الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

فخ الرؤية العلوية

28 مارس 2011 23:01
عندما تضعك الأقدار على رأس الهرم، أي هرم ما، يصير موقعك بالضرورة أعلى عمن سواك، وكما هو معروف فكلما ابتعدت عن سطح الأرض كلما بدت الرؤية لما هو متحرك على الأرض أصغر حجماً فيبدو المتحركون في الأسفل أشبه بالنمل؛ مخلوقات بسيطة صغيرة هينة وغير ذات شأن، ولا بأس من دهسها أحياناً. يسقط الكثير من الجالسين على قمة هرم في فخ الرؤية هذا، فيظل الواحد منهم محدقاً فقط في الأفق، فالأفق مغرٍ، تبدو الصورة فيه مرتبة وملونة وخالية من بؤس الحياة، يستمر هذا الوهم عند البعض من الأهراميين حتى الرمق الأخير وتشاء أقدار البعض أن يستيقظوا بفعل سقطة مباغتة من القمة إلى القاع، حيث يكتشفون في اللحظة الأخيرة قبل الإغماضة الأخيرة حجم الإنسان العملاق القابع فيمن اعتقدوه طوال الوقت مجرد نملة. لكنه سيكون إدراك غير نافع لأنه كاعتراف فرعون بالرب وهو يغرق. لا يمكنك أن تعامل إنسان عملاق كنملة وتتوقع أن تبقى على رأس الهرم للأبد. هذا قانون الطبيعة. سيثور النمل وينخر في الهرم من الأسفل، أو يتعملق ويقفز إليك. ولن تستطيع فعل شيء. هذه حقيقة فيزيائية لا جدوى من تحديها. الطريقة الوحيدة لتحتفظ فيها بمكانتك على رأس الهرم حتى النفس الأخير، أو حتى تنزل منه درجة درجة براحة وبهاء من دون سقطات تترك في صورتك كدمات يسجلها دفتر التاريخ بحبر مقاوم للماء معتق بالدماء، هي أن تسترد بصرك أحياناً من الأفق لتحتال على خداع الرؤية العلوية وتتمشى إلى الأسفل لتبصر الحجم الحقيقي لكل أولئك السائرين تحتك. وهذا لسلامتك الشخصية قبل كل شيء، فمن المهم أن يدرك الإنسان حجم كل شيء حوله، بذلك يقي نفسه من الاصطدام بجبل ظنه فضاء مفتوحاً، ومن دهس عملاق ظنه حشرة. كذلك ولأن الجلوس بالوضعية نفسها في المكان نفسه لفترة طويلة يولد في النفس الكثير من الأوهام منها خداع الرؤية هذا - ناهيك عن الأمراض الجسدية المختلفة كتيبس المفاصل والتهاب الركب- فقد نصح العارفون دوماً بوجوب أخذ الحيطة والحذر من السقوط في فخ الوهم، بالسفر والتريض، لكي لا تظن أن العالم ينتهي عندك ويدور حولك ويتعلق بك. السفر يوسع أفق العقل ومساحات القلب وحدقة العين والتريض يحرك الدورة الدموية ويُكسب اللياقة والحيوية، نزولك من قمة هرمك من وقت لآخر وتجولك مع السائرين تحتك، سيفي بهذا الغرض. وبما أن الجسم السليم في العقل السليم فالمحافظة على الرياضة الفكرية أيضاً ضرورية وصحية، وذلك عبر قراءات منوعة في السير والتاريخ والفلسفة والأدب، ففيها ستعرف ماذا يدور حولك وستأخذ من التاريخ العبر وتتذكر، في كل مرة تعاود النسيان، أن النمل في النهاية هو من أسقط هيلمان سليمان. Mariam_alsaedi@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©