الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كوريا الشمالية ومسلسل الحيل التفاوضية

24 مارس 2012
لم يستغرق الأمر كثيراً- ولا حتى شهراً واحداً- بعد الاتفاقية التي أعلنت بموجبها كوريا الشمالية، من بين أشياء أخرى، عن تعهدها بإيقاف تجارب الصواريخ بعيدة المدى، كي تعلن تلك الدولة عن نيتها إطلاق قمر صناعي باستخدام صاروخ بعيد المدى. وهذا في رأيي- إن لم يكن شيئاً آخر- يعتبر نوعاً من "البراعة" من جانب كوريا الشمالية. فالولايات المتحدة وضعت الكثير من البيض في سلة عملية نزع سلاح كوريا الشمالية النووي، وتحسين العلاقات معها، بعد الاتفاقية النووية التي وقعت معها في فبراير الماضي. ولكن واشنطن إذا تمسكت بموقفها بأن هذا الإطلاق المقترح للقمر الصناعي، يعد خرقاً لشروط الاتفاقية، فإن الأمور ستعود إلى المربع الأول. وهذا معناه أن "بيونج يانج" تضعنا في المكان الذي تريد وضعنا فيه- بمعنى من المعاني- وهو ما يكشف مرة أخرى، عن إفلاس السياسة المصممة للمساومة من أجل الحصول على تنازلات نووية وأخرى في مجال الصواريخ، لن تقدم تلك الدولة على تقديمها أبداً. فلم يكن من المتوقع أن تؤدي الاتفاقية النووية مع "بيونج يانج" إلى إجبارها على التوقف عن أبحاثها الخاصة بتطوير قدراتها الصاروخية، ولكن كان يمكن لها- من ناحية أخرى - أن توفر مدخلاً لاستراتيجية جديدة تقوم على تحويل محور تركيزنا الرئيسي من هذا الموضوع إلى استخدام التغيرات الاقتصادية والاجتماعية الدراماتيكية التي تحدث في الوقت الراهن في كوريا الشمالية، من أجل تعزيز المصالح الأميركية والمصالح الحليفة لها في الأمد الطويل. وهذا بالطبع، ليس هو الخط الرسمي في الصفقة المعنية، والتي تعهدت بموجبها كوريا الشمالية بتعليق التجارب النووية والصاروخية الجديدة، وتعليق عملية تخصيب اليورانيوم في مفاعلها النووي الرئيسي "يونجبيون". وكانت الولايات المتحدة، كما قال مسؤول كبير، قد نظرت إلى ذلك باعتباره بداية لـ"عملية تفاوض موثوق بها تقود إلى نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية". هذه المحصلة ليست متخيلة، لأسباب عديدة من أهمها أن البرنامج النووي كان يمثل الإنجاز الجوهري والأهم لـ"كيم جونج إيل"، وأنه ليس هناك احتمال لأن يقدم ابنه الحاكم الحالي لكوريا الشمالية "كيم جون أون" أبداً على تسليمه لأعداء بلاده اللدودين. وعلى ما يبدو أن رؤية القذافي وسلاحه ينتزعان، ثم يطاح به من السلطة، قد عززت من رأي "بيونج يانج" القائل بإن الأسلحة النووية تظل هي "الدرع" التي "لا غني عنها" لحماية الدولة من التهديد الخارجي. بدلاً من القيام بذلك، قامت "بيونج يانج" -كما كان البعض يتوقع منها دائماً- بالانخراط في عملية تقليدية لممارسة الحيل التفاوضية في التعامل مع الولايات المتحدة، تقوم من خلالها بالتخلي عن بعض الموجودات غير ذات الأهمية، والتي يمكن لها الاستغناء عنها، مع القيام في الوقت نفسه، وعلى نحو سري بالعمل على بناء وتعزيز مصالحها الطويلة الأمد. فالبعض يعتقد على سبيل المثال أن موقع "يونجبيون" ليس سوى وسيلة لصرف الأنظار بعيداً عن منشآت تخصيب اليورانيوم السرية التي يقوم النظام الكوري الشمالي بإقامتها في أماكن أخرى. ويشار في هذا السياق إلى أن كوريا الشمالية قد شهدت تغيرات دراماتيكية منذ عقد التسعينيات تحت تأثير قوتين رئيسيتين: قوة الأسواق وقوة المعلومات. فبالنسبة للأولى، فإن كوريا الشمالية ومع الأزمة الاقتصادية العالمية التي نشأت بعد انتهاء الحرب الباردة، وانهيار نظامها الخاص بالتوزيع المقنن للسلع والخدمات اضطرت- مرغمة- للسماح لأعداد كبيرة من سكانها بالانخراط في أنشطة تجارية خاصة حتى يستطيعون تلبية احتياجاتهم الحياتية. وقد نتج عن ذلك ظهور الآف الأسواق الرسمية وغير الرسمية التي تبيع كل شيء من الطعام والإلكترونيات، وحتى شرائط الفيديو المقرصنة المهربة من كوريا الجنوبية. وتشير التقديرات أن نسبة كبيرة من السكان الكوريين الشماليين يحصلون على 80 في المئة من حاجاتهم من تلك الأسواق. وقد أدى ذلك لنشوء طبقة تجارية ثرية قادرة على تحقيق الأرباح وشراء الوجاهة الاجتماعية من خلال الانخراط في أنشطة تجارية رأسمالية. أما بالنسبة للقوة الثانية المؤثرة على التغييرات الكورية، فهي قوة المعلومات: فالكوريون الشماليون- وعلى وجه الخصوص- طبقات النخبة باتوا يتمتعون بقدرة غير محدودة على الحصول على المعلومات الخارجية سواء من الزائرين أو الإنترنت، أو المجلات و شرائط "دي.في.دي" المهربة من كوريا الجنوبية بالإضافة لمصادر أخرى عديدة. ولكن التغيرات الدراماتيكية والقوى المؤثرة عليها لا تعني أن الربيع الكوري الشمالي قد بات على الأبواب، ولكنهما يشيران إلى استراتيجية جديدة يمكن استخدامها من قبل الولايات المتحدة تقوم على استخدام قوة الأسواق والمعلومات من أجل تغيير النظام ذاته. وتنفيذ تلك الاستراتيجية سوف يكون أمراً معقداً، وخصوصاً لو أخذنا في اعتبارنا أن الكوريين الشماليين يرتابون في أي اتصالات وأي استثمارات وخصوصاً تلك التي تحمل العلامة الأميركية. ولكن من خلال العمل مع شركاء إقليميين وعالميين، والتفكير بطريقة خلاقة، يمكن لواشنطن أن تنجح في تجميع حزمة من المبادرات ذات المعنى تركز على أمر يجب أن يكون هدفها الرئيسي في الوقت الراهن: وهو التغيير الاجتماعي المستهدف في كوريا الشمالية. فهذا التغيير في شخصية النظام بشكل تدريجي وتصاعدي -حسب الحالة- هو الوسيلة الوحيدة الموثوق بها لتحقيق مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المدى الطويل. مايكل جيه. مازار أستاذ بكلية الحرب الوطنية الأميركية في واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم.سي.تي إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©