الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاحتجاجات الشعبية··· جديد الصين

الاحتجاجات الشعبية··· جديد الصين
12 يوليو 2008 01:35
عُرف عن المواطنين الصينيين أنهم يجنحون إلى الخضوع ويفضلون الاستسلام للواقع بدل الانتفاض على الظلم وتحطيم القيود، لكن ما أصبح يلفتنا منذ مدة هو الكم الهائل من الاحتجاجات التي تعرفها الصين كل سنة· فمنذ زمن ليس ببعيد كانت المظاهرات تواجه بالمنع والقمع الصارم من قبل الحكومة الصينية، واليوم أيضاً تستأنف السلطات عادتها القديمة بمنعها تنظيم مظاهرة في مثال آخر على انتهاكها المتواصل للمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان· فقد خرج المواطنون في مقاطعة ''وينج آن'' الصينية إلى الشارع احتجاجاً على إطلاق سراح أحد المشتبه فيهم في اغتصاب فتاة مراهقة وقتلها، ويعتقد أن الإفراج عنه جاء نتيجـــة علاقـــة قرابـــة تربطه مع أحد ضباط الشرطة المحليين· وعندما ذهب أحد أقارب الضحية إلى مركز الشرطة مطالباً بإحقاق العدالة تعرض للضـــرب من قبل الشرطــة، ما أدى إلى خروج مئات الآلاف من المحتجين إلى الشوارع، حيث تطور الأمر إلى أعمال عنف واسعة بعدما تدخلت السلطات بعنف لقمع المظاهرة وتفريق المحتجين· ومهما سعى الحزب الشيوعي إلى تغطية ممارساته، تبقى قسوته واضحة باستمرار من خلال أعمال القمع التي يواجه بها المظاهرات السلمية، والضوء الأخضر الذي يمنحه للسلطات الأمنية لانتهاك القوانين والدوس على الحقوق الأساسية للسكان· والحقيقة أن الحزب الشيوعي تحول إلى منظمة تضيق الخناق على المواطنين اقتصادياً وسياسياً وتفرض عليهم الخضوع لتعليمات الحزب وسياساته· لكن حان الوقت كي يضع المواطنون حداً لهذه الحالة عبر رص صفوفهم واستخدام القوة الكامنة في أعماقهم، حيث لا يستدعي الأمر سوى عدد قليل من الناس لإعلان حقوقهم ونشر الوعي لدى الآخرين بصيانة تلك الحقوق التي يتعين الاستماتة في الدفاع عنها· وفي هذا الإطار، كان سكان ''وينج آن'' على حق عندما طالبوا بحقوقهم؛ لأنـــه من الضروري أن يعمل المواطنون في الصين ضــــد القمـــع والاستغلال والفساد، والنضال من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية· لكن لا بد من التذكير بأن الطريقة المثلى للاحتجاج والتعبير عن الاستياء، هي من خلال الأساليب غير العنيفة، ليس فقط من منطلق اعتبارات أخلاقية، بل لأنها الاستراتيجية السليمة والفعالة التي استعملها بنجاح نشطاء الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية حول العالم· فالحزب الشيوعي البارع في استخدام العنف لا تستطيع شرطته المجهزة بأفضل أنواع أدوات القمع، مواجهة المظاهرات السلمية للمواطنين· وعندما ينخرط المحتجون في أعمال العنف ويأتي ردهم قاسياً على ممارسات السلطة، فذلك فقط سيوفر الحجة المناسبة للحكومة كي تطلق آلتها القمعية ضد المواطنين العزل وتسحق الحركة الديمقراطية في البلاد، ومعها إرادة المواطنين في الانعتاق والحرية· وفي المقابل ستضع الأساليب غير العنيفة السلطات في موقف حرج وتضعف موقفها الأخلاقي، فضلاً عن الدور الذي ستلعبه تلك الأساليب في لفت انتباه المواطنين وانخراط المترددين منهم في الاحتجاج السلمي على الحكومة· بيد أن نبذ العنف والابتعاد عنه لا يعنيان انعدام الحركة والقبول بالأمر الواقع مهما كان مزرياً ومنتهكـــاً للكرامــة الإنسانية· فهناك نوع من أساليب الاحتجاج غير العنيفة التي يرفض فيها المواطنون التعاون مع الحكومة والمشاركة في أنشطتها السياسية، بحيث ينطوي الرفض الواعي للانخراط في أنشطة الحكومة على دلالات كبيرة· ويشمل هذا الأسلوب الاحتجاجي رفض تطبيق سياسات الحزب الشيوعي، والامتناع عن الاهتمام بما تقوم به الحكومة، ويعني أيضاً مقاطعة الاحتفالات التي تنظمها السلطات، ناهيك عن مقاطعة محاولات الحزب الترويج لنموذجه الشيوعي ''الناجح''، والتخلي عن مفردات الخطاب الشيوعي وعدم استخدامها، فضلاً عن تجاهل المراسيم الحكومية· وتمتد الأساليب غير العنيفة لتشمل أيضــــاً تنظيــــم حركـــــات مدافعـــــة عن الديمقراطية، مثل: الاحتجاجات، والاعتصامات، والإضرابات الطلابية والعمالية· ولا بد لحركات الاحتجاج غير العنيفة من تحديد هدف واضح وملموس للضغط على الحزب الشيوعـــي ودفعــــه للتوصـــل إلـــى تسوية· وبالطبع قبل أن يتنازل الحزب الشيوعي، ستُجابَه الحركات الاحتجاجية، سواء العنيفة أو السلمية، بمزيد من القمع والاضطهاد، لكن سر النجاح يكمن في الإصرار على المطالب والاستمرار في الاحتجاج· والحقيقة أن الصين لا تخلو من محاولات سابقة لتنظيم حركات سلمية للتظاهر والاحتجاج على السلطات يمكن إرجاعها إلى الجهود التي بذلها ''الدلاي لاما'' لتشجيع مثل تلك الحركات ودعمها، بحيث تشكل منطلقاً جيداً لخوض التجربة وتكريس أساليب النضال السلمية· ولعل أفضل طريقة لتطوير حركة احتجاجية ناضجة هي استغلال أماكن مثل المدارس والاتحادات العمالية والجمعيات وأماكن العبادة··· لحشد التأييد وتعبئة المواطنين· ومن جهة أخرى كلما استخدم المواطنون وسائل الاتصال الحديثة، مثل الإنترنت، زادت قوتهم وتوسعت قاعدتهم الشعبية· ومن خلال البحث عن بدائل وتكثيف الجهود، يمكن التغلب على المساعي الحكومية الرامية إلى تضييق مجال الاتصال وفرض قيود على استخدام الإنترنت· يانج جيانلي باحث بجامعة هارفارد الأميركية وناشط في مجال حقوق الإنسان ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©