الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أسعار الجازولين وثورات الشرق الأوسط

28 مارس 2011 21:13
تعرف أسعار الجازولين ارتفاعاً مضطرداً منذ عدة أشهر، وقد بدأ الأميركيون يشعرون بتأثير ذلك في محطات الوقود منذ بعض الوقت. المسؤولون (من مدراء الشركات النفطية الجشعين إلى الاضطرابات التي تشهدها الشرق الأوسط) كثيرون على غرار الحلول المقترحة (مزيد من عمليات التنقيب عن النفط في البحر، أو الطاقة الخضراء، أو الاحتياطيات الحكومية). ولكن ما الذي يدفع الأسعار إلى الارتفاع فعلاً؟ ثم ماذا يمكن القيام به إزاء ذلك، إن وجد؟ لنتوقف لحظة للتزود بمعلومات حول الوقود! هناك من يقول إن القتال الدائر في ليبيا يدفع الأسعار إلى الارتفاع: الواقع أن ليبيا ليست مصدِّراً نفطياً كبيراً بما يكفي حتى يكون للمعارك التي تدور هناك تأثير ذو بال على أسعار الجازولين. في السبعينيات والثمانينيات، كانت ليبيا مزوداً كبيراً للولايات المتحدة، حيث كانت تبيع لنا حوالي 700 ألف برميل من النفط يوميا؛ أما اليوم، فإننا نستورد أقل من 50 ألف برميل في اليوم من ليبيا – وهو ما يمثل جزءاً صغيراً جداً من الـ9.2 مليون برميل يومياً التي استوردتها الولايات المتحدة في 2010. وعلى الصعيد العالمي، لا تبدو القصة مختلفة: ذلك أنه من أصل الـ86 مليون برميل نفط التي تُستهلك عالمياً كل يوم، يأتي أقل من 2 في المئة من نظام القذافي. وبالتالي، فلماذا أسعار الجازولين مرتفعة؟ إذا كان مصير القذافي غير ذي أهمية عموماً بالنسبة لسوق النفط، فإن الاضطرابات عبر الشرق الأوسط الكبير لها تأثير بالمقابل، وذلك لأن منطقة الخليج العربي تنتج قرابة 24 مليون برميل نفط يومياً، أي أكثر من 25 في المئة من استهلاك النفط العالمي. ولذلك، فإن الربيع العربي، الذي جلب الاحتجاجات يسبب القلق والتوتر للأسواق؛ وعندما تشعر الأسواق بالقلق خشية اضطرابات ممكنة في الإمدادات النفطية، فإن أسعار النفط ترتفع -سواء حدثت الاضطرابات في الواقع أم لا. ويرى البعض أن استغلال الاحتياطي النفطي الاستراتيجي يعتبر طريقة ذكية لتقليص أسعار النفط. لكن الحكومة الأميركية تحافظ على احتياطي نفطي قدره 727 مليون برميل -أي ما يعادل 38 يوماً من مستويات الاستهلاك الحالية- وذلك كإجراء احترازي تحسباً ليوم يشهد اضطرابات ممكنة في الإمدادات مستقبلاً. غير أنه في كل مرة ترتفع فيها الأسعار تقريباً، يرغب السياسيون في اللجوء إلى النفط الاحتياطي من أجل زيادة الإمدادات وإعادة الأسعار إلى مستوياتها السابقة. والحال أن القصد من وراء الاحتياطي النفطي الاستراتيجي هو كسب الوقت في حالة طوارئ حقيقية. وإذا استعملناه كوسيلة سياسية لإرضاء الناخبين ووقف ارتفاع أسعار الجازولين، فإننا قد نضطر لاحقا لشراء النفط بأسعار أكثر ارتفاعاً، أو سنجد أنفسنا أمام إمدادات غير كافية حين تلم بنا أزمة حقيقية. ويشير البعض إلى أن إدارة أوباما تدفع الأسعار إلى الارتفاع. فالسيناتور ميتش ماكونل (الجمهوري عن ولاية كنتاكي) يقول إن القوانين المنظمة للاحتياطي النفطي الاستراتيجي تمثل "ضريبة وطنية خفية على الطاقة" تدفع الأسعار إلى الارتفاع. هذا بينما تقول حاكمة ولاية ألاسكا السابقة سارة بالين إن تعليق البيت الأبيض لعمليات الحفر والتنقيب يُظهر "مسؤولية (أوباما) عن ارتفاع أسعار الوقود الذي يعاني منه الأميركيون". والواقع أن تحميل الرئيس مسؤولية ارتفاع الأسعار ليس بالأمر الجديد، وهو تكتيك حزبي معروف. ففي 2004، أنحى السيناتور جون كيري (الديمقراطي عن ولاية ماساتشوسيتس) باللائمة على جورج دبليو بوش وحمَّله مسؤولية ارتفاع أسعار النفط والاستمرار في ملء الاحتياطي النفطي الاستراتيجي في وقت ترتفع فيه أسعار النفط. ولكن ثمة مشكلة واحدة: ذلك أنه حتى إذا تم استغلال المخزون الداخلي، فإن الرؤساء الأميركيين لا يستطيعون في الواقع التحكم في أسعار النفط. فالحكومةُ الأميركية تقدِّر أن ثمة 18 مليار برميل نفط في الرصيف القاري الخارجي محظور تطوريها واستغلالها. قد تبدو تلك كمية ضخمة، ولكنها لا تعادل سوى عامين ونصف العام من المخزون بالنسبة للولايات المتحدة؛ كما أن الأمر سيتطلب سنوات لمنح عقود الإيجار وحفر آبار استكشافية. ثم إنه حتى إذا كانت الـ10 مليارات برميل نفط المقدرة متاحة للتطوير والاستغلال في متنزه لحياة البرية الوطني القطبي، فإن القرارات السياسية اليوم لن يكون لها أي تأثير على إمدادات الجازولين فترة قد تصل إلى عشر سنوات. وبالتالي، فأوباما لا يستطيع فرض ما ستدفعه في محطة الوقود غدا. لكن هل الأميركيون لا يستطيعون العيش بدون وقود رخيص؟ صحيح أنهم يحبون سياقة مركباتهم؛ ويحبون الوقود الرخيص. لكن على الضفة الأخرى من المحيط، توجد قارة يعيش فيها أناس مثلنا يدفعون أسعار وقود مرتفعة منذ سنوات، اسمهم الأوروبيون. ففي وقت يتجه فيه الجازولين الأميركي نحو 4 دولارات للجالون الواحد، يدفع الأوروبيون أسعاراً أعلى بكثير منذ سنوات بسبب الضرائب المرتفعة المفروضة على الوقود. فهذا الشهر في بريطانيا مثلًا، وصل سعر الوقود إلى 6 جنيهات إسترلينية، أو حوالي 9.76 دولار للجالون. ولأن الجازولين غال جداً، فإن نصيب الفرد من استهلاك الطاقة في أوروبا هو نصف نظيره في الولايات المتحدة، مما يترك أوروبا أقل تأثرا بتذبذب أسعار النفط ومن دون أن يُضعف ذلك مستوى عيش مواطنيها. صحيح أن الولايات المتحدة، التي قامت على النفط الرخيص، كثافتها السكانية أقل بكثير مقارنة مع "القارة العجوز"، حيث ثمة فضاءات مفتوحة أكبر ينبغي قطعها. ولكن ذلك لا يعني أننا لا نستطيع تبني بعض الأشياء التي ساعدت الأوروبيين على الحفاظ على فواتير الجازولين منخفضة مثل القطارات عالية السرعة، والنقل الجماعي، والطاقة الخضراء. روبرت رابير كاتب أميركي متخصص في شؤون الطاقة المتجددة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©