الأحد 5 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دعم حلفاء أميركا.. هذا هو الحل

20 مايو 2017 22:55
يستعد رؤساء دول حلف شمال الأطلسي «الناتو» الآن لمناقشة مشاكل الإرهاب العالمي والتهديد الروسي في اجتماع قمة ينعقد هذا الشهر. وستكون القضية الأكثر إثارة للاهتمام هي الخوف الذي تستشعره الدول الحليفة لأميركا في العالم أجمع، وتراجع العلاقات العسكرية والاقتصادية القائمة فيما بينها خلال العقدين الماضيين، والتحديات الجيوسياسية القوية التي يمكن أن تسببها هذه الأوضاع للولايات المتحدة. وحتى نقف على أسباب وأبعاد هذه المشكلة، فإن من المفيد العودة إلى الفترة الأولى التي أعقبت نهاية الحرب الباردة عندما كانت قوة واشنطن وحلفائها في الذروة. وفي أواسط عقد التسعينيات، كانت الدول الحليفة لأميركا في «الناتو»، بالإضافة إلى تلك التي أقامت معها واشنطن علاقات تحالف ثنائية في منطقة آسيا والمحيط الهادي بالإضافة إلى تايوان، تحتكر ما يقارب نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأكثر من 35 في المئة من الإنفاق العالمي على الدفاع. وكانت الدول الحليفة الأكثر قرباً من الولايات المتحدة، وهي المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا واليابان، هي أكبر الاقتصادات العالمية بعد الولايات المتحدة، بالإضافة إلى ما تتمتع به بعض هذه الدول (المملكة المتحدة وفرنسا) من قدرات عسكرية خاصة لا يستهان بها. وكان خصوم أميركا وأعداؤها في تلك الفترة إما ضعفاء، أو سائرين في طريق التفسخ والانهيار. وهذا يعني أن الحرب الباردة حوّلت الولايات المتحدة إلى أعظم قوة وقطب منفرد في العالم، وأصبحت الدولة التي تقود الديمقراطيات العالمية من دون منازع. أما الآن، فيمكن القول إن ذلك الزمن قد ولّى وانقضى، وتغير توزيع القوى الاقتصادية والعسكرية على المستوى العالمي بشكل جذري. وقد وجد حلفاء أميركا المقربين والأكثر قوة أن نصيبهم من الناتج الإجمالي العالمي وقوتهم العسكرية بدآ في التراجع منذ منتصف عقد التسعينيات، بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي إلى جانب تخفيض الاستثمار في المشاريع الدفاعية لفترة طويلة، وخاصة في أوروبا. كما أن حلفاء الولايات المتحدة في كل من أوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادي، وجدوا أيضاً أن اقتصاداتهم وقوتهم العسكرية كانت تسجل تراجعاً متواصلاً بالمقارنة مع القوة العسكرية لكل من روسيا والصين، وهما الدولتان المنافستان الرئيستان للولايات المتحدة. ومنذ عام 1994 وحتى عام 2015، انخفضت نسبة مشاركة حلفاء الولايات المتحدة في الناتج الإجمالي العالمي من 47 في المئة إلى 39 في المئة، كما انخفضت مشاركتهم في مجمل الإنفاق العسكري العالمي من 35 في المئة إلى 25 في المئة. وفي هذه الأثناء، قفزت الصين إلى الواجهة العالمية باقتصادها الصاعد وقوتها العسكرية المتنامية، وأطلقت روسيا من جانبها هي أيضاً مشاريع طموحة لتحديث قواتها العسكرية، وارتفعت بذلك نسبة مشاركة هاتين الدولتين في الناتج الإجمالي العالمي من 5.5 في المئة إلى 14 في المئة، وارتفع معدل الإنفاق العسكري فيهما من 6 في المئة إلى 17 في المئة خلال الفترة المذكورة. وحتى لو كانت هذه الأرقام لا تمثل في حقيقة الأمر إلا قياسات مجردة تهدف إلى تقدير مدى تنامي القوة والنفوذ، إلا أنها تنطوي أيضاً على حقيقة أساسية حول أهم التغيرات التي تطرأ على الساحة السياسية الدولية، والتي يمكن تلخيصها في القول إن القوى النسبية لحلفاء الولايات المتحدة لم تعد كما كانت عليه قبل بضعة عقود. كما أن التساؤل حول تراجع القوة الأميركية أصبح موضوعاً لجدل لا يكاد ينتهي هذه الأيام. على أن الشيء الذي يفتقده هذا الجدل هو الإشارة إلى أن تراجع قوة «حلفاء أميركا» ربما تكون أكثر خطراً من تراجع قوة أميركا ذاتها. وكما سبق لي أن قلت من خلال تقرير جديد صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية الذي أعمل فيه، فإن هذا التغير أصبح ينطوي على تحديات كبرى للدولة الأميركية. ونحن نرى الآن كيف أن التوازنات العسكرية الإقليمية في أوروبا وشرق آسيا تتغير وفق وتيرة وأساليب بالغة الخطورة. ولا يعود سبب ذلك لمجرّد أن قوى خصوم الولايات المتحدة في ازدياد ونمو، بل لأن هؤلاء الخصوم يريدون من ممارساتهم تلك نشر الخوف والذعر في أوساط الدول الحليفة للولايات المتحدة. وفي شرق أوروبا، تتفوق روسيا من النواحي العسكرية على حلفاء الولايات المتحدة بطريقة تدعو إلى القلق. وفي شرق آسيا، أصبحت دول كثيرة مثل اليابان وتايوان والفليبين في حالة قلق شديد من تعاظم القوة العسكرية للصين. ومن شأن هذا التراجع في قوة الدول الحليفة، وتنامي القوة المعادية، أن يخلق الكثير من الصعوبات للولايات المتحدة خلال محاولتها لعب دورها التقليدي كدولة قادرة على التحكم في مصائر الدول الحليفة وحمايتها. وقبل 20 عاماً، كان في وسع الولايات المتحدة تحقيق التوازن السياسي الصعب في النزاع الخطير القائم بين الصين وتايوان، أما الآن فقد أصبح من الضروري بالنسبة لها أخذ التفاوت الكبير في حجم القوة بين بكين وجزيرة تايوان، والذي لم يعد بالإمكان إغفاله حتى لو بقيت تايوان حليفة لأميركا. كما أن هذه القضية لا تمثل أيضاً المشكلة الاستراتيجية الوحيدة التي تعاني منها الولايات المتحدة، وخاصة بعد أن اتضح من خلال المشاركات العسكرية البسيطة للعديد من الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في حملة الحرب ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، حيث ظهر أن الحلفاء أضعف من أن يقدموا دعماً عسكرياً مفيداً في الحرب ضد هذا التنظيم في الأماكن التي يتحصن فيها. مع العلم أن هذا التدخل يمثل الاستراتيجية الرئيسة للولايات المتحدة منذ الحرب الباردة. كما أن ضعف الحلفاء، دفع المسؤولين الأميركيين لإعادة تقييم الشراكات الأميركية الأكثر أهمية. ولم نعد نسمع هذه الأيام إلا القليل من الحديث حول «العلاقات الخاصة». وربما يعود سبب ذلك إلى أن بعض الحلفاء، فضلوا تخفيض إنفاقهم العسكري خلال القرن الماضي للدرجة التي خفضت من قدرتهم على المشاركة في تنفيذ أي مهمة عسكرية مفيدة مع الولايات المتحدة في أي مكان من العالم. وحتى نكون واضحين، لا بد من الإشارة إلى أن هذا القصور لا يجوز اعتباره سبباً كافياً لاتخاذ القرار الحاسم بالتخلي عن حلفاء أميركا. والشيء الذي يمكن للولايات المتحدة أن تفعله الآن يتلخص في تبني إجراءات جديدة لإدارة تحالفاتها بأساليب تنسجم مع النتائج والتداعيات الجيوسياسية الناتجة عن ضعف حلفائها، ومحاولة الانسجام مع النظام العالمي الذي كانت واشنطن تسعى منذ أمد طويل للسيطرة عليه بالاعتماد على تحالفاتها. ومن الناحية العملية، يقتضي الأمر التركيز على عدة شروط أو ضرورات أساسية يجب على الولايات المتحدة تبنيها لتصحيح أوضاع تحالفاتها الحالية، وخاصة عن طريق تنشيط الاستراتيجيات الدفاعية الأكثر قوة في حلف «الناتو»، والترويج لعقد شبكة من التحالفات والشراكات الجديدة في منطقة آسيا والمحيط الهادي، والدفع بالشركاء الأساسيين الذين ينتشرون جغرافياً ما بين بولندا واليابان وحتى تايوان، لتبني استراتيجيات دفاعية أكثر اعتماداً على المصادر والموارد الكافية، بحيث تستند في نهاية المطاف على إمكانات دفاعية كافية لمنع الأعداء من التفكير في الاقتراب، ولا شك أن تحقيق هذه الأهداف في أوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادي سيكون أمراً حيوياً بشكل خاص. *محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©