الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جامع ابن طولون خبأ السلطان حسام الدين لاجين في مئذنته وأطعم الفقراء من «صحنه»

جامع ابن طولون خبأ السلطان حسام الدين لاجين في مئذنته وأطعم الفقراء من «صحنه»
12 سبتمبر 2009 00:24
إذا جاز أن يكون لشهر رمضان جامع يرتبط به في تاريخ مصر الإسلامية فإنه بلا جدال الجامع الطولوني الذي شيده أحمد بن طولون والي مصر ليتوسط مدينة القطائع الحاضرة الثالثة لمصر الإسلامية بعد الفسطاط والعسكر. فمن جهة انتهت أعمال البناء والزخرفة حسبما ورد في النص التأسيسي للجامع الطولوني في شهر رمضان من سنة خمس وستين ومئتين وافتتح للصلاة في الشهر الكريم بعد عامين من بدء العمل في تشييده على هضبة كانت تعرف بجبل يشكر. ويرتبط بناء الجامع بالسنة الحسنة التي استنها ابن طولون بشأن تحديد ساعات عمل المشتغلين في أعمال البناء والتشييد فعندما ذهب ليتفقد سير العمل في بناء الجامع بعد صلاة العصر في أحد أيام شهر رمضان لاحظ استمرار الصناع في العمل فأنكر ذلك على مباشر العمارة. وقال: «متى يشترى هؤلاء الضعفاء طعاما لأولادهم؟» وأمر بأن يصرف العمال عند صلاة العصر وكانوا يعملون تقليديا حتى آخر ضوء للشمس ومن وقتها أصبحت مواعيد المشتغلين بحرف البناء مقيدة بدخول وقت العصر. ثالث المساجد الجامعة يعتبر جامع أحمد بن طولون ثالث أقدم المساجد الجامعة بمصر بعد جامع عمرو ابن العاص بالفسطاط وجامع مدينة العسكر ولكنه يحتل المرتبة الأولى بوصفه أقدم الجوامع احتفاظه بمعالمه الأصلية دون تغيير كبير وهو أيضا أكبر الجوامع مساحة إذ يحتل ستة أفدنة ونصف الفدان. وشيد الجامع على غرار المساجد الجامعة الأولى أي انه مؤلف من صحن أوسط مكشوف تحيط به أربع ظلات للصلاة وتم اقتباس تفاصيله البنائية والزخرفية من جامع سامراء الكبير ليعد صدى بدرجة أو بأخرى للطرز المعمارية والزخرفية التي ولدت مع تشييد مدينة سامراء عاصمة العباسيين الجديدة. ويحتل الجامع الطولوني مساحة مربعة يبلغ طول ضلعها حوالي 162مترا ويشغل المسجد مع جدرانه مستطيلا طوله 137.80متر وعرضه 118.10متر ويتوسطه صحن مكشوف مربع تقريبا مقاس ضلعه حوالي 92 مترا وكما هو الحال في جامع سامراء تحيط بالجامع من جوانبه الشمالية والغربية والجنوبية مساحة مكشوفة محصورة بين الجدار الخارجي للجامع وجدار بيت الصلاة وتعرف هذه المساحة باسم الزيادة. وهي تحقق عدة أغراض مثل استخدامها ساحة للتقاضي ومكانا للتدريس ولاستيعاب أعداد المصلين المتزايدة في أيام الجمعة وفي صلوات العيدين. وأسوار الزيادات عالية ومرتفعة فتحت بها أبواب تقابل أبواب الجامع كما فتحت بجدران الجامع أبواب وشبابيك علوية بها حنايا مجوفة وتتوج أسوار الزيادات وجدران الجامع شرافات ذات هيئة غريبة يشبهها البعض بعرائس متماسة الأيدي والأرجل أو بأعراف الديكة. وعدد أبواب الجامع 21 يقابلها مثلها في الزيادات وقد تعددت هذه الأبواب لتيسيير وصول المصلين من المساكن والأسواق حول الجامع حيث كان العمران مزدهرا والتجارة رائجة حتى قيل إن دكة حجرية كانت خلف الجامع مساحتها ذراع في ذراع بلغت أجرتها في كل يوم 12 درهما يستغلها ثلاثة أفراد احدهم في أول النهار لبيع خيوط الغزل والثاني خباز يبيع أرغفته من بعد الظهر إلى العصر والثالث يبيع الحمص والفول من العصر الى المغرب. طوب أحمر استخدم الطوب الأحمر في تشييد هذا الجامع فجدرانه وعقوده والدعامات الضخمة التي تحمل العقود والأسقف مشيدة بقوالب من الطوب الأحمر. وللجامع اربع ظلات للصلاة اهمها وأعمقها ظلة القبلة المؤلفة من خمسة أروقة تسير عقودها بموازاة جدار القبلة بينما تتألف الظلات الجانبية من رواقين فقط وجميع بواطن وواجهات العقود مزخرفة بعناصر نباتية وهندسية نفذت بمادة الجص. ويعتبر محراب الجامع الطولوني من أقدم المحاريب الباقية بمصر وكسا السلطان لاجين تجويف المحراب بعصابة من الفسيفساء المذهبة كتب بها بالخط النسخي عبارة لا اله الا الله محمد رسول الله. ويوجد على يسار المحراب الكبير محراب جصي جميل حافل بالزخارف والكتابات الكوفية والنسخية وبالجامع ثلاثة محاريب أخرى من الجص. ويعود تعدد المحاريب الى تعدد المذاهب في أغلب الظن. وبوسط صحن الجامع قبة تغطي الميضأة وهي من انشاء المنصور لاجين عام 669 وهي قبة كبيرة على اربعة عقود وبرقبتها من الداخل كتبت آية الوضوء. وتعتبر مئذنة الجامع الطولوني من المآذن التي لا مثيل لها في العالم فهي مبنية بالحجر ومقاس قاعدتها 13.65 متر طولا و12.78 عرضا ولها سلم من الخارج بأربع قلبات يصعد منه الى سطح ثم نجد سلما حلزونيا نصف دائري يوصل الى سطح آخر يرتكز عليه الجزء العلوي وهو على هيئة مبخرة وهي المئذنة الوحيدة في مصر ذات السلم الخارجي.وهذه المئذنة من أعمال السلطان لاجين المنصوري بالجامع وقد جمع مهندس هذه المئذنة بين مفردات مختلفة من طرز المآذن فالقاعدة المربعة التي فتحت بها عقود على هيئة حدوة الحصان تشبه مثيلاتها في المآذن المغربية والأندلسية والبدن الاسطواني والسلم الخارجي اقتبس من المئذنة الأصلية الشبيهة ببناء سامراء مع تغيير المنحدر الخارجي واستخدام الدرج مكانه أما المبخرة فهي من مفردات المآذن المملوكية وهي على هيئة قبة مضلعة. محن وخراب من المعروف أن الجامع الطولوني تعرض لمحن كثيرة فاحترق مرتين في العصر الفاطمي وفي القرن السابع الهجري اتخذه المغاربة مأوى لهم ينزلون فيه عند مرورهم بمصر للحج ويبيعون فيه ما حملوه من سلع لتغطية نفقات الحج وأدى ذلك إلى تخريب الجامع وتقسيمه من الداخل الى حجرات ومخازن وحوانيت. في العصر المملوكي وبالتحديد في أيام الظاهر بيبرس البندقداري استخدم جزء من الجامع كمخبز وجاء في حوادث سنة 662 هجريا «1263م» أن الظاهر بيبرس أمر أن يفرق على أرباب الزوايا مائة «اردب» (وحدة قياس قديمة) قمح بعد عملها خبزا في جامع ابن طولون. وفي عام 696 هجريا اختبأ الأمير حسام الدين لاجين في مئذنة الجامع المتخربة فرارا من مطارديه من مماليك السلطان كتبغا ونذر إن نجاه الله وأصبح سلطانا على مصر ان يعيد الجامع إلى رونقه القديم ووفى بنذره بعد أن أصبح سلطانا للبلاد وأنفق في سبيل ذلك 20 ألف دينار من خالص ماله كما ابتاع من بيت المال مساحة من أرض الجيزة ووقفها على المدرسين والمشتغلين والموظفين في الجامع ورتب فيه دروسا للحديث والتفسير والفقه على المذاهب الأربعة ومدرسا للطب وانشأ مكتبا لتعليم الأيتام وسبيل ماء. وفي القرن الثاني عشر الهجري «18م» كان الجامع مهملا فأنشئ فيه مصنع لعمل الأحزمة الصوفية وظل على إهماله حتى عام 1263 هجريا «1847م» فتحول إلى ملجأ للعجزة والطاعنين في السن تحت إشراف الطبيب الفرنسي كلوت بك فلحق بالجامع تلف كبير. ثم قامت لجنة حفظ الآثار العربية في سنة 1882م بترميم الجامع وانتهت في عام 1918م من إزالة المباني العشوائية التي احتلت أروقته وبلغت نفقات العمل لإعادة الجامع الى هيئته الأصلية أكثر من 400 ألف جنيه مصري آنذاك. وأجريت في السنوات الأخيرة عمليات ترميم واسعة لظلات الصلاة والجدران الخارجية حفاظا على هذا الأثر الجليل الذي ارتبط بشهر رمضان المعظم
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©