السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شاهناما الفردوسي مستودع الأدب والفن الفارسي

شاهناما الفردوسي مستودع الأدب والفن الفارسي
12 سبتمبر 2009 00:19
قيض للغة الفرس القومية أن تجد طريقا إلى التدوين في صورتها الجديدة بعد أن اتخذت الحرف العربي شكلا لها مثلما استعارت نصف مفرداتها من لغة القرآن الكريم، وكان ظهور الفارسية الإسلامية مقرونا بانفراط عقد الحكم المركزي للخلافة العباسية وظهور الدويلات المستقلة شرقا وغربا ومن بينها الدولة السامانية في إيران وتركمانستان والتي اتخذت لبلاطها طابعا فارسيا وشجع حكامها استخدام هذه اللغة الجديدة ليس فقط كلغة أدبية ولكن أيضا كلغة رسمية للبلاط. وأشهر شعراء هذه اللغة الشاعر الفارسي الفردوسي الذي قام بتأليف ملحمة شعرية قوامها أكثر من 50 ألف بيت وقد أتم أبو القاسم الفردوسي تأليفها في سنة 400 هـ 1010 وأهداها للسلطان الغزنوي محمود بن سبكتكين، وتضم الشاهناما معظم ما وعى الفرس من أساطيرهم وتاريخهم من أقدم العهود حتى بداية العصر الإسلامي وقد رتبت هذه الأشعار ترتيبا تاريخياً وضمت بشكل رئيسي كل الحروب التي خاضها الفرس ضد الشعوب المجاورة من الأتراك الطوارنيين وهياطلة الصين وقبائل التتار والمغول بل والعرب أيضا. صور المعارك منذ تأليف الفردوسي للشاهناما وحتى مشارف القرن العشرين ظل الفرس ينسخون المخطوطات منها ويزودونها بالتصاوير التي توضح المعارك الواردة في متن الشاهناما والأساطير القديمة ويندر أن تجد كتابا أدبيا حظى بمثل هذا الاهتمام عبر التاريخ الإنساني بأجمعه. ومن أهم المخطوطات التي تم إنتاجها خلال عصر إيلخانات المغول في فارس شاهناما تعرف باسم مالكها «السيد ديموت»رغم أن صورها تفرقت بين المتاحف والمجموعات العالمية، ويطلق عليها أحيانا شاهناما تبريز نسبة إلى المدينة التي انتجت بها بين عامي 731 ـ 737 هـ « 30 ـ 1336م». وتكشف صور هذه الشاهناما عن مدى التطور الذي لحق بفن التصوير الإسلامي خلال العصر المغولي، فالرؤوس باتت ضخمة تختال بمظاهر الهيبة البطولية، مع اتساع مقدمة الصورة لإبراز شخصيات أبطال الملحمة ومن الغريب ان تأثر المصورين في تلك الفترة بالفن الصيني قد أعان على تأكيد التعبير الدرامي وإبراز العناصر البطولية في ثنايا الملاحم الشعرية الفارسية. ومن أجمل تصاوير شاهناما ديموت واحدة تصور هجوم المنجنيقات الحربية في معركة هيداسبيس، وهي محفوظة في متحف فوج للفنون في جامعة هارفارد. وفيها تتجلى خصوبة الإحساس الفني بالحركة العنيفة الملازمة للمعارك الحربية، فمن هنا تظهر التكوينات الديناميكية من خلال حركة عنيفة مندفعة تبدأ من يمين الصورة بالفرسان الأربعة المنطلقين من وراء المنجنيقات الثلاثة صوب العدو الذي ولى الأدبار، ثم تتابع الحركة انطلاقها في ألسنة اللهب الذهبية الصادرة عن أسنة الرماح وفوهات المنجنيقات تكسو السحب البيضاء والسماء الزرقاء وأرض المعركة بالأضواء الذهبية والحمراء. «السيمرج الخرافي» أنتجت تبريز شاهناما أخرى في العصر الاليخاني ذاته ويعود تاريخها إلى عام 772 هـ1370 وهي محفوظة في متحف طوبقابوسراي في استانبول ومن صورها المغرقة في الخيال تلك التي تمثل طائر السيمرج الخرافي بألوان ريشه وذيلة حاملا الطفل «زال» محلقا به صوب عشه في الجبال وتمثل هذه الصورة قصة شهيرة أوردها الفردوسي عن سام بن نريمان بهلوان الفرس في عهد الملك منوجهر الذي رزق بولد جميل الطلعة غير أن شعره كان يشتعل شيبا فلما رآه سام استهجنه وأمر به فألقى وحيدا على جبال البرز في الهند حيث أنقذته العنقاء أو طائر السيمرج وربته مع أفراخها• أما في عهد التيموريين فقد أتيح إنتاج وأبهى مخطوطات الشاهناما تحت رعاية حفدة تيمورلنك الذي اقتسموا مملكته من بعده، ففي بلاط بايسنقر ميرزابن شاهرخ بهراة تم إنتاج نسخة خاصة بهذا الأمير من الشاهناما على يدي أشهر خطاط في إيران وهو جعفر التبريزي أحد مبتكري خط النس تعليق الفارسي والذي عرف بعد أن أحضره «بايسنفر» من تبريز عقب تحريرها من قبضة التركمان باسم جعفر البايسنقري. ويعتقد خبراء أن جعفر البايسنقري قد وقع باسمه نيابة عن عدد من الخطاطين الأربعين الذي كانوا يعملون تحت إمرته في مكتبة بلاط هراة. وبصدر هذا المخطوط المحفوظ في مكتبة قصر جولستان في طهران منظر صيد تم تصويره في صفحتين متقابلتين وإن كانت كل صورة تمثل منظرا قائماً بذاته وكلاهما للأمير بايسنقر في رحلة صيد. ففي لوحة الصفحة اليسرى نرى الأمير متخففا من زي الإمارة وقد وضع على رأسه عمامة بيضاء وارتدى زيا بلون لازوردي ذي نقوش مذهبة حول الرقبة ممتطيا جواده الذي اختفى جسده كله تقريبا خلف صخرة أما الصيد فتضم غزالتين وأربعة ذئاب ودبا يهاجم أحد الفرسان. وفي لوحة الصفحة اليمنى نرى الأمير بايسنقر وقد وضع التاج الذهبي على رأسه وارتدى لباس الحاكم على هيئة رداء أخضر موشى بالنقوش المذهبة وقد ظهر وجواده كاملا في وسط الصورة تتبعه عن كثب كوكبة من الفرسان، ونلاحظ هنا أن منظر الصيد قد وزع على هيئة دائرية بحيث يتوسطه بايسنقر الذي استقطب الاهتمام بتلك المظلة الحمراء التي يحملها أحد اتباعه من خلفه. عقاب «الضحاك» من تصاوير هذا المخطوط واحدة توضح قيام أفريدون بعد نجاحه في القبض على «الضحاك» وحمله إلى جبل دماوند بدقه وتسميره إلى صخرة المغارة بالمسامير انتقاما منه لقتله أباه وعقابا له على جرائمه وقسوته وحسبما ورد في الشاهناما فإن «الضحاك» كان قد عقد صفقة مع إبليس أصبح بمقتضاها للشيطان لقاء أن يكون له نفوذه على الشياطين غير ان إبليس تنكر في زي شاب وسيم وقبل كتفية فانبثقت منهما حيتان لا تشبعان من دم البشر، فاعتزم افريدون أن يضع نهاية لحكم الضحاك الذي دام ألف عام وان يحرر العالم من «سطوته الشيطانية» بعد أن مثل الملاك سروش بين يديه وقال له إن الله أمر بتعذيبه طوال الزمان جزاء ما صنعت يداه فشد وثاقه وأحمله وسر به حتى ترى جبلين متقاربين فأوثقه حيث جبل دماوند. وفي المخطوط ذاته صورة تمثل اعتلاء «هراسب» سرير الملك بعد كيسخرو الذي تنازل له عن كرسي العرش بعد أن أوصاه بألا يحكم إلا بالعدل ثم ودع نساءه وجواريه وأوصى بهن له. وتوضح هذه الصورة روعة قاعات القصور التيمورية وما تزخر به من بلاطات القيشاني المزخرفة والسجاجيد الفاخرة مثلما تفصح عن المراسم الواجب اتباعها عند تقديم فروض الولاء للجالس على العرش والطريقة التي يقدم بها قادة الجيوش ولاءهم للملك الجديد. وهذه الصورة تجمع بين المنظر الداخلي بخلفيته المعمارية الثرية بالزخارف والألوان الهادئة والمنظر الخارجي للحديقة برسومه النباتية وألوانه الساطعة.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©