الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أباريق الماء.. علامة مميزة على خريطة حضارة الإسلام

أباريق الماء.. علامة مميزة على خريطة حضارة الإسلام
4 ابريل 2014 21:22
ربما لم تحظ أوان حفظ وتداول المياه بقدر من الاهتمام في أي حضارة إنسانية يوازي عناية وشغف حضارة الإسلام بتلك الأواني التي ظلت تنتج بمختلف أنواع المعادن والفخار والخزف في أرجاء ديار الإسلام طوال العصور الوسطى، والحقيقة التي لا يمكن إغفالها أن هذا الاهتمام جاء في خضم عناية الحضارة الإسلامية بكل ما يتصل بالماء حتى وصفت عن جدارة واستحقاق بحضارة الماء. د. أحمد الصاوي (القاهرة) أولى المسلمون في جميع المناطق التي حكموها عناية كاملة بأمور المياه بدءاً من مشروعات الري ومنشآت الماء من قناطر وسدود وحمامات عامة وانتهاء بصناعة الأواني التي تستخدم لتخزين وتداول المياه. وإذا كان المستشرقون في معرض محاولاتهم لسلب المسلمين الفضل في إبداع أباريق الوضوء قد زعموا أنهم استعاروا أشكالها الأولى من أنماط الأواني الساسانية، فإن أحداً منهم لم يستطع التشكيك في أصالة الإبداع الفني، الذي اتسمت به منتجات تلك الأباريق منذ بدايات القرن الرابع الهجري، وخاصة بعد ظهور صناعة تطعيم المعادن بالفضة والذهب بدءاً من القرن السادس الهجري. معارض فنية ويحتفظ متحف اللوفر بباريس بعدد كبير من الأباريق التي يتم عرضها من وقت لآخر في المعارض الفنية المؤقتة بوصفها من روائع مقتنيات اللوفر من التحف الإسلامية. ومن أقدم الأباريق التي تحمل توقيع صانعها إبريق من النحاس الأصفر المشكل بالطرق، وهو بتوقيع إبراهيم بن موالية وقد تم تحديد فترة نشاطه المهني بالثلث الأول من القرن السابع الهجري، إذ قام تلميذان له بذكر اسمه في إبريقين من إنتاجهما في عامي 616 و629 هـ. وقد قام ابن موالية بزخرفة إبريقه الذي ينتهي صنبوره بهيئة التنين بعدة أشرطة زخرفية نفذت إما بالحفر أو بالتطعيم بمادة الفضة. ويجسد هذا الإبريق تقاليد صناعة المعادن المكفتة بمنطقة الموصل بالعراق في بدايات القرن السابع الهجري من حيث الجمع بين الزخارف الكتابية بخط الثلث وبين رسوم الكائنات الحية، التي تعتمد على تجسيد مناظر من حياة البلاط مثل مناظر الصيد ومناظر مجالس الشراب والطرب. مقتنيات ويعتبر إبريق صلاح الدين يوسف الثاني آخر سلاطين الأيوبيين بالشام الأكثر أهمية من الناحية التاريخية بين مقتنيات اللوفر من أباريق الوضوء. وقد قام بصناعته حسين بن محمد الموصلي بمدينة دمشق في عام 657 هـ «1258 م» والإبريق من النحاس الأصفر المنفذ بالطرق، وقد قام الصانع بحفر زخارفه ثم تطعيمها بمعدني الذهب والفضة. ويتميز هذا الإبريق بضيق قاعدته قياساً باتساع بدنه، ثم بضيق الجزء العلوي منه الذي يضم صنبوراً مستقيماً يشكل زاوية حادة مع البدن. وقد زاوج الصانع في زخرفة إبريق هذا السلطان، الذي حكم دمشق فيما بين عامي 634 و658 هـ بين رسوم حيوانات الصيد التي تظهر في ثلاثة أشرطة ضيقة وبين رسوم نباتية دقيقة بعضها في داخل جامات ثمانية الفصوص وبعضها الآخر استخدم كأرضيات سواء لرسوم الحيوانات أو لكتابات نفذت بخط الثلث وبالخط الكوفي المجدول. إبريق النحاس وثمة إبريق آخر في ذات المتحف لا يقل عن سابقه أهمية من الناحيتين الفنية والتاريخية، وهو من إنتاج مصر في عام 709 هـ «1309 م»، ويتميَّز الإبريق المصنوع من النحاس المطروق بكثافة ملحوظة في زخارفه المنفذة بالتكفيت بالفضة. ويبدو بدنه الكمثري متناسقاً بشكل دقيق مع قاعدته المتسعة نسبيا ومع العنق الذي تتوسطه منطقة أسطوانية بها أشكال البط، وقد كتب على بدن الإبريق ما نصه «عز لمولانا السلطان الملك العلام العامل المجاهد المرابط سلطان الإسلام»، وذلك دون تعيين لاسم هذا السلطان أما توقيع الصانع فقد نقش على قاعدة الرقبة ونصه هو «عمل العبد الفقير الحاج محمد ابن العميلي عمل سنة تسع وسبعمائة». ولعلَّ تاريخ الصناعة يفسر إلى حد ما سبب إغفال الصانع لاسم السلطان إذ من المعروف أن السلطان الناصر محمد بن قلاوون كان قد اضطر للتنازل عن عرشه للسلطان ركن الدين بيبرس الجاشنكير، ومن ثم أحجم الصانع عن الإشارة لاسمه بعد تنازله عن العرش وهو يعمل بعد في صناعته. وتضم زخارف الإبريق خليطاً مألوفاً من رسوم حيوانات الصيد ورسوم لفرسان، فضلاً عن الكتابات المنفذة بخط الثلث المملوكي على أرضية من زخارف الأرابيسك الدقيقة. ومن أجمل الأباريق البرونزية التي اشتهرت منطقة غرب إيران بإنتاجها في العصر الصفوي نوع يعرف باسم أفتبه، ويحتفظ اللوفر بقطعة منه صنعت عن طريق الصب بالقالب مع زخارف محفورة ومرصعة بالمينا السوداء. زخارف نباتية ويتميَّز هذا الإبريق بقمته المخروطية التي تنفصل عن القسم الأسفل منه بواسطة شريط كتابي، بينما تغمر الإبريق زخارف نباتية كثيفة قوامها أوراق نباتية ثنائية البتلات. وتتجلى التأثيرات الصينية بشكل واضح في هذا الإبريق الذي يعود إنتاجه للقرن 11 هـ، وخاصة في مقبضه الذي يضم فتحة المصب، التي تبدو على هيئة صندوق صغير وداخل المقبض مجوف ليسمح بمرور الماء لداخل بدن الإبريق، وإن كانت التأثيرات الصينية تبدو أكثر وضوحاً في الصنبور الذي اتخذ هيئة رأس التنين. وتلتف حول فوهة الإبريق كتابة بخط النستعليق تحوي بيتين من الشعر الفارسي يشيران بوضوح لكيفية استخدام هذه الأباريق في الحفلات الملكية، وهما يعنيان «وقفت الجميلات من كل صوب تحمل الأباريق جاهزة للخدمة وغسل المولهون بالحب أيديهم من صميم القلب، بينما كانت تصب الجميلات الماء والأباريق من الداخل في أيديهن». ولا يمكن أن نغفل في هذا السياق بعضا من أنواع الطاسات المعدنية التي كانت تستخدم في الحمامات بغرض صب الماء الدافئ فهي ذات صلة وثيقة بأغراض النظافة والتطهر التي كانت تضطلع بها الأباريق، ومن أجمل أمثلتها طاس من البرونز المصبوب تعود صناعته لعام 998 هـ لصالح شخص يعرف باسم غياث بك وقد نقش على حافته بخط النستعليق بعض أبيات من الشعر الفارسي توضح الغرض من هذا الطاس، إذ تقول «وانهض عندما تأتي إلى الحمام معشوقتي الجميلة مثل القمر وتجري الدموع من عيوني لتنصب عند قدميها». ومن اللافت للنظر أن صناعة الأباريق لم تكن وقفا على صناع المعادن، بل نافسهم في ذلك صناع الخزف الإسلامي، وخاصة في إيران الصفوية وتركيا العثمانية عندما قاموا بعمل أباريق من الخزف المطلي سواءً بطلاء زجاجي من لون واحد أو باستخدام الألوان المتعددة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©