الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سائق التريللا عصفور طيار

سائق التريللا عصفور طيار
13 يوليو 2008 00:39
يعتبرها البعض مهنة المشقة وتلف الأعصاب، لكنها بالنسبة إلى أصحابها مهنة سلسة تعلم الصبر والتأني والأخلاق· فالشحن البري مهنة ''الجندي المقدام'' سائق ''التريللا'' أو الشاحنة، الذي يحمل على عاتقه أطناناً من الأمانات ويقطع بها آلاف الكيلومترات· فكيف تنقل كل هذه البضائع المنوعة، من مواد بناء وأسلاك ومفروشات وغيرها؟ وكيف تصل سليمة مع أنها تقطع مسافات شاسعة، وتمضي عليها مكدسة فوق العجلات أيام وليال طويلة؟ وترى، كيف يدبر ذلك ''العصفور الطيار'' أمره خلال رحلاته الطويلة؟ في إمارة الشارقة، على كتف المدينة الصناعية، وفي باحة رملية متاخمة لمحال قطع غيار السيارات، يلتقي في محطات عدة من السنة عدد من الأصدقاء غير التقليديين· يتعاونون، يتسامرون، يتبادلون أخبار النقل، ويستعدون كل ليلة مع صوت أم كلثوم وفنجان الشاي لبرنامج يوم جديد تحدده الظروف· فهناك، يتجمع سائقو الشحن البري ويركنون الآليات حيث يفرغون حمولاتهم الآتية من مختلف البلدان العربية ليوزعوها فيما بعد على أصحابها· وكي لا يعودوا إلى نقطة الانطلاق وسلتهم فارغة، فهم يجولون بحكم الخبرة على زبائنهم في الإمارات، ويحملون لهم ما تيسر من بضائع وكراتين يوصلونها في طريق العودة إلى عناوينها· مقصورة الراحة عبدالله طباجة يعمل كسائق شاحنة على طريق لبنان الإمارات منذ 30 عاماً، ويعتبر ''الشحن البري مهنة الفن والذوق، وبقدر ما تعطيها من إخلاص وولاء، بقدر ما تدر الرزق والمعارف· وقد علمتني هذه البلاد الصدق في التعامل، حيث بنيت الكثير من العلاقات المتينة التي تحولت مع السنين إلى جزء لا يتجزأ من حياتي''· أمضى أبو علي، وهو أب لخمس بنات وثلاثة أولاد، أكثر من نصف عمره متنقلاً على هذه الحال· وعلى الرغم من أيام السفر الطويلة التي يمضيها على الطريق، إلا أنه لا يحرم نفسه من الملذات وأوقات الراحة· حاله حال كثيرين من زملائه في المهنة· وفي جولة على مقصورته الخاصة، فوجئنا بتفاصيل حياته التي تختصرها بضعة أمتار· هنا، فراش يخلد إليه بمجرد أن يشعر بالتعب حتى وإن كان ذلك في عز الظهر· وهناك، طاولة عليها راديو صغير وفرشاة وعطر، وأدراج يضع فيها ملابسه وأوراقه· ومن الجهة الأخرى، دفعنا الفضول إلى التعرف إلى محتويات ثلاجة الشاحنة، التي يملؤها في كل مرة يسافر فيها بمؤونة استثنائية: لحوم، ألبان، أجبان، برغل، كشك، زعتر وأصناف عدة من الخضار، البقدونس أبرزها، وبعض الأطباق المنزلية التي حضرتها له أم علي، ولا ينقصها سوى التسخين على ذاك الغاز الصغير الذي يحمله معه دائماً في حله وترحاله· وبينما كان طباجة يحدثنا في الهواء الطلق، ومن حوله العمال وزملاؤه في المهنة، أخذ يحضر أدوات الشيشة ويشعل الفحم· ''فالسهرة لا تحلو إلا بجلسة سمر مع الأصدقاء، كي ينسى الواحد منا تعبه ويستعيد نشاطه من جديد''· هكذا، امتدت السهرة لساعات تخللها عشاء بسيط وأباريق عدة من الشاي· وقد اخترقنا جزءاً من هذه الجلسة للتعرف أكثر على أسرار المهنة· آخر صيحات النقل لا نبالغ إذا ذكرنا أن آخر صيحات الموضة في عالم الشحن البري، هي اليوم لنقل أثاث البيت وأدوات المطبخ من خشبيات وزجاجيات وأكسسوارات منزلية تتضمن حتى الثريات والستائر والسجاد· وبحسب العم مصطفى علاء الدين وهو أحد المدعوين إلى السهرة، والمتخصص في الشحن البري منذ 28 عاماً، فإن الإقبال على شحن المفروشات يعود إلى سببين: ''إما لكون الأسعار في الإمارات أرخص من البلدان المصدرة لها، وإما لكون المقيمين هنا لا وقت لديهم للتبضع في بلادهم· وهكذا، يقومون باختيار الأثاث الجديد وإرساله إلى موطنهم وبيوتهم التي يجنون ثمنها من الغربة· بينما يلجأ البعض إلى نقل أثاثه القديم بقصد إفساح المجال لمشتريات جديدة تكسر من روتين أيامه''· يذكر هنا أن نقل المفروشات قد يكون أصعب من نقل أي سلعة أخرى، كونه يتطلب الكثير من الدقة والانتباه منعاً لتضرره، كما يقول العم مصطفى علاء الدين، ''في حين أن مواد البناء أو ''الكابلات'' والأدوات الصناعية، تكون مجهزة أصلاً ولا تتأذى مهما كانت الدرب وعرة''· أدق التفاصيل عملية النقل هذه وإن تبدو للوهلة الأولى واضحة المعالم، إلا أنها في الحقيقة شائكة وتحتاج الى الكثير من التركيز والقدرة على التنظيم، إضافة إلى الخبرة في القيادة· فالخطأ فيها وارد اذا لم تتم جيداً عملية التعريف عن البضائع وكتابة عناوين أصحابها بشكل صحيح، لكي يسهل فرزها فيما بعد وايصال الأمانات الى أصحابها· ويتحدث عن هذه النقطة السائق عمر مراد الذي يعتبره زملاؤه في المهنة، شديد الحرص على أدق التفاصيل في عملية النقل· فهو لا يرضى بالفوضى أبداً، ولا تعنيه السرعة في التوصيل، بقدر ما تشغله مسألة القيادة السليمة والآمنة· يقول: ''أنا مؤمن بأنه في التأني السلامة وفي العجلة الندامة، وقد ينتقدني البعض لتأخري على الدرب، ولكنني لا أكترث للأمر، فقد علمتني هذه المهنة ألا ألتفت خلفي أبداً وانما أمضي قدماً الى الأمام''· ويوضح أنه من الضروري جدا أن يجدول السائق خطة عمله، بحيث لا تختلط عليه الأمور خصوصاً أن عملية النقل الواحدة قد تضم بضائع لعشرة زبائن أو أكثر· ''وهنا وجب توضيب الصناديق بطريقة فنية ومدروسة، تتحول مع الخبرة الى أمر بديهي تكبر معه المسؤولية''·
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©