السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البيت القديم مقيم في الذاكرة

البيت القديم مقيم في الذاكرة
13 يوليو 2008 00:30
توسد الأجداد ذهب الأرض الرملية، والتحفوا زرقة السماء، بقمرها المضيء وشمسها الحارقة صيف شتاء، وأمام عيونهم رقصت طوال الليالي النجوم التي نادراً ما كانت تغيب إيذاناً بهطول المطر· كانت بيوت الشعر ''الخيام'' وبيوت سعف النخل ''العريش'' هي دورهم المفتوحة على المدى، وضمت تلك البيوت تفاصيل حياتهم اليومية· وأخفت جدرانها الخشبية أفراحاً وأحزاناً عبر الزمن الذي قضوه في ظل ظروف معيشة قاسية جداً· لا تكفي المجلدات للحديث عن أهمية ومكانة النخلة لدى إنسان المنطقة، فلم يكن خيرها مقتصراً على ثمرها وفيئها واستخدام سعفها، بل أيضاً كانت سكنه وسكينته· يقول الدكتور حسن الصبيحي في كتابه ''تقاليد بادية الإمارات'': ''كانت بيوت ''العريش'' تبنى من الجريد وسعف النخيل وفروعه وخشبه· وكانت الغرف تتخذ غالباً شكل المربع وأحياناً المستطيل، ولها باب صغير للدخول إليها ونوافذ صغيرة· وكانت تغطى في الشتاء بـ ''طربال'' أي قماش من القطن والنايلون لمنع تسرب مياه الأمطار''· يتألف بيت العريش من ''غرفة العريش'' الغرفة الرئيسة، تصنع من خشب الجندل الأفريقي، وتستند إلى أربعة أعمدة من الخشب تربط بالحبال، ثم يُغطى السقف والجدران بالجريد وسعف النخيل· ويبنى على الأرض مباشرة، ويوضع في ركن منه فراش ووسائد النوم، وفي ركن آخر ''مندوس'' يعتبر خزانة لبعض الملابس والمستلزمات الخاصة، قبالته تمتد حصيرة عليها وسائد كبيرة يستند إليها سكان البيت· على العكس منه ''ليوان العريش'' وهو غرفة مرتفعة عن الأرض قليلاً، مسقوفة بالخشب لها باب ودرايش ''نوافذ'' لجلب الهواء· كما يقام فوق غرفتي العريش أو الليوان ''بارجيل'' ليجلب الهواء إلى داخل السكن، وتعتبر كل منهما غرفة مبيت أهل البيت، يستخدمان للمعيشة والنوم في آن معاً· ويضم البيت أيضاً ''المجلس'' له شكل المستطيل، مزود بحُصُر وأرائك، ويتوسطه مصب ودلال وفناجين القهوة العربية وصحن تمر· وثمة باب لدخول الضيوف من الخارج، وآخر من داخله لدخول سكان البيت· أما المطبخ، فهو عادة صغير الحجم، ويقع في إحدى زوايا المنزل بعيداً عن غرف المعيشة، خشية التلوث بفعل الأخشاب المحروقة ورائحة الأكل· وكان طهو الطعام يتم خارجه، بينما داخله يعتبر مخزناً لأدوات المطبخ المصنوعة من ''الخوص'' كالسلال والقدور والأواني الفخارية، وكذلك المؤنة البسيطة من طحين وأرز وتمر وسمن وسكر وملح· وبالقرب منه يقع الحمام، وهو المكان المعدّ لقضاء الحاجة والاستحمام· ومن مرافق بيت العريش ''الطوي'' بئر للماء يكون قرب المطبخ، و يستخدم ماؤه في التنظيف والاستحمام· وهناك أيضاً ''الحظيرة'' بيت الحيوانات والدواجن وتكون أيضا في زاوية من المنزل وبها مستودع للعلف· طوبة طوبة لم يكن سهلاً أو متاحاً تأمين مسكن مشيّد من الطوب، إلاّ بعد جهد شديد وتوفير طويل الأمد، ففي مرحلة لاحقة لبيوت العريش، ظهرت البيوت الشعبية التي بنيت من الطوب والإسمنت، وسطّرت بدورها بعض الشقاء الذي عانى منه الأجداد خلال حياتهم قبل ظهور النفط· فممّ كانت تتألف تلك البيوت القديمة؟ تقول الوالدة أم حميد من ''نادي تراث الإمارات'' تصف البيت الإسمنتي: ''كانت البيوت الإسمنتية التي ظهرت بداية في العين وأبوظبي ودبي، تضم في البيت الواحد غرفة أو اثنتين ومجلسا، وفي بعضها أربع غرف، يسكنه رب الأسرة وزوجته وأبناؤه المتزوجون وغير المتزوجين· الغرفة الرئيسة هي ''المخزن'' وبعض المناطق تسميها ''غرفة المعيشة''، وهي عبارة عن حجرة مربعة تتميز بوجود باب صغير في وسط أحد الجدران الأربعة إضافة إلى دريشة (افذة) أو أكثر بقصد التهوية· وثمة فتحة أعلى الغرفة لطرد الكربون وجلب الأكسجين تسمى ''قمري''· أما حجرات النوم، فكانت تبنى في الطابق الأول للتخفيف من وطأة الحر، تتوفر فيها ''الدرايش'' والأشكال الجبسية، ويقام فوقها بارجيل لجلب الهواء وتبريد الحجرة· وهناك الدهليز ''الوارش'' حاجز يمتد حول سطح البيت، ويستخدم في فصل الصيف، تكثر فيه الشبابيك الأمامية ذات الحجم الكبير، وتكون إما مواجهة للبحر أو جانبية لجلب الهواء· أما ''المجلس'' فلا بد من وجوده داخل البيت لأنه دلالة الضيافة والكرم· ويكون في الطابق الأرضي· يمكن الدخول إليه من باب البيت الخارجي، وثمة باب يدخل منه سكان البيت· يضم إلى جانب الحُصُر والأرائك، ''منقل'' القهوة العربية وصينية الدلال وفناجين القهوة، وبعض أنواع الحلوى المحلية المصنوعة من التمور والزعفران· لكل بيت مرافق خاصة به؛ فهناك حمام لقضاء الحاجة والاستحمام، ومطبخ لطهي الأطعمة، يقعان خارج محيط البيت وداخل السور· أما ''البخّار'' فيقع بالقرب من المطبخ، وفيه تحفظ المؤن الرئيسية، مثل الأرز والطحين والسمن والتمر، والبعض يعمل مدبسة داخل البخّار للحصول على دبس التمر في فصل الصيف الحار، بينما تشترك عدة بيوت في طوي الماء الواقع قبالة بيوتهم· وهناك السور والباب الخارجي، حيث يقام سور للبيت، وتكون أضلاع الغرف الخلفية والمطبخ والحمامات والمجلس جزءاً منه، وتفتح في السور بوابة رئيسية تسمى ''الدروازة'' وتكون مرتفعة بدكة أو اثنتين لمنع تسرب مياه الأمطار والحيوانات الزاحفة إلى داخل البيت، وبعض البوابات تسقف بالأخشاب من داخل المنزل ويعمل ستار حاجز للبوابة من داخل المنزل''· اليوم وبعد مرور عشرات بل مئات السنين على رحلة بيوت العريش، تحرص أندية وقرى التراث في الدولة على بناء مجمعاتها ومرافقها وفق تصميم بيوت العريش وبيوت الإسمنت القديمة، إحياءً لتراث الأجداد وحفاظاً على زمن التفاصيل الحميمة، ولتظل بيوت العريش وأهلها مقيمين في الذاكرة والوجدان·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©