقيام بذلك. ففي 2008، كان رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك قد شدد على أن بلاده ستنضم إلى منطقة اليورو في 2011، أما اليوم، فإن تراجع الحماس للفكرة يجعل ذلك الاحتمال ضئيلاً جدّاً إلى درجة أنه لا أحد من صناع السياسات تقريباً سيرغب في المجازفة بفكرة الحديث حول متى قد يحدث ذلك. وفي هذا الإطار، قال جان كرزيستوف، المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء البولندي: "إنه ليس قرار سهلاً، وهو في الوقت الراهن ليس موضوع نقاش في بولندا"، مضيفاً "نحن البولنديين ربما أصبحنا أكثر براجماتية قليلاً اليوم من الماضي، حيث كنا تاريخيّاً رومانسيين جداً في السابق" . وبعدد سكان يبلغ 38 مليون نسمة، تعد بولندا أكبر بلد في الاتحاد الأوروبي إلى جانب بريطانيا لا يستعمل اليورو. ويعد اقتصادها، المدعوم بقوة "الزلوتي"، الأسرع نمواً بين بلدان الاتحاد السبعة والعشرين، بصادرات قوية وسوق استهلاكية صاعدة. وهو ماض في تلك الطريق حيث من المتوقع أن يحقق نسبة نمو تبلغ 2,5 في المئة هذا العام، في وقت تغرق فيه نظيراته في منطقة اليورو في ركود آخر. والبولنديون، الحذرون بشأن الانضمام إلى منطقة اليورو، يرون دروساً وفوائد في مصائب الآخرين، حيث يقولون إن معاناة اليونان الاقتصادية إنما زاد من حدتها وجودها في منطقة اليورو لأنها لا تستطيع خفض قيمة عملتها على نحو من شأنه جلب المستثمرين والسياح، وينظرون بحذر إلى سلوفاكيا واستونيا بشكل خاص، لأنهما بلدان شيوعيان سابقان آخران تبنيا اليورو -وعليهما اليوم اليوم أن يساهما في حزم الإنقاذ المالي لبلدان أغنى منهما. وعلاوة على ذلك، فإن بعض البولنديين يقولون إنهم يفضلون بكل بساطة الأوراق البنكية لـ"الزلوتي" على أوراق اليورو التي وضع عليها مصمموها جسوراً ومباني من وحي الخيال تفاديّاً لتفضيل أي بلد على الآخر. وفي حي براجا في وارسو، يدير آرتر وإلزبيتا زاوادزكي متجراً للملابس ومعرضاً منذ 33 عاماً. ومن عتبة متجرهما، كانا شاهدين على أزمة الديون التي أصابت بولندا في 1981، والتضخم الذي رافق اقتصاد السوق في نهاية الشيوعية. ولكنهما يفضلان ما لديهما اليوم على ما قد يجلبه اليورو. وفي هذا السياق، قال آرتر زازادزكي، 58 عاماً: " إن من شأن اعتماد اليورو أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار... كما أنه سيلحق ضرراً بالشركات الصغيرة" مثل متجره الذي تمتلئ واجهاته الثلاث الصغيرة بالمصنوعات الخزفية والمنحوتات الملتوية والملابس، وجميعها مصنوعة في بولندا. ذلك أن الإبقاء على "الزلوتي" يحافظ على بقاء المنتجات رخيصة بالنسبة للسياح ويجلب الأموال بالنسبة للحرفيين الذين يصنعونها. ولذلك، فإذا اعتمدت بولندا اليورو وارتفعت الأسعار، فإن الأعمال لن تظل جيدة مثل اليوم. ويقول زاوادزكي في هذا الصدد: "إن جمهورية التشيك لم تعتمد اليورو، بينما اعتمدته سلوفاكيا"، مضيفاً "وها هي اليوم تعاني من مشاكل، حيث تعد بلداً فقيراً. ولذلك، فإن بولندا ستنتظر لترى". يقول اقتصاديون إن "الزلوتي" يساعد اقتصاد بولندا على النمو خلال الأزمة بنحو 2 في المئة كل عام أكثر مقارنة مع ما كان سيفعل مع اليورو -وهو الفرق بين الركود ونمو معتدل. وعلى سبيل المثال، فعندما انخفض "الزلوتي" بقرابة الثلث مقابل اليورو خلال الأشهر الأولى من الأزمة في 2008 و2009، أصبحت المنتجات البولندية أرخص بالثلث بالنسبة للمستهلكين من منطقة اليورو. وفي هذه الأثناء، وجدت استطلاعات رأي أجرتها شركة "سي بي أو إس" للاستشارات أن معارضة البولنديين لليورو ارتفعت من 22 في المئة في 2002 إلى 60 في المئة في يناير. ويقول وزير الخارجية رادوسلو سيكوزكي: "إن الجاذبية قلت شيئاً ما بينما ارتفعت الأخطار قليلاً"، مشيراً إلى أنه يؤيد الانضمام على المدى الطويل مضيفاً: "اليوم، ليست لدينا بكل بساطة الأصوات (اللازمة) في البرلمان" للقيام بالتعديلات الدستورية الضرورية من أجل تغيير العملة. مايكل برنباوم وارسو - بولندا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيورج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©